إصلاح الشرطة في العالم العربي
تتطلب آمال الديمقراطية في دول مثل مصر وتونس وغيرها أن يتخذ رجال الشرطة دوراً جديداً كحماة لحكم القانون. ويعني ذلك الحفاظ على مبدأ أن الجميع، بمن فيهم رئيس الدولة، يجب أن يكون مسؤولاً وبشكل متساوٍ تحت قوانين عادلة يشرف عليها الشعب. لن يكون هذا الانتقال الحيوي سهلاً، ولكن يمكن استنباط دروس قيّمة من دولة عربية بدأت فعلاً بتطبيق التغيير.
قضيت في العام 2008 أربعة شهور مع الشرطة المغربية في الدار البيضاء كصحفي. سمحت لي الحكومة بمرافقة وحدة من مباحث الشرطة الذين يلبسون ثياباً مدنية في عملهم اليومي، حتى أستطيع مشاهدة المواجهات على مستوى الشارع بين المواطنين ونظامهم عبر عيون شرطي. شهد المغرب، مثله مثل دول عربية أخرى في الشهور الماضية مظاهرات قام بها الشباب مطالبين بالإصلاح السياسي. ولكن بعكس الدول المجاورة، كانت المطالب بإسقاط الملك نادرة نسبياً. وقد يكون أحد أسباب هذا الفرق أن الخدمات الأمنية التابعة للنظام تميل إلى أن تكون أكثر اعتدالاً من نظيراتها في الدول العربية المجاورة. ما زالت الوحشية والفساد منتشران، ولكن عندما وصلْت إلى المغرب كانت جماعات حقوق الإنسان قد بدأت تلاحظ تحسناً متواضعاً. كانت الشرطة المغربية تتعرض لتجربة محليّة المنشأ من الإصلاح، تتكون من ثلاثة عناصر رئيسية.
عناصر الإصلاح
كان العامل الأول جهداً من جانب أعلى متسويات الحكومة لإصلاح أخطاء الماضي. أسس الملك محمد السادس في العام 2004 هيئة المساواة والتسوية للاعتراف بضحايا الوحشية التي مارسها نظام والده الملك حسن الثاني وتعويضهم. يبدو أنه نتيجة لذلك أظهر بعض رجال الشرطة وعياً مثابراً لأنهم أصبحوا عرضة لتظلمات المواطنين. "إذا استخدمت العنف للتحقيق مع مشبوهين"، قال أحد رجال المباحث لي، "فإن لديهم موارد وسوف أتعرّض للعقاب". شهدْت فعلياً رجل شرطة يضرب مشبوهاً في منطقة فقيرة في إحدى الليالي، وهو عرض من العنف لم يهتموا بالتستّر عليه، إلا أن السلوك القانوني الذي شهدته بين الآخرين لم يبدو وكأنه تمثيلية صُممت لاستهلاكي الشخصي.
والعامل الثاني الذي رأيته هو بداية محاولة لجعل تطبيق القانون المغربي أكثر شمولية. كان المركز الأمني يسيطر عليه رجال مباحث عرب، إلا أن العديد من رجال الشرطة الجدد تم التعرف عليهم كبربر، وهي مجموعة عرقية شمال إفريقية. وكان تجنيدهم جزءاً من جهد أوسع لإدخال المزيد من البربر في صفوف الضباط، اتّباعاً لنظرية أن قوة عرقية مختلطة تستطيع إنشاء علاقات أفضل مع مجتمع محلي حضري مختلط.
تستحق هذه المبادرة أن يتم تبنّيها في مجتمعات منشرخة في أماكن أخرى في المنطقة. خذ على سبيل المثال التركيبة المنحرفة للشرطة الأردنية: معظم أفراد الشرطة الأردنية ينحدرون من أصول على الضفة الشرقية لنهر الأردن، بينما غالبية الشعب الذي يخدمه رجال الشرطة هؤلاء هم من أصول فلسطينية من الضفة الغربية. والوضع متطرف أكثر في البحرين حيث تقوم قوة شرطية معظم أفرادها من السنّة (وأحياناً من جنسيات أجنبية) بخدمة غالبية شيعية من السكان، أو في سوريا حيث تلعب أقلية علوية بالدرجة الأولى دوراً مهيمناً في قوات الشرطة المختلفة.
أما العامل الثالث في المغرب فمحاولة من قبل الحكومة لتعليم الشرطة معنى حقوق الإنسان وعلاقتها الوثيقة. بعد فترة قصيرة من تولّي الملك الحالي سلطاته عام 1999 أصبح تعليم حقوق الإنسان جزءاً من تدريب الشرطة. تحدث الضباط الأصغر سناً الذين قابلتهم أحياناً عن هذه المُثل عند شرحهم لتوجهاتهم في تطبيق القانون. يبدو أنه كان لزرع معايير حقوق الإنسان، مضافاً إليها تهديدات بالمحاسبة، بعض الأثر على سلوك رجال الشرطة.
في هذه اللحظة المحورية من التحول المأمول به نحو الديمقراطية وحكم القانون في العالم العربي، تشكّل عملية إصلاح العمل الشرطي العربي أمراً حيوياً. وإذا قامت الحكومات في المنطقة بعمل ذلك فإنه سيشكل دليلاً واضحاً على صدق الإصلاح وإمكانات نجاحه.
جوزيف برودي
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011
جوزيف برودي هو مؤلف كتاب "الموتى المكرّمون: قصة صداقة وجريمة والبحث عن الحقيقة في العالم العربي". (دار راندوم هاوس للنشر، شبيغل وغراو حزيران/يونيو 2011.