"حياة مليئة بالحفر والمطبات"

كانت المصورة المغربية إيطو براده واحدة من المرشحين الأربعة لجائزة التصوير الفوتوغرافي لهذه السنة التي ترعاها البورصة الألمانية ويمنحها غاليري المصورين المعروف في لندن. تقدم براده في معرضها صوراً حية عن الحياة في مدينتها، طنجة. شارلوته كولينز التقت بها في لندن وكتبت هذا التقرير

تهتم إيطو براده بالحواجز، تحديداً بتعامل الناس معها وهم على يقين أن خلف هذه الحواجز أماكن محظورعليهم دخولها.

ولدت براده في فرنسا من أبوين مغربين في عام 1971 وهي تعتبر نفسها "محظوظة لأني أحمل الجنسيتين، لذا فأنا أستطيع التنقل من مكان إلى آخر بكل حرية، وهذه نعمة لا يملكها الكثيرون".

درست إيطو براده التاريخ والعلوم السياسية في جامعة السوربون في فرنسا ومن ثم أمضت سنتين في القدس والضفة الغربية في فلسطين تراقب وتدرس حواجز الطرقات والأساليب التي يلجأ إليها الفلسطينيون في التفاوض مع الجيش الاسرائيلي. وفي هذه الفترة اكتشفت ولعها بالتصوير الفوتوغرافي.

تقول براده: "بدأت أوثّق عملي بالصور الفوتوغرافية ومع الوقت أصبحت في أغلب الأحيان أستخدم الصور للتعبير عما يثير اهتمامي لأني اكتشفت أن هذه الطريقة قيودها أقل من غيرها. بدأت أشعر بشغف للفن وباعجاب بالامكانيات التي يقدمها لي للتعبير عن الوضع السياسي".

يشكل ذكاء براده السياسي الحاد دعامة لعملها، ولكنها تصر على أنها مجرد صدفة أن يصور معرضها الرئيسي الأول بعنوان "حياة مليئة بالحفر والمطبات – مشروع المضيق" أيضاً تأثيرات الحدود المادية والسياسية على سكان بلدتها طنجة.

حدود مقفلة

كان المغاربة يتنقلون بحرية ذهاباً واياباً عبر مضيق جبل طارق الى ان جاءت اتفاقية شينغين الخاصة بحرية حركة الأشخاص في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي عام 1991. تشير براده:

"خمسون كيلومتراً ليست مسافة بعيدة وكأننا على ضفة بحيرة مقابلة. يرى المرء طيلة الوقت شواطئ اسبانيا، وفجأة بين ليلة وضحاها يُمنع من العبور وتصبح الحدود مقفلة. كان الهدف المعلن أن تستقطب المغرب بحدود عام 2010 حوالي عشرة ملايين سائح. هذا طريق باتجاه واحد! كل انسان يستطيع العبور الى المغرب – وتعلمين ماذا؟ نحن لا نستطيع التنقل! قانونياً لا أحد يستطيع مغادرة البلاد – "لا أحد" تعني غالبية عريضة جداً".

ابتداءً من عام 1991 أصبح المغاربة بحاجة الى تأشيرة دخول إلى أية دولة أوروبية وهذا أمر يستحيل على الكثيرين. إذ عليهم تقديم الاثباتات بأن لديهم مبلغا كافيا في حسابهم وتذكرة ذهاب و عودة ودعوة زيارة.

حاول الكثيرون مراراً العبور بشكل غير قانوني، وتتابع براده: "هناك مفردة جديدة، فهؤلاء الذين يعبرون يسمون "الحرّاقة". أن تعبر تعني "لحرق" لأنهم يحرقون ماضيهم وراءهم وهويتهم وأوراقهم الثبوتية – لأنه في حال تم الامساك بهم فسيحصلون على تصريح إقامة ان قالوا أنهم من الجزائر بسبب الوضع السياسي هناك، أما ان كانوا من المغرب فسوف يرسلون الى بلدهم ثانية.

براده تتحدث عن "ضغط أوروبي لتجعل منا حدوداً خلف الحدود". وتنتقد الحكومة المغربية لفشلها بالتوجه الى لب المشكلة التي أدت الى اليأس من العيش في المغرب – البطالة العالية والوضع الاقتصادي المزري.

وتتابع براده ان "الصحف المغربية تستخدم نفس المصطلح الذي تستخدمه الصحف الاوروبية – الهجرة غير الشرعية. انها فقط من وجهة نظر أمنية. عالمياً لا تحظى هذه القضية باهتمام السلطات المغربية".

هوس العبور الى الشاطئ الآخر

يحاول سنوياً الآلاف من جميع أنحاء أفريقيا، معظمهم من الأطفال (الذين لا تتم اعادتهم طبقاً للقانون الأوروبي) عبور مضيق جبل طارق في قوارب صغيرة أو متخفين على متن البواخر.

لا أحد يعلم كم منهم نجح في العبور أو كم منهم لاقى مصرعه في هذه المحاولة. ونتيجة ذلك فإن طنجة تغص بالذين يريدون العبور. وتقول براده: "يتملكهم هوس العبور الى الشاطئ الآخر حيث العشب أكثر اخضراراً، هذا الشعور يحكم شوارع طنجة ليل نهار. يمضون الوقت بالتفكير بكيفية جمع مبلغ كاف لتغطية مصاريف العبور. يمر المرء في الشوارع ويرى أناساً ينتظرون ويسيرون تائهين بلا هدف".

أحاطت براده بهذا الاحساس المنتشر بين شعب مجهول المصير. يفضي معرضها الى الهدف المنشود اذا نظرنا اليه ككل وليس إلى كل صورة على حدة. الترابط بين الصور تكلمنا عنه الصور نفسها. تصف براده الطريقة التي تعمل بها على أنها "أقرب الى مونتاج صور".

تهدف براده من خلال استعمالها الألوان والتصوير ورفضها اضفاء اللمسة الرومانسية على مواضيعها الى "تحدي وسواس الانجذاب الى الجمال الذي ميز أعمال العالم العربي لفترة طويلة".

على شفير الهاوية

الجدران موضوع متكرر في أعمالها. في احدى الصور نرى قطعة كبيرة من الاسمنت تبدو وكأنها انشقت لتكشف عن شريط من المنازل الجديدة المنيرة المطلة على قطعة أرض خاوية. وفي صورة أخرى نرى حائطاً أبيض عليه رسومات باهتة لكرة قدم، وفي أخرى حائط مقهى مغطى بشكل مضحك بصورة من وحي طبيعة جبال الألب التي تتميزبالبحيرات والجبال.

تقريباً كل الشخصيات في أعمال براده المعروضة في "حياة مليئة بالحفر والمطبات" لا تنظر مباشرة الى الكاميرة. فنرى شابة تلعب الورق، امرأة جالسة على قارب، رجلين متعانقين يمشيان في شارع الحرية – يبدوان كما لو أنهما أدارا ظهورهما عمداً.

تقول براده: "هذا بالضبط التعبير المجازي، عندما يمضون وقتهم على شفير الهاوية، على منصة الاستعداد للرحيل عن افريقيا، يحاولون الوصول الى الناحية الأخرى، فهم يديرون ظهورهم لما يحدث حولهم، لا يثمرون بعطائهم لبلدهم".

بقلم شارلوت كولينز
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

طنجة تستعيد ألقها القديم
"يا له من مكان عجيب!" قال ويليام.س. بوروز، الكاتب الأمريكي، في أحد اللقاءات الصحفية عن طنجة، المدينة التي أصيبت بالإهمال خلال العقود الماضية تشهد الآن حملة ترميم وتجديد، وهاهي تجذب إليها مجددا عددا من المشاهير.