"أفغانستان تتعطش إلى السلام"

زار الصحفي وصانع الأفلام الوثائقية الألماني روجر فيلمزن أفغانستان ولم يلتق أشخاصاً من مختلف الأطياف السياسية فحسب، بل التقى أيضاً فنانين وتجار مخدرات كبار وأشخاص حزينة مكتئبة. حميرة حيدري أجرت معه هذا اللقاء.

مباشرة بعد نهاية الحرب في أفغانستان ذهبت إلى هناك لتكون بنفسك صورة عن تلك البلد، لماذا؟

روجر فيلمزن: لطالما كانت أفغانستان أرض الحنين بالنسبة لي وذلك منذ أن عاد أحد أصدقائي من هناك مبهوراً ومأخوذاً بحضارة هذه البلد بعدما أقام هناك حوالي سنة واحدة. كانت الحضارة الأفغانية شديدة الشفافية إلى درجة أن مختلف التوجهات الإسلامية والبوذية والمسيحية أختلطت مع جماعات الهيبيز الألمانية.

أردت زيارة بلد تتميز بهذا السحر. قرأت الكثير عنها وعن أدب رحلاتها ودخنت الأفغاني الأخضر والأسود وأهوستني تلك البلد. وتعرفت على أقرب صديقاتي ناديا كريم وهي أفغانية مقيمة في المنفى وتعلافت من خلالها على العديد من الأفغان في الخارج.

وكمثل العديد من الناس الذين تتملكهم فكرة زيارة أماكن أسطورية، كانت أفغانستان البلد الأسطوري التي أحلم بزيارتها واغتنمت أول فرصة لأحقق حلمي.

أين هي مواطن الخلل حسب رأيك في تقديم المساعدة؟ ما الممكن عمله ولم يتم القيام به؟

فيلمزن: أولاً برأيي إن التركيز على العاصمة كابول خطاً فادح. تتمركز في هذه المدينة حوالي ألفين وأربعمائة منظمة إغاثة مما أدى إلى ارتفاع أجارات البيوت وإكتظاظها بالغرباء مما ضيق المكان على المواطنين من الأفغان وعلى العائدين من منفاهم ليستقروا في العاصمة.

وثانياً لا يصب تمركز مشاريع الإغاثة في مدينة كبرى مثل كابول في خدمة البلد، إذ أن القرى هي التي تعاني الأمّرين وتحتاج إلى مساعدة وهي بعيدة جداً عن كابول حيث لا تصل إليها مشاريع الإغاثة في أغلب الأحيان.

وتجدر الإشارة إلى صعوبة توزيع المساعدات المالية على أفغانستان بحيث لا تظهر على أنها تخدم مصالح شخصية ولا تصبح شكلاً من أشكال الإستغلال أو وسيلة لفتح أسواق جديدة لخدمة الأتراك والصينين والباكستانيين وطبعاً الأميركان ولكن ليس الأفغان.

إنه لمن المخيف كيف أن البضائع التي تدخل أفغانستان عن طريق باكستان غريبة كلياً عن البضائع المعروفة هناك وهذا الأمر يمتد حتى فن الهندسة المعمارية وأسلحة البلاستيك التي تقلد طلقات الليزر التي يلعب بها أطفال أفغانستان لتكون بمثابة وسيلة للتغلب على أحزانهم. ثمة كثير ما يحدث في أفغانستان من جراء التأثيرات الخارجية وهذا مُهلك للبلاد حتى أني لا أعرف من أين أبدأ.

وصفك أحد أطفال أفغانستان على أنك أول سائح يصادفه بعدما قلت له إنك تقضي عطلة في وطنه. هل صادفك أناس يتصفون بروح المرح أو أن أغلب الناس استسلم لليأس؟

فيلمزن: في الواقع لم ألمس أي نوع من اليأس لدى الناس لأني لاحظت مدى النشاط والحيوية التي يتحلى بها الناس هناك رغم كل المآسي واللوعة التي يعانون منها. فالتعطش للسلام لا يوصف لدرجة أني صادفت أشخاصاً يشعرون بخيبة أمل تجاه الديمقراطية التي نحاول أن نفرضها عليهم والتي أدخلت قوى إلى البرلمان، لطالما عانى الأفغان من ظلمها لهم.

إلا أنه هناك العديد ممن يريدون السلام ويتطلعون إليه، فسائق التاكسي يقود سيارته نحو السلام وعامل الطريق يساهم في الإعمار ومعلمة المدرسة التي لم تيأس من وضعها وظلت تتعلم في الخفاء والتي تنظر إلى السلام بحزن وانكسار وتقول: "ما الذي كان قد يحدث لو أنه لدينا أربعين فتاة في الصف يتعلمن ويتربين..."

اليأس لم يجد طريقه إلى صدري، بل تتملكني روح الأمل حتى لو كان هذا الأمل غير مزهر، بل يذبل حتى قبل أن يثمر أصلاً. نشعر على الأقل أن كل شيئ في أفغانستان اليوم حاضر للتوجه نحو السلام.

في إستفتاء أُجري مؤخراً عن مؤهلات وشروط السلام في أفغانستان أجاب خمس وثلاثون بالمائة من الأفغان إن نزع السلاح هو الحل، بينما أجاب إثنان بالمائة أن التدخل الخارجي هو السبيل. وهذا إن دل على شيئ فهو يدل على أنه علينا حالياً ألا نتدخل كثيراً فيما يحصل في أفغانستان وعلينا أن نكون حذرين في تصرفاتنا ونأخذ الثقافة الأفغانية في عين الإعتبار عند الإقدام على أية خطوة وألا يكون تدخلنا ذو صبغة عسكرية ولا إقتصادية طبعاً، بمعنى أن لا نتطلع لفتح أسواق جديدة لتحقيق مطامعنا التجارية.

بناء على ما ذكرته فأنت لا تؤيد إرسال طائرات التورنادو الألمانية إلى أفغانستان

فيلمزن: عارضت بشدة إرسال تلك الطائرات وراسلت عدة أعضاء في البندستاغ الألماني وقمت باحتجاج رسمي. حسب رأيي فإنه من الغباء الشديد أن نقول إن تلك الطائرات تقوم بمهام إنسانية ليس لها علاقة بالعمليات العسكرية. التورنادو أصلاً طائرة حربية، تقوم بمهام استطلاعية لتحديد أهداف عسكرية.

أضحت ألمانيا قوة محتلة منذ لحظة اشتراكها بتلك المهمة، والمحتل يكون هدفاً عسكرياً لقوات طالبان وعصابات النهب ويخسر تعاطف الناس معه. مع العلم أن تعاطف الناس هناك مع الألمان من جهة شيء قيم ونادر ومن جهة أخرى على حافة الإنهيار لأني صادفت بعض الناس الذي قالوا لي: "أغربوا عن وجهنا! ما الذي تريدونه منا؟"

وثمة شبان يغضبون ويثورون في وجه الألمان. في المقابل قال لي أحدهم: "ضع العلم الألماني على سيارتك ولن يتعرض لك أحد". وأحياناً يضع جنود أميركان العلم الألماني على سيارتهم، مما يُعتبر جريمة حرب.

أجرت المقابلة حميرة حيدري
ترجمة منال عبد الحفيظ شريدة
حقوق الطبع قنطرة 2007