من ثقافة الصحوة الإسلامية إلى إحياء العقل المعرفي النقدي

يدعو الكاتب الكويتي أحمد شهاب الجماعات الإسلامية العربية إلى الكف عن إعادة إنتاج "ثقافة الصحوة"، التي تمتلئ برؤى وتصورات مغلوطة عن الذات والآخر، واستبدالها بثقافة نقدية قادرة على فحص الأفكار والمقولات بعقل مفتوح وقابلية فكرية بما يتلاءم مع واقع التحديات والحاجات الراهنة.

قدم الإسلاميون العرب خلال الخمسين سنة الفائتة أنفسهم كقوات طوارئ، لتخليص المجتمع من الأخطار التي تحيق به، وكفرق إنقاذ إسلامية جاهزة لانتشال الأفراد من الأوبئة الأخلاقية والسياسية المتراكمة، بداعي ابتعاد الناس عن منهج الله، وأنهم جاءوا لتخليص المجتمع، أو الدولة، أو حتى العالم، من الشرور والمصاعب، بدلا من أن يقدموا أنفسهم كشريك سياسي واجتماعي فاعل، يستهدف فعل التنمية والإصلاح بالاتفاق والتعاون والتنسيق مع الجهـات الفاعلة في المجتمع، وهو تصور فوقي ينظر إلى المجتمع ككيان سلبي عاجز عن اتخاذ القرار، ويحتاج وصاية وقوامة من الآخرين.

هذا الموقف حوَّل الكُتل الإسلامية من صفتها كجماعات مُنظمة مشروعها التجديد والتغيير، والإسهام في تحسين أحوال وظروف المجتمع، إلى «مشروع أزمة» لا يستطيع أن يُبادر إلى العمل والحركة، إلا في وسط ميدان الكوارث السياسية، والصدامات الاجتماعية، والفتن الطائفية المتوالية.

وقد عزز من ذلك الاعتقاد السلوك المتشدد والمتشنج من قبل العديد من الأطراف الإسلامية، والذي قرأه الشارع على أن الإسلاميين يتعمدون افتعال المعارك حتى يكون لهم دور، مثلهم مثل الكاتب المغمور الذي يبحث عن موضوعات، وعناوين الإثارة للفت انتباه القُرَّاء، عندما يعجز عن لفت أنظارهم بقوة الأفكار

خلل في طبيعة التحصيل المعرفي لدى الإسلاميين العرب

مكمن الخلل يكمن في طبيعة التحصيل المعرفي لدى الإسلاميين، والذي تجمد عند ما أنتجه وقدمه الفكر الإسلامي الحركي في النصف الثاني من القرن العشرين، والذي غلب عليه تقديم الأيديولوجي والسياسي على الثقافي والفكري. فالحركة الإسلامية في تلك المرحلة كانت معنية بالصراعات السياسية، أكثر بكثير من مهام التربية الفكرية، وأنتج رواد فكر الصحوة أدبياتهم الخاصة لتلك المرحلة، من ضمن تقديراتهم الذاتية لزمن ونوعية الصراع الدائر. وهي كتابات، وإن كانت صالحة لوقتها ومناسبة لظروفها، فإنها لم تعد ملائمة للوقت الحاضر، وفقدت ملامسة الأوجاع الراهنة.

يعزز من أهمية هذه المراجعة، حاجة الجماعات الإسلامية إلى التوقف عن تلقين الأفراد بالأفكار السابقة ذاتها، والكف عن إعادة إنتاج «ثقافة الصحوة»، والتي تمتلئ برؤى وتصورات مغلوطة عن الذات والآخر، واستبدالها بثقافة نقدية قادرة على فحص الأفكار والمقولات بعقل مفتوح وقابلية فكرية، تستوعب المجتمع بتنوعاته ومشاربه الثقافية، ومدارسه الاجتهادية، وإعادة ترتيب ذهن المسلم المعاصر، بما يتلاءم مع واقع التحديات والحاجات الراهنة، فإن كان تقدير رواد الصحوة أن المجتمع في حاجة إلى قوات حركية تنفذ الأوامر بإخلاص وتفان كاملين، فإن الفترة الحالية بالتأكيد تحتاج إلى مبدعين ومتخصصين على المستويين الفكري والعلمي.

الفكر الحركي الإسلامي استهدف تسييس الدين

بنت الصحوة ثقافتها على فكرة مؤداها أن الواقع الاجتماعي والسياسي فاسد، ودور الفئة المؤمنة هو مواجهة ذلك الفساد، بالأدوات المستخدمة عينها. ولذا استهدف الفكر الحركي تسييس الدين، ودخل في صدامات عنيفة ضد المجتمع تارة، وضد الحكومات القـائمة تارة أخرى، ولم يتردد في استخدام واستنفار كل النصوص المقدسة في سبيل كسب نتيجة المعركة، وإحراز نقاط إضافية على الطرف المقابل. ولهذا فإن جُل الكُّراسات الصحوية تُركز على الدين، من حيث كيف يجب أن يكون؟ وتتجاهل واقعه التطبيقي وأبعاده في حياة الناس.

نحن مدينون لثقافة الصحوة الإسلامية، فليس كل ما أنتجته وقدمته سيئا، وغير صالح للتداول. يكفي أنها أسهمت في إخراج الإسلاميين من قوالبهم التقليدية الجامدة، ودفعتهم إلى التفكير خارج نطاق القضايا والمسائل العبادية والعقائدية المعهودة، ويُسجل لها موقفها الوطني في مناكفة الاستعمار الغربي، ومحاربة الأفكار الدخيلة، ولكن السيئ هو جلب «الثقافة الصحوية» بكامل حمولتها وأثقالها التاريخية وأزماتها الاجتماعية إلى العصر الراهن، بروحية تقليدية مغرقة بالمثالية، وخالية من توتر الاجتهاد والتجديد، والإصرار على التوقف عن "ثقافة الصحوة"، واعتبارها ثوابت فكرية لا يمكن الاقتراب منها، أو نقد رموزها وشخصياتها.

تسييس الدين أم تديين السياسة؟

فيما يحتاج الواقع الراهن أن يُعيد الإسلاميون ترتيب حساباتهم مع المجتمع بالكامل، ويعيدوا قراءة الواقع ومتطلباته المختلفة بعقل مفتوح، من حيث إعادة ترتيب الأولويات الحركية، واستيعاب أصحاب الخبرة، وتقديم أهل الاختصاص، وتوسعة قاعدة الأنصار والأصدقاء، وتضييق مساحة الأعداء والمنـاوئين، والسعي المنظم لتهدئة واستقرار حركة الساحة الداخلية، وتجنب الدخول في معارك هامشية تستهلك طاقات المجتمع، وتبني الأطروحات والبرامج الحديثة، والانفتاح على سائر التوجهات والتصورات، بصفتهم شركاء في الوطن لا هم غرماء وخصوم دينيون.

ومن الضروري بمكان أن تعتمد الحركة الإسلامية في تقديم وتعريف نفسها للجمهور من خلال البرامج والمشاريع الإصلاحية التي تتبناها الجماعة في عرض اهتمامها بعملية الإصلاح والتنمية في المجتمع، وتبتعد قدر الإمكان عن رفع الشعارات والعناوين الدينية، واستغلالها في صراعاتها السياسية والاجتماعية، فأهم ما ينبغي الفكاك منه، في المرحلة الراهنة، هو عدم إقحام الدين في السياسة، والدخول في المعترك السياسي من بوابة الفكر السيـاسي، لا من بوابة الدين، إذ المطلوب، ليس بعث ثقافة الصحوة من جديد، وإعادة تسويق خطابها وبرامجها، وإنما إحياء العقل المعرفي النقدي، القادر على قراءة النص الديني بعقل مفتوح، وغير منفصل عن حاجات الواقع ومتغيراته.

والمنتظـر ليس تسييس الدين، وإنما تديين السياسة، وتهذيب الحراك السياسي بإطار أخلاقي وقيمي، يمنع استغلال الدين لتحقيق مصالح دنيوية ضيقة، وهي الخطوة المنتظرة التي يمكن من خلالها أن يتحول الدين إلى ضابط أخلاقي على الممارسة السياسية وليس العكس!
أحمد شهاب

حقوق الطبع: قنطرة 2009

أحمد شهاب كاتب كويتي معروف يهتم بتطور الحركات الإسلامية وأطروحاتها السياسية.

قنطرة
كتاب "الشريعة الإسلامية – الماضي والحاضر" للبروفيسور روهه:
"فهم الشريعة يجب أن يقترن بالسياقات التاريخية"

في كتابه الجديد "الشريعة الإسلامية – الماضي والحاضر" يبين أستاذ القانون والمختص في الدراسات الإسلامية، ماتياس روهه، الجوانب التاريخية ونماذج التفسير للشريعة الإسلامية والتي أخذت تظهر على الساحة من جديد في ظل الجدل حول دور الإسلام في الحياة العامة في القارة الأوروبية. مارتينا صبرا تعرفنا بالكتاب.

حوار مع مسؤول المدارس في أسقفية أوسنابروك:
"المدرسة مكان لتعليم الدين"

تخطِّط أسقفية مدينة أوسنابروك الألمانية لإقامة مشروع مدرسة متعدِّدة الأديان وفريدة من نوعها في ألمانيا. وبالتعاون مع ممثِّلي الديانة اليهودية والاتِّحادات والجمعيات الإسلامية تسعى هذه الأسقفية إلى إقامة مدرسة ابتدائية لجميع الأديان. وحول ذلك تحدَّثت إرين كوفرجين إلى فينفريد فيربورغ، مسؤول المدارس في أسقفية أوسنابروك.

كتاب "الجسد والصورة والمقدس في الإسلام" لفريد الزاهي:
ثنائية الصور والتأويل... وجدلية التقديس والمقدس

لا يمكن تناول قضية الجسد في الإسلام دون الحديث عن كتابات عبد الكبير الخطيبي وفريد الزاهي وعبد الوهاب بوحديبة وفاطمة المرنيسي. فهذه أسماء خدشت نرجسية الفكر الإسلامي وأعادت قراءته من منطلقات أخرى ووفق مناهج مغايرة، وكان على رأس الأسئلة التي طرحتها، سؤال الجسد في الإسلام وموقعه في الرؤية الدينية وعلاقته بالمقدس وأنماط تمظهره الاجتماعية، مثلما يوضح رشيد بوطيب في مقالته الآتية.