الإسلام جزء من الواقع الألماني
يعيش الآن في ألمانيا أكثر من ثلاثة ملايين مسلم معظمهم من الأتراك. وبعد أحداثِ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في نيويورك وأحداثِ الحادي عشر من مارس/ آذار في مدريد أصبح يُشَار إلى المسلمين بأصابع الإتهام، وشُعُوري هذا له ما يُبَرّره وناتجٌ عن تجربةٍ شخصيةٍ:
فقد وُلدْتُ ونشأْتُ في ألمانيا، وعلى الرغم من ذلك قام مجهولون بكتابة "خلية إرهابية كامنة" على لوحات الدعاية الانتخابية الخاصة بي. والمواطنون المسلمون في هذا البلد يقعون تحت وطأة الاشتباه العام، ولهذا أصبح مناخ الحياة الجماعية في هذا المجتمع قاسياً لدرجة أثارت دهشة المسلمين الأتراك الآن.
فصحيح أن دور الإسلام في ألمانيا في المستقبل غير واضح، وهذا ما يبرهنه الجدال حول مسألة الحجاب وتدريس الدين الإسلامي في المدارس الألمانية والذبح على الشريعة الإسلامية وبناء المساجد وغيره، ومع ذلك لم تكن أبداً هذه المسائل مصدرا للإضطرابات الإجتماعية.
ألم يخطر على بال أحدٍ أن مجموعة هامبورغ الإرهابية لم يكن فيها أحد من الأتراك، بل كانوا كلّهم من أصول عربية؟
إن الصُّوفية تنتشر انتشاراً واسعاً في تركيا، وهي اتجاه دُنيَوي وأُخْرَوي هام في الإسلام. ومعظم الأتراك - سواء في اسطنبول أو في كُرُويْتِسْبِرْغ (برلين) – يكرهون ويرفضون ضِيقَ الأُفُق السعودي الوهّابي وأيضا الفِكْرَ الإسلامي المتأخر لجماعة طالبان في أفغانستان. كما يعتبر أتاتورك والعَلْمَانِيةُ التي أسّسها عامِلٌ مهمٌّ عند الأتراك لفهم الإسلام بمنظور آخر.
وعلاوة على ذلك فإن الصراع العربي الإسرائيلي من ناحية، والتّأَخر الاقتصادي والسياسي للقادة العرب من ناحية أخرى قد ساعد على تشدد أجزاء كبيرة من العالم العربي. إن الكثير من الأتراك ينتقدون سياسة شارون، وعلى الرغم من ذلك نجد أنهم - على مر التاريخ - يتضامنون مع إسرائيل دولة وشعباً.
ومما يُلْفت الانتباه أيضاً أنه لم يكن أحد من هؤلاء الإرهابيين يعتبر أن ألمانيا موطناً له بالفعل، بل أنهم كانوا طلبة مقيمين إقامة مؤقتة، ولم تكن ألمانيا بالنسة لهؤلاء المتطرفين سوى مخْبَأً. أما معظم المسلمين في ألمانيا - أتراكاً كانوا أم عربا – يعتبرونها وطنا لهم. ومَنْ مِنّ البشر يُنَاصِب الحرب ضد وطنه ووطن أولاده؟
والآن نتحمل عواقب إجرام الآخرين. وماذا علينا أن نفعل! إذا كانت مظاهرات الشموع المضيئة قد تُفيد، فإننا مستعدون كلّ الإستعداد لذلك. ولكن سوف يكون ذلك بأحاسيس غريبة، لأننا سنتنَصّلُ مِنْ أُناس لم تكن بيننا وبينهم صِلَة البتة. وهل لي أن أقارن نفسي بمصري أومغربي قتل النساء والأطفال في مدريد لأنه مسلم مثلي؟
وحتى لايحدث سوء فهم، فإنه من الطبيعي أن يكون هناك مسلمون متعصبون بين الأتراك الذين يزيدون على ثلاثة ملايين، ولا أحد يستطيع أن يجزم بالعكس، ومع ذلك فإنه لم يكن أحد منهم في طَلِيعَة المشتركين في العمليات الإرهابية.
كما أن السيد كبلان، الذي نصب نفسه خليفة على الأتراك في ألمانيا، لايُعدّ دليلا ولا برهانا على تطرف الأقلية التركية. فهو يمثل جماعة تركية صغيرة، كما أنه يعتبر نِتاجا لإخفاق السياسة الألمانية الداخليّة على مدى عقدين من الزمان، وهذه السياسةلم تستطع أن تفرق بين التسامح وجهل المسؤلين.
وعلى الرغم من ذلك نجد أن كبلان لم يشكِّل خطرا مثل مجرمي الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وهو الآن يعتبر لعبة سياسية يتخذها كلُّ فرد كَيْ يَسْتُرَ فشلَه ويسقي غليلَه. إن سلوكيات كبلان الغريبة وعَمَى السياسة الألمانية قد أساء فقط إلينا نحن الألمان من أصول تركية وإلى سمعتنا.
بقي شيء آخر لابد من قوله - حتى وإن صَعُبَ التصريح به - ألا وهو أن الخطأ في قضية كبلان كان من جانب السياسية ولم يكن من جانب العدالة. وبدلا من أن نشكوا من العدالة، يجب علينا أن نفخر بدولتنا الدستورية، فهذه القوانين وتلك العدالة هي التي تميزنا عن عصابات اللصوص. ومن يحرِم اليوم السيد كبلان حقوقه، سوف يحرِم أي سيد آخر حقوقه في الغد القريب.
ولنتسائل كيف تسير الأمور مستقبلاً؟
إن الإسلام لم يعد ظاهرة مقصورة على الأجانب فقط، بل أصبح يزيد كواقع ألماني، ولابد أن يقبل الجانبان ذلك الأمر، وهذا يعني أن على ممثّلي الجانب الإسلامي الاعتراف الحقيقي بهذا البلد وقيمه دون أي اعتراض. وعلى الجانب الألماني أن يعترف بذلك أيضا.
إن الأتراك يكتسبون الجنسية الألمانية ولكنهم يظلّون مسلمون، وليس هناك ما يدعو لمعاملتهم بطريقة متحيّزة. وإن السّماح للرموز الدينية في مدارس مقاطعة بادن فرتمبرغ وتحريم لِبْس الحجاب يُعتبر بالنسبة لنا تفرقة عنصرية فرضتها الدولة ليس لها بقاء أمام العدالة.
والشكر لله وللرب والمقيمين على أمر الدستور. لقد حان الوقت أن يتواجد الإسلام على الساحة الألمانية. إننا نحتاج إلى علماء الدين المسلمين المتخرجين من الجامعات الألمانية، الذين يقبلون ويعترفون بدستورنا، وإنني لا أريد أن يتَلقّى الأطفال المسلمون دروس الدين في أماكن مشبوهة، بل أن تكون في المدارس الحكومية ومن قِبَلِ معلمين متخرجين في ألمانيا.
ولماذا لا نذيع "كلمة الجمعة" في الإذاعة العامة باللغة الألمانية، على غرار كلمة الأحد والسبت للمسيحيين واليهود. فقد تكون هذه فرصة جيدة لكثير من الألمان المسيحيين لكي يتعرّفوا أكثر على ديانة جيرانهم المسلمين. إن علينا أن يتقارب كل منا من الآخر قبل أن تُسمم الظنون مجتمعنا.
محمد دايماغولر عضو في المجلس الرئاسي للحزب الديمقراطي الحر
ترجمة عبد اللطيف شعيب
نشر المقال في صحيفة فرانكفورتر ألكماينة تسايتونغ