أهداف منشودة ونتائج غير محمودة
يقول بائع زبيب يعرض بضاعته في سوق صنعاء القديمة: "ألمانيا واليمن متشابهتان"، ويكرِّر ما يقوله وهو يفرك أصبعي سبابَّته ببعضهما لتوضيح ذلك. ولكن ما هو وجه التشابه بين اليمن التي تعدّ من أفقر الدول العربية وألمانيا التي تعتبر من أغنى الدول الغربية؟ إنَّها "الوحدة"، مثلما يقول هذا الرجل المسن الذي يرتدي ثوبًا أبيض اللون يصل حتى كاحل قدمه، ويضع يده على مقبض خنجره وهو يكرِّر قوله مبتسمًا: "ألمانيا واليمن متشابهتان".
وفي الواقع لم يكن الألمان الوحيدين الذين احتفلوا في عام 1990 بوحدة شطري بلدهم. فقبل أربعة أشهر ونصف من الوحدة الألمانية، أي في الثاني والعشرين من شهر أيَّار/مايو عام 1990، اتَّحد في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية الجزء الشمالي من اليمن والذي تسيطر عليه قبائل محافظة مع الجزء الجنوبي الاشتراكي، وكوَّنا جمهورية ما تزال فريدة من نوعها في هذه المنطقة. ولأوَّل مرَّة في تاريخ "اليمن السعيد"، نشأت هنا دولة متَّحدة - شطرها الشمالي هو الأقوى سياسيًا واقتصاديًا، وفيه ثلاثة أرباع مجموع السكَّان كما أنَّه فرض مع مرور الزمن نظامه وقيمه في جميع أنحاء البلاد.
غرباء حتى يومنا هذا
وفي الشمال حكم البلاد حتى فترة الستينيات إمام شيعي، أمَّا في الجنوب الذي يضم مرفأ عدن فكان الحكم للبريطانيين. وفي الشمال تحوّل أخيرًا في العام 1962 حكم الإمام إلى "الجمهورية العربية اليمنية". وبعد خمسة أعوام استقلت مستعمرة التاج البريطاني في جنوب اليمن، وأسَّست "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" الاشتراكية التي كانت تخضع لنفوذ الاتِّحاد السوفييتي.
وحتى يومنا هذا ما يزال الشطر الشمالي من اليمن، والذي يغلب عليه طابع القبائل المحافظة، غريبًا بالنسبة للكثير من اليمنيين الجنوبيين الذين يعتبرون على قدر جيِّد من الثقافة والوعي. ولذلك ابتعدت عدن وصنعاء تمامًا عن بعضمها، مثلما يقول على سبيل المثال الفنان التشكيلي العدني، كمال المقرمي. وهذا الفنان الذي يبلغ عمره خمسين عامًا زار الكثير من الدول الأجنبية، وكذلك ألمانيا. ولكن السفر إلى المناطق الجبلية في الشمال لم يكن مسموحًا له قبل عشرين عامًا. ويقول المقرمي: "صحيح أنَّ اليمن بلد واحد، ولكن ما تزال توجد بين الناس جدران".
الجميع كانوا يتحدَّثون عن الوحدة
وعلى أي حال لم يكن يوجد على الحدود اليمنية شريط موت حدودي ولا أوامر تقضي بإطلاق النار على من يعبر الحدود، مثلما يقول مارتن فايس الذي كان يعمل قبل الوحدة اليمنية مديرًا لمكتب الوكالة الألمانية للتعاون التقني (GTZ) في صنعاء: "كانت الحدود هنا مفتوحة أكثر مما كانت عليه الحال في ألمانيا. وكذلك كان الشعور بالرغبة في إعادة توحيد البلاد أقوى مما كان عليه في ألمانيا". وفي وقت ما صار الجميع يتحدَّثون في أثناء جلسة تعاطي القات التقليدية في فترة ما بعد الظهر عن الوحدة، مثلما يقول مارتن فايس متذكِّرًا: "لكن كان لدي شعور بأنَّه لم يكن هناك أحد في الحقيقة يؤمن حقًا بالوحدة. كما أنَّ اليمنيين تفاجأوا مثلنا تمامًا في ألمانيا".
وطيلة عقود من الزمن كان شطرا اليمن يدرجان الوحدة كهدف سام في دستوريهما. ولكن كثيرًا ما كانت تنتهي مفاوضات الوحدة إلى مناوشات واشتباكات تدور على الحدود. ولم يصبح تحقيق الوحدة أمرًا يمكن إتمامه بسرعة أيضًا في جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، إلاَّ بعدما كان الاتِّحاد السوفييتي يقترب من نهايته وبعد إفلاس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وفي شهر أيَّار/مايو من عام 1990، أعلن رئيس اليمن الشمالي، علي عبد الله صالح قيام الجمهورية الجديدة؛ ونصَّب نفسه على رأسها وعيَّن أمين عام الحزب الاشتراكي نائبًا له.
مساعدة يمنية لإعادة توحيد ألمانيا؟
وكانت هذه اللحظة التي عرض فيها علي عبد الله صالح - الذي ما يزال في منصبه - مساعدته على الألمان في إعادة وحدتهم. ولكن حكومتا المانيا الغربية في بون والشرقية في برلين لم تهتما بذلك، على الرغم من أنَّ مشروع الوحدة اليمني كان يبدو واعدًا جدًا؛ إذ كان هناك سياسيون من الشمال ومن الجنوب يريدون التعاون في بناء دولة ديمقراطية على غرار الديمقراطيات الغربية. وفي فترة قصيرة تحوّل كلا نظامي الحزب الواحد إلى بلد فيه عشرات الأحزاب والصحف.
ولكن لقد انقضى منذ فترة طويلة عهد المساواة بين الشمال والجنوب. وكذلك أسفرت أوَّل انتخابات حرة تم إجراؤها في عام 1993 عن تشكيل ائتلاف كبير كان يمتاز بفقدان الثقة. ونتيجة لذلك عندما أعلن الاشتراكيون الانفصال عن الشمال، دخل جنود علي عبد الله صالح مدينة عدن، ونهبوبها ودمَّروا مصنع الجعة الوحيد في شبه الجزيرة العربية. "لقد تم ضم اليمن الجنوبي بطريقة أكثر وحشية مما كانت عليه الحال في ألمانيا"، حسب قول مارتن فايس: "وهذا أدَّى بسرعة إلى خيبة أمل، ذلك لأنَّ اليمنيين الشماليين أصبحوا فجأة أصحاب الأمر والنهي تقريبًا في جميع المراكز المهمة في إدارة الدولة".
ويقول كمال المقرمي: "نحن تراجعنا كثيرًا الى الخلف". ويضيف: "أنا لا أقول إنَّ النظام السياسي كان جيدًا في السابق، ولكن النظام الآن ليس جيدًا". ومع ذلك اضطر الجنوب إلى التنازل عن بعض الإنجازات. ويقول المقرمي عن العهد الاشتراكي إنَّ "الرجال والنساء كانوا متساوين"، ثم يضيف: "ولم تكن النساء يجبرن على السير محجَّبات بعباءات مثل الخيام".
كلاوس هايماخ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010
مراجعة: هشام العدم
قنطرة
لوحدة اليمنية الهشة:
وحدة شطري ألمانيا وشطري اليمن ... تشابه واختلاف
لا تحتفل ألمانيا وحدها بالذكرى العشرين لسقوط جدار برلين، إذ تغلَّب اليمن أيضا في عام 1990 على انقسامه؛ بيد أنَّ وحدة التراب اليمني تبدو هشة ومهدَّدة. ولتسليط الضوء على هذه التجربة فنيا يقوم معهد غوته في صنعاء بجمع فنانين من شطري اليمن والتقريب بينهم. كلاوس هايماخ يلقي الضوء على الوحدة اليمنية وآفاقها.
الأزمة السياسية والاقتصادية في اليمن:
بلد على شفير الهاوية
المعارك المستعرة في شمال اليمن واحتجاجات الفقراء، بالإضافة إلى ظاهرة الزواج المبكر تلفت حاليًا أنظار وسائل الإعلام إلى هذا البلد الذي يبدو غير مستقر والذي يتَّجه منذ عهد ليس بقريب نحو التدهور. فيليب شفيرس من صنعاء في تحليل للأوضاع التي يعيشها اليمن.
مشروع ألماني في اليمن لدعم قطاع السياحة:
أبناء القبائل يعملون مرشدين ساحيين
يتمّ في مدينة مأرب اليمنية تدريب بعض من أبناء القبائل كمرشدين سياحيين للمواقع الأثرية بمساعدة تنموية مالية ألمانية. إنَّ عمل الأبناء المشترك هذا يساعد الآباء في تجاوز النزاعات فيما بينهم. بقلم سوزانه شبورَّر