سفير الاندماج: عراقي في ألمانيا متعدد الجذور منفتح على العالم
في غرفة بالحي القديم بمدينة بون، يغني سامان حداد خلف عازل بلاستيكي. بجانبه يجلس هانز يواخيم بوشنغ عازف آلة الكلارينيت في أوركسترا بيتهوفن، محاولا مساعدة سامان حداد في ضبط الغناء. في الغرفة تصدح آلات موسيقية بأصواتها، أوروبية وعربية وشرقية مثل العود والناي وآلة الكمان.
سامان رجل أسمر اللون شعره أسود مجعد، مبتسم وحيوي طيلة الوقت. منظم ورش عمل "1001 إيقاع بين بون وبابل"، وهي ورش عمل تنظم ضمن مهرجان بيتهوفن 2020. موسيقيات وموسيقيون من ثقافات مختلفة يتدربون على مقاطع من السيمفونية الرابعة لبيتهوفن، هانز يواخيم بوشنغ ينظم هذا العمل مع الموسيقي باسم هوار.
يقول هانز يواخيم بوشنغ لدويتشه فيله: "هنا يحدث شيء مميز جدا". ويضيف "أناس من ثقافات مختلفة يتحاورون عن طريق الموسيقى". هدف التدريب اليوم هو دمج موسيقى ابن مدينة بون الموسيقار بيتهوفن مع أغنية عربية تقليدية. "في الموسيقى العربية هناك فهم مختلف في قراءة النوتة الموسيقية، نريد في هذه الورشة ضبط موسيقى بيتهوفن سماعيا وليس عن طريق النوتة الموسيقية".
بلا كلل ولا ملل
فهم الفروقات الدقيقة، خلق روابط بين الناس وتفكيك التركيبات الصلبة: هذه هي بالضبط اختصاصات سامان حداد، الذي أضحى من المشاهير المحليين في مدينة بيتهوفن، ليس فقط مع فرقتيه الموسيقيتين، فرقة Kültürklüngel Orkestar المكونة من 30 فرداً، و Golden Kebab "الثلاثي العابر للحدود"، إذ أن حداد يفعل أكثر بكثير من مجرد الموسيقى، إنه مدمن عمل ثقافي ومناضل لا يكل من أجل خلق التفاهم.
في السنوات القليلة الماضية نظّم حفلات موسيقية على المراكب والحافلات ذات الطابقين، ونظم فعاليات بين الثقافات أو "حفلات عشاء" في الهواء الطلق في وسط مدينة بون، وقاد موكباً كرنفالياً كاملاً وأشرف على المشهد الثقافي المحلي نيابة عن معهد غوته في شمال العراق. يفعل كل هذا لأنه يفضل جمع الناس معاً.
يصف نفسه بأنه "وسيط ثقافي"، وأصدقاؤه يصفونه بأنه "Kültürminister" ، لأن حداد يحب التلاعب بالكلمات بين الألمانية واللغات الأخرى. تتغير ألقابه الخيالية كل بضعة أشهر، أحياناً يطلق على نفسه اسم مصطفى موسترمان، ثم سلفادور علي.
البداية كانت الطعام
بدأت المهمة الثقافية لسامان حداد قبل عشر سنوات في مطبخه الصغير المضاء بالشموع. كان سامان يدعو أصدقاءه دائماً إلى منزله لتناول العشاء. "عندما نعقد جلسات السمر في العراق والشرق الأوسط، علينا أن نأكل. أنا دائما ما أحضر ذلك: المقبلات والأطعمة الخفيفة".
في مرحلة ما أخرج غيتارا قديما من الطابق السفلي وبدأ يعزف في أول جلسة موسيقية عفوية. نجحت اللقاءات الموسيقية وأصبح مطبخه مؤسسة. في بعض الأحيان، كان الموسيقيون والمستمعون المهتمون يأتون إلى حداد كل جمعة وسبت.
يشرح سامان سر نجاحه لدويتشه على النحو التالي: "في البلقان هناك مقولة جميلة: "الدب الجائع لا يرقص"، أمر بسيط للغاية. أنشأت شبكة كبيرة من الموسيقيين الهواة والمحترفين في وقت قصير".
أصبح سامان رمز الحي ومطبخه "4telbar"، سمي على اسم أصدقاء الحي الذين يملكون الروح المنفتحة للحي المحبوب (الحي القديم).
شعاره: "أفعلها"
بدأ سامان في تنظيم ورعاية حفلات موسيقية في Stadtgarten أو في مركب "Township" في المدينة. عندما تم إلغاء حفل الذكرى السنوية العاشرة في 4telbar بسبب قيود كورونا، فكر سامان بحل لإنقاذ الموقف، فذهب إلى المكتب الثقافي في المدينة، وسأل عما إذا كان بإمكانه إقامة حفلات Corona-fair مع الحافلة ذات الطابقين المعروفة بحافلة "Bonn Information" ، التي كانت خارج الخدمة بسبب أزمة كورونا. بعد مفاوضات، قبل المكتب الثقافي وأقام سامان حداد 40 حفلة موسيقية، أولاً في دور كبار السن ومنازل اللاجئين، ثم في جميع أنحاء المدينة.
يقول سامان حداد لدويتشه فيله كيف أن أفضل حفلاته كانت في حي يُنعت بـ "حي المشاكل"، ويضيف: "رد فعل الصغار هناك في حي تانِنْبُوش (حي في بون) كان الأروع". يتحدث سامي حداد ويشعر بقشعريرة. "لقد عرفنا أن الأمر يستحق العناء! هؤلاء الأطفال لن ينسوا ذلك أبدا. وهذا ما يحفزني في عملي، أن أجعل الناس سعداء".
سامان ينظم معظم الفعاليات تطوعيا. ويعيش من العمل في مشاريع مثل الإشراف على مشروع BTHVN2020 و "1001 Takt" ، التابع لمعهد بون لأبحاث الهجرة والتعلم بين الثقافات.
العودة إلى العراق
عاد سامان في عام 2019 إلى وطنه من أجل مشروع رائد لمعهد غوته، إلى أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، حيث عاش بداية من سن السادسة إلى أن فرت عائلته إلى ألمانيا. بوقت قياسي كان على سامان حداد تنظيم مؤتمر حول تعزيز الصناعات الثقافية والإبداعية في شمال العراق. يقول حداد "كانت الوظيفة رقصة على الحبل الدبلوماسي".
ويضيف: "لأنه كان عليَّ إرضاء كلا الجانبين الألماني والعراقي". بطريقة طريفة، يصف سامان حداد الصدام الثقافي بين تفكير المؤسسات الألمانية وأسلوب الحياة العراقي دون الانحياز لأي طرف. طريقة دبلوماسية.
يقول سامان حول تجربة العودة إلى الوطن: "لقد عشت في ألمانيا لمدة 25 عاما، في مرحلة ما أنت جزء من المجتمع، ثم لديك أيضا مشاكل العالم الأول هذه. نحن مشبعون جدا في ألمانيا. قابلت فنانين في العراق ليس لديهم شيئا، لكن لديهم أحلام".
كاد أن يبقى في العراق، لكنه قرر العودة إلى بون. ويتواصل حداد مع السلطات والمؤسسات مثل مكتب بون الثقافي، ومؤسسة التعاون الدولي (GiZ) ، ومعهد غوته وبيت بيتهوفن. لكن هذا لم يكن الحال دائما.
ولد سامان حداد في بغداد، لأسرة من أصول كردية عربية وهندية وجاء إلى ألمانيا مع إخوته الأربعة ووالدته عندما كان في 13 من العمر. لحقت الأسرة بالوالد الذي تعرض للتعذيب في السجن في العراق لأنه كان في المعارضة، ومرض نفسيا وجاء إلى ألمانيا للتعافي. عاشت الأسرة في البداية في منازل طالبي اللجوء.
كان على سامان تغيير المدارس كل عام. كانت لغته الألمانية جيدة جدا بالنسبة لـ "فصل الاستقبال" حيث "لم يكن هناك سوى الروس والأتراك"، لكنها كانت سيئة للغاية بالنسبة للفصول الدراسية العادية. بعد الخوض في حياة مدرسية حقيقية، تخرج من المدرسة الثانوية، لكنه لم يعرف كيف يمكنه المضي قدما بعد ذلك. لذلك قام أولاً بتلقي تعليما مهنيا كسبَّاك يعمل بالغاز والمياه.
في يوم ما اضطر إلى تفكيك مرحاض لم يتم تنظيفه لسنوات "بينما كان إخوته يدرسون"، قرف سامان حداد من هذا الموقف وسئم من هذا العمل وأخذ زمام المبادرة. حصل على دبلوم المدرسة الثانوية في مركز تعليم الكبار، وأكمل ثلاث دورات تدريبية متتالية، وعمل في مجال تربية الأطفال ثم مرشدا سياحيا وأيضا على متن سفينة سياحية.
علم سامان حداد نفسه بنفسه، بدأ بمطالعة الكثير من الكتب، كان على اتصال بالنظريات التربوية، مع أفلاطون وروسو، وكانط، وديوي وإريكسون. وبدأ يفهم نفسه بشكل أفضل. "العديد من المهاجرين لا يدرسون لأن لديهم شخصيتان.
فمن ناحية، أنت الطفل الجيد في المنزل الذي يفعل كل ما يقوله الوالدان ويعيش وفقاً لثقافة بلده الأصلي، ولكن في الخارج تعيش شخصيتك المختلفة. هذا الإدراك جعلني أكثر صدقاً مع والديّ".
رد الجميل
خلال كأس العالم 2006، أدار حداد عمل موسيقيين في أحد المهرجانات، وفي عام 2007 عمل كمرشد في المعرض المتنقل "50 عاما من معاهدة روما". مشروعان قصيران، لكنهما منحاه نظرة مهمة حول نوع العمل الثقافي الذي يقوم به اليوم.
في وقت لاحق أراد أن يدرس ويصبح مدرسا في مدرسة ثانوية. كان مغرما بشكل خاص باللغة الألمانية والفلسفة. كان ذلك وقت الجدل حول كتاب تيلو ساراتسين "ألمانيا تلغي نفسها"، ما أدى إلى نقاش ساخن حول الاندماج. شعر سامان حداد أنه يريد "رد الجميل للبلاد" "لمنح الشجاعة للمهاجرين الذين لا حول لهم ولا قوة مثلي"، كما يقول.
لكن على الرغم من المحاولات العديدة، لم يستطع الالتحاق بالدراسة الجامعية النظامية، لذلك التحق في جامعة Fernuni Hagen للدراسة عن بعد، بينما كان يعمل في نقل الأثاث وكنادل. عندما حصل حداد أخيرا على وظيفة براتب جيد في سفارة الإمارات العربية المتحدة، ترك الدراسة. ولكن في هذا الوقت بالتحديد بدأت قصة نجاح 4telbar.
الاقتباس المفضل لسامان حداد مأخوذ من غوته: "من يعرف نفسه والآخرين سوف يُعرَف أيضا. لم يعد من الممكن الفصل بين الشرق والغرب". سامان نفسه يعرّفها على النحو التالي: "حتى لو لم تعجبني مطلقا كلمة (اندماج)، كان هناك دائما اندماج. عندما أذهب إلى مدينة أخرى، إلى بلد آخر، أتأقلم مع الظروف. وعندما يكون أحدهم ضيفي أقترب منه، الاندماج ينطبق على الجميع سواء مضيف أم ضيف".
سامان حداد لا ينتظر الآخرين ليأخذوا زمام المبادرة أو حتى تتم إزالة إعاقات بيروقراطية. هذا هو السبب في أنه يُصدم أحيانا بعفويته. لكنه لا يدع ذلك يردعه؛ يقول "ليس عليك الحديث عن الاندماج، ما عليك سوى القيام بذلك. تناول الطعام معا، ولعب كرة القدم معا، وعزف الموسيقى معا، والرقص معا. ثم يتم الاندماج من تلقاء نفسه."
حلم حداد أن يؤسس شراكة (توأمة) بين أربيل وبون، "يجمع وطنه القديم والجديد من خلال الثقافة". إذا كنت تعرف سامان حداد، فأنت تثق في قدرته على القيام بذلك.
فيليب يديكه
ترجمة: عباس الخشالي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2021