قصص من دولة كردية مستقبلية

صورة من: DW - حمَام على شجرة في أفغانستان Doves in a tree in Mazar-i-Sharif, Afghanistan
في هذا المجلد الرائد يتخيل المؤلفون الأكراد -بمن فيهم العديد من السجناء السياسيين الحاليين والسابقين- مستقبلاً أكثر حرية، لم يعد فيه من غير القانوني أن تكون كردياً. سلسلة كتب من دار نشر كوما برس البريطانية. صورة من: DW

كتاب "كردستان + 100" هو الثالث من سلسلة "ماضي المستقبل" البريطانية -يعقبه في عام 2024 كتاب "مصر + 100"- وفي هذه السلسة يُطلب من الكُتَّاب تخيُّل لحظة مستقبلية مرتبطة بحدث في ماضيهم المشترك. مارسيا لينكس كويلي قرأته لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: مارسيا لينكس كويلي

في هذه المختارات المكونة من 13 قصة -التي شارك في تحريرها أورسولا كاساغراند ومصطفى غوندودو- يجد القارئ موضوعات يمكن توقّعها من كُتَّاب أكراد: اللغة والذاكرة والقمع السياسي. ولكن ما يربط كتاب كردستان + 100 معاً هو مناظرُ هذه البلادِ الطبيعيةُ الصخرية القاسية من جبال وكهوف ومنحدرات. وهذا غالباً ما يعزل مجتمعات هذا الكِتاب الكردية، ويبعدهم عن جيرانهم وعن بقية العالم كذلك.

وعلى عكس المجموعتين السابقتين (العراق + 100) و(فلسطين + 100) -اللتين تدور أحداثهما بعد قرن من الغزو وسلب الممتلكات والأراضي- فإنَّ هذه المجموعة تدور أحداثها بعد 100 عام من لحظة فرح، وإن كانت عابرة: ولادة جمهورية مهاباد الكردية في 22 كانون الثاني/يناير من عام 1946، بقيادة قاضي محمد.

وكتب المحررون -في مقدمتهم- أنهم يأملون بأن تكون هذه اللحظة بمثابة عدسة "يمكن من خلالها رؤية مستقبل إيجابي وتقدمي، حتى وإن كانت تحتوي على كل من الأمل والدمار، باعتبارها لحظة من الزمن".

اللغة هي ساحة معركة

وكما يشير محرروا الكتاب ففي المجموعة رؤى لمستقبل إيجابي، على الرغم من هيمنة الرؤى القاتمة. وتدور أحداث جميع القصص -جزئياً- في منتصف أربعينيات القرن الحادي والعشرين على الأقل. وفي حين أن بعضها تدور أحداثه في مستقبل مألوف من الروبوتات وحبوب الطعام واستعمار الفضاء يبني بعضها الآخر مشاهد مستقبلية أصيلة بشكل يلفت النظر.

واللغة هي ساحة معركة في العديد من القصص، التي تُرجِمت من التركية أو الكرمانجية أو الصورانية أو المكتوبة مباشرة باللغة الإنكليزية.

صورة من: Comma Press - الغلاف الإنكليزي لكتاب قصص "كردستان + 100".  Cover of story anthology "Kurdistan +100", edited by Orsola Casagrande and Mustafa Gundogdu and published in English by Comma Press
تطرح قصص "كردستان + 100" سؤالاً على الكُتَّاب الأكراد المعاصرين: هل سيتمتع الأكراد يوماً ما بدولة لهم؟ وبـِـ 13 قصة تدور أحداثها في عام 2046 يوفر هذا الكتاب مساحة لتعابير وإمكانيات جديدة في النضال المستمر من أجل تقرير المصير. سلسلة كتب من دار نشر كوما برس البريطانية. صورة من: Comma Press

في القصة القصيرة المؤثرة والقاتمة "نجمة الأمنيات" -بقلم جيل شواني- تُقطع ألسنة جميع القرويين الأكراد، إذ تُبتر ألسنة الأطفال بعد فترة وجيزة من ولادتهم. يشعر هؤلاء القرويون بأنهم بعيدون عن المجتمعات القروية الأخرى وكذلك عن باقي العالم، وزوارهم المنتظمون الوحيدون هم جنود أتراك. تُروى القصة من وجهة نظر صحفي يقوم برحلة شاقة سيراً على الأقدام إلى القرية، برفقة منسِّقه ومترجمه الذي -لحسن الحظ- يُتقن لغة الإشارة الكردية.

في القصة الاستثنائية لسيما كايغوسوز "في انتظار النمر" -التي ترجمها من التركية نيكولاس غلاستونبري- ساحة المعركة حول اللغة أكثر هدوءاً ولكن أعنف. ففي هذه القصة يُعاد استخراج بقايا الناس وإحياؤها لكي يكونوا رفاقاً لـ "الحراس" الذين يعملون في الأراضي القاتمة، ويصطادون الحيوانات المنقرضة أو التي أوشكت على الانقراض. ولا يُفتَرض بالأرواح المعاد إحياؤها أن تتمكن من الوصول إلى ذكرياتها، ولكن المرأة التي أُعيدت إلى الحياة بوصفها رفيقة حارس النمر تتصارع مع عقلها، وتتمكن من الوصول إلى ماضيها.

في البداية تتعلم رفيقة حارس النمر -التي يسميها سيديف- اللغة التركية من برامج تلفزيونية وكتب مُعتمدة. ولكن بعد أن أثارت بقعة في الأراضي ذاكرتها، تساعد حارسها على تسلُّق الأراضي الوعرة ومواجهة سنُّوريات ضائعة منذ فترة طويلة وجهاً لوجه. وحين يظهر هذا النمر الوحيد في نهاية المطاف على أرض ميتة تكون اللحظة، كما يقول الراوي: "تكاد تكون جميلة بشكل لا يُطاق".

في بعض القصص يكون فقدان اللغة أقل وحشية إن لم يكن أقل إيلاماً، ففي قصة "الرسالة" لناريمان عفدكي -المترجَمة من الكرمانجية بواسطة روجين شيخ حمو- تبدأ القصة حين تعثر امرأة على رسالة بين متعلقات والدتها المتوفاة. وعلى الرغم من أنَّ بعض الكلمات مألوفة بالنسبة لها لا تتمكن من قراءتها. ولفترة من الزمن لم تتمكن حتى من التعرف على لغة أسلافها.

محاربات وعالمات وثلاث رئيسات

وقصة صلاح الدين دميرطاش "الوسيم" المفعمة بالأمل -التي ترجمتها عن التركية إيمي سبانغلر- تستذكر فيها الراوية -البالغة من العمر ثمانية وستين عاماً وانتُخِبت مؤخراً رئيسة لكردستان المستقبلية- زمناً كان فيه الحديث بالكردية ممنوعاً، كما كان الحال في تركيا بين عامي 1980-1991. تحمل صورة لوالدها المتوفَّى منذ زمن بعيد وتتذكر زيارته في السجن حين كانت فتاة صغيرة، ولم تكن تتمكن من فهمه، لأنه كان مُجبراً على التحدث باللغة التركية. ولحسن الحظ فالأمور مختلفة في بقية القصة.

والمرأة البالغة من العمر ثمانية وستين عاماً، ليست الرئيسة المستقبلية الوحيدة لكردستان التي تظهر في المجلد. فالكتاب مليء بمحاربات وعالمات، وما لا يقل عن ثلاث رئيسات لكردستان المستقبل.

كما يتردد صدى فكرة أخرى من قصة "الوسيم" في قصص أخرى، وهي تذكارات الموتى. ففي قصة كارزان كاردوزي -"رأيت العديد من المنازل في وقتي"- تعاني الشخصيات في إحدى العائلات من مرض الثلاسيميا، وهو اضطراب وراثي نادر. وفي كل مرة يزورهم الراوي يجد أنّ الأطفال الذين يعرفهم قد ماتوا ووُلِد أطفال جدد. لكن الذين فُقِدوا لا يُنسَون، وتبقيهم الصور حاضرين في المنزل.

في قصة "الأمل الأخير" لقادر أغِيد نجد في قلب القصة رجلاً ميتاً: الزعيم الكردي قاضي محمد، الذي ينتقل من أربعينيات القرن العشرين إلى أربعينيات القرن الحادي والعشرين، ليتفاجأ بالأمور التي تغيرت بالنسبة للشعب الكردي وبالأمور التي لم تتغير بالنسبة لهم. ومن الأمور التي تفاجئ قاضي محمد مدى الهدوء الذي ينبغي أن يتحدث به الناس في المستقبل.

اقرأ وأعد القراءة وتذكر

كتب المحررون في مقدمتهم أنَّ أملهم تمثَّل في أن يتمكن المؤلفون في هذا المجلد -الذين واجه العديد منهم الرقابة أو ما هو أسوأ- من الكتابة بجرأة وبصوت عالٍ وبحُرية. وفي حين أنهم حقَّقوا ذلك بكل تأكيد غير أنَّ ذلك لم يكن خالياً من العواقب.

إذ اتُّهِمت المساهمة ميرال شيمشك مؤخراً بـ"نشر دعاية إرهابية"، ويكتب المحررون أنَّ قصتها في كتاب كردستان + 100 -الذي لم يكن قد نُشِر بعد حين صدرت التهم- أُدرِجَتْ كدليل على هذا الادعاء. وتعيش شيمشك في المنفى في ألمانيا الآن.

وسيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن يرى صلاح الدين دميرطاش قصته. فهو في السجن في تركيا، وكما يكتب المحررون: "لن يُسمح بدخول أي شيء يحمل كلمة كردستان إلى السجن".

ولكن على الرغم من الصعوبات نجح هؤلاء الكُتاب في نقل قصصهم. وربما تتجلى أهمية رواية القصص بشكل واضح في قصة محرم إبري -"لا بد أن تستمر القصة"- التي ترجمها أندرو بيني عن التركية. وفيها يقول رجل في كردستان المستقبلية لابنته إنَّ "أفضل رد يمكن تقديمه لمَن يريدون أن نبقى بلا قصص هو عدم نسيان قصتنا بل ونقلها إلى أولادنا وأحفادنا".

ومتى وكيفما قد تنشأ أمة كردية مستقبلية تبقَ القصص في هذا المجلد: لتُقرَأ وتُعاد قراءتها ولتبقى في الذاكرة.

 

 

مارسيا لينكس كويلي

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2024

Qantara.de/ar