مد الجسور بين أوروبا ودول الخليج

على سياسة ألمانيا الخارجية أن تعمل على توطيد الأواصر لتثبيت تعاون استراتيجي طويل الأمد مع الشركاء في منطقة الخليج، فمن دون سياسة خارجية فعالة سيكون الحضور الألماني في هذه المنطقة المهمة اقتصادياً فاقداً لأهميته السياسية، كما يرى أستاذ العلوم السياسية إيبرهارد زاندشنايدر في هذه المقالة.

يبدو أن هناك بعض الحراك في سياسة ألمانيا تجاه منطقة الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة بصورة سديدة، إذ لم يكن هذا الحراك مرتبطاً بالموضوع الدائم للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أو الملف النووي الإيراني فقط. وكان ينبغي أن لا تكون زيارة ميركل إلى الدول الخليجية الأربعة زيارة تقليدية لرئيسة الحكومة الألمانية في المقام الأول.

إن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج لم تلعب – لفترة طويلة من الزمن- سوى دور جانبي في طيف مصالح السياسة الخارجية لألمانيا. لكن حان الوقت الآن لتغيير ذلك، لأن ألمانيا بحاجة إلى أفق استراتيجي خاص بمنطقة الخليج، على أن لا يكون مقتصراً على المصالح الاقتصادية. وهذا الأمر يعود إلى عدة أسباب مقنعة.

استعداد لتعاون اقتصادي

في البدء يجب التأكيد على أن ألمانيا تتمتع بمكانة سياسية واقتصادية ثابتة في المنطقة، وعلى أن المصالح المتعلقة بالتعاون المشترك تفوق الجانب الاقتصادي وحده بكثير. إن التعاون الاقتصادي على كل حال من الأحوال ليس سيئاً، وبالأخص في ظل الأزمة الاقتصادية تجد الشركات الألمانية في منطقة الخليج بتزايد مستمر شركاء مستعدين للتعاون.

تعمل في الإمارات العربية المتحدة وحدها اليوم قرابة 750 شركة ألمانية، ومن المؤمل أن يرتفع هذا العدد مستقبلاً. لكن في المراكز الاقتصادية بالذات مثل دبي يعلق الشركاء التجاريون آمالا متزايدة على ألمانيا كمحرك للتعاون الاقتصادي مع أوروبا. إضافة إلى ذلك يتوقع هؤلاء الشركاء أن تقوم ألمانيا بتحمل مسؤولياتها بشكل متزايد في مجال السياسة الخارجية.

كما أن الوقت قد حان منذ زمن طويل لتغيير النظرة إلى الأمارات العربية المتحدة باعتبارها بلداً مصدراً للبترول فقط. فالنمو الكمي الهائل المعتمد على الثروة الباطنية تحول منذ زمن طويل إلى نمو نوعي أيضاً.

وفي دبي بشكل خاص يمكن أن يلحظ المرء بالتفصيل أن الحركة العمرانية ليس هي الوحيدة التي تشهد ازدهاراً، بل أن جوانب أخرى كالتخطيط لمد طرق مرور أفضل وبنية تحتية لشبكة الطرق، والتخلص من النفايات وإعادة تدويرها ومعالجة مياه الصرف الصحي، باتت أيضاً في بؤرة المشاريع الكبيرة المدفوعة بحراك سياسي.

معدلات نمو كبيرة

ومن الطبيعي أن تنشأ مراكز مالية دولية، لا تعمل بشكل مستمر على تحسين بنيتها التحتية فقط، وأن تصبح مفاصل لحركة رأس المال وقواعد مهمة لمكانة استراتيجية. إن المعدلات الكبيرة لحركة الاستثمارات بين دول الخليج والبلدان الناشئة في آسيا وأمريكا اللاتينية تبرهن على استعداد متنام لدى النخبة السياسية للعب دور أكثر فاعلية في السياسة الدولية.

ومن الطبيعي أن يحتج المرء على أن الهياكل السياسية في الإمارات العربية المتحدة لا تتوافق بالضرورة مع التصورات الأوروبية. لكن من الصحيح أيضاً أن الأمارات تعد من أكثر بلدان المنطقة ليبرالية، فعلى سبيل المثال تشكل نسبة النساء في البرلمان 22.5 في المائة. ومن باب المقارنة: لا يبلغ متوسط نسبة النساء في البرلمان في دول عربية أخرى سوى 9.75 في المائة. وبدلاً من تقديم الدروس، قد يكون من الأفضل للسياسة الألمانية بالخصوص أن تدعم من خلال تعاون أوثق البوادر الصغيرة الكثيرة المنبئة بالليبرالية والانفتاح في هذا البلد.

وسنكون مضطرين لأن ندرك حقيقة أن تلك الأوقات قد ولت، الأوقات التي كان يمكن فيها للأوروبيين، باعتبارهم الشركاء الأقوى، أن يحددوا قواعد التعاون ببساطة. إن الكثير من المناطق، التي يوجد فيها –على الرغم من قوتها المتنامية- انفتاح مشابه لذلك، الذي تتعامل فيه الأمارات مع ألمانيا وأوروبا، سوف تختفي في المستقبل القريب.

إذأً، فإنه من غير الكافي أن نبدي دهشتنا بدبي، لأنها تحول رمال الصحراء إلى حاضرة، ولديها بشخص الشيخ محمد بن راشد حاكم رؤية انفتاحية على العالم وفي أقصى درجات الطموح. وهنا نشأ مركز جديد للتجارة العالمية، قادر على العمل بشكل فعال، ومن الناحية السياسية يمكن لهذا المركز إضافة إلى ذلك أن يساعد في تأمين المصالح الألمانية والأوروبية في المنطقة بشكل كبير.

غياب المبادرة الألمانية

في الكثير من مشاريع البنية التحتية يتضح للمراقبين الألمان أن المؤسسات والمستثمرين الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين متواجدون هناك منذ وقت طويل من خلال المشاريع الاستراتيجية. لكن المبادرات الألمانية من هذا النوع غائبة إلى حد كبير.

وهنا فإننا بحاجة أيضاً إلى الدعم من خلال سياسة خارجية فعالة، تكون مستعدة للعمل لتوضيح صورة المصالح الألمانية ومنحها جانبا كبيرا من الأهمية، من دون أن تتخلى عن ارتباطاتها الأوروبية وعلاقاتها عبر الأطلسية الراسخة.

وبسبب ذلك يجب أن لا تكون زيارة ميركل إلى منطقة الشرق الأوسط مركزة على الجانب الاقتصادي فقط، بل يجب أن تساهم أيضاً في توثيق التعاون الاستراتيجي الطويل الأمد مع شركاء مثل أبو ظبي ودبي، وهو ما يعد في النهاية جسراً بين العالم الإسلامي والغرب.

إن السياسة الخارجية الألمانية ستكون بحاجة إلى مثل هؤلاء الشركاء، من أجل أن تكون قادرة على ضمان أنه بعد نهاية الأزمة الاقتصادية الحالية سوف لا يتضح أن أوروبا في عالم متعدد الأقطاب لا تشكل ربما قطباً حقيقياً من هذه الأقطاب.

وبالنسبة للبعض قد يبدو هذا الأمر اليوم مليئاً بالتشاؤم. لكن في أوساط النخبة السياسية في منطقة الخليج سيرى المرء تماماً كيف أن ألمانيا لن تتعامل كشريك اقتصادي وحسب، بل وكشريك سياسي أيضاً.

إيبرهارد زاندشنايدر
ترجمة: عماد مبارك غانم
الحقوق: صحيفة دي فيلت الألمانية/ قنطرة 2010

يعمل كاتب المقال مديراً لمعهد البحوث التابع للمؤسسة الألمانية للسياسة الخارجية.

قنطرة

الأهمية الجيوسياسية لمنطقة الخليج العربي
مستودع طاقة العالم
ازدادت أهمية منطقة الخليج العربي الجيوسياسية خلال السنوات الماضية، لأنها تملك أكبر مخزون احتياطي للنفط والغاز ما يجعل مستقبل إمدادات الطاقة مرهونا بضمان أمنها واستقرارها. الباحث كريستيان كوخ يضع نهضة دول مجلس التعاون الخليجي ومعضلة الأمن فيها تحت المجهر.

التعليم في دول الخليج العربي:
المعرفة بدلاً من البترول
بدأت بلدان الخليج العربي تكتشف التعليم باعتباره ثروة المستقبل. ولأن المسؤولين هناك يريدون الوصول إلى نتائج سريعة، فقد استوردوا جامعات من الغرب. كما أن الدراسة على النمط الغربي والحياة على النمط العربي أصبحت حافزا للطلاب الخليجيين للإقبال على هذه الجامعات. أرنفريد شينك يعرفنا بالجامعات الغربية في منطقة الخليج.

عمل مشترك ما بين جامعتَي عجمان وإِرلانغن:
الدراسة الجامعية والحوار
مدير جامعة إرلانغن بصحبة حاكم عجمان الشيخ حميد بن راشد النعيمي والبرفسور هارتموت بوبتسين أثناء التوقيع على اتفاقية الشراكة. من المنتظر أن يزداد تعاون جامعة فردريك-أَلكساندر في مدينة إرلانغن الألمانية وجامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا الإماراتية على مستوى البحث والتعليم بعد التوقيع على اتفاقيتي شراكة وتوأمة بين المؤسستين. تقرير فلوريان فاغنَر.