وزير الثقافة العراقي في برلين
كيف حال الثقافة في العراق بعد مرور عام على الإعلان "الرسمي" عن انتهاء الحرب؟ يعد العراق واحدا من أقدم بلدان العالم وأعرقها حضارة، لكن وبسبب أعمال العنف الجارية في العراق لا يسمع المرء سوى القليل جدا عن ثقافة وحضارة هذا البلد، والتي أصبحت ترزح تحت الدمار والحطام، حسبما يقول مفيد الجزائري وزير الثقافة في مجلس الحكم الانتقالي العراقي. حول زيارة وزير الثقافة العراقي إلى برلين كتب فيرنير بلوخ هذا التقرير.
حطام ثقافي
مفيد الجزائري، الذي حضر إلى ألمانيا بدعوة من معهد غوته في برلين، هو أحد الأعضاء القيادين في الحزب الشيوعي العراقي. ويعتبر شخصه بالنسبة للأمريكان غير مريح، خاصة وأنه ينتقدهم بشكل علني وموقفه المعادي للحرب منذ البداية واضح تمام الوضوح. يتسم الجزائري بالجرأة في التعبير عن آرائه ويصف الوضع الثقافي بالعراق بأنه في حال يرثى لها.
"الثقافة في العراق مدمرة ومحطمة – كما هو الحال بالنسبة لبقية الأمور أيضا. وهذا ليس فقط من جراء الحرب في السنة الماضية وعمليات النهب والسلب والتخريب، وإنما أيضا بسبب حكم الدكتاتور صدام حسين الذي دام لمدة ثلاثة عقود من الزمن، حيث دمرت الثقافة بشكل منظم طيلة تلك المرحلة.
يتوجب علينا الآن إعادة بناء البنية الثقافية التحتية من جديد وفتح أبواب البلاد للفنانين والكتاب والعلماء من أجل أن يتمكنوا من العمل بحرية ودون خوف. لدى العراق الكثير من ذوي الثقافة العالية. وهؤلاء كانوا يكتبون إبداعاتهم في عهد صدام حسين ليضعوها في أدراج مكاتبهم ليس إلا."
يعتبر مفيد الجزائري الوزير هو الأضعف موقفا في مجلس الحكم المؤقت المكون من 25 شخصا. وليس في ذلك المجلس من يهمه أمر الثقافة بشيء. أما الميزانية المخصصة له والموضوعة تحت تصرفه فلا تتعدى بحدها الأقصى 2 إلى 3 مليون دولار.
ويتحدث الوزير عن أمرين فقط حقق بهما نجاحا وهما: افتتاح دار سينما في بغداد من أجل أفلام ذات مستوى مناسب وتدريب مجموعة لتأخذ على عاتقها مهمة حماية المناطق الأثرية من عمليات النهب والتخريب.
وهذا كل ما قام به الوزير. أي أن هذا هو مجمل ما عمله وزير الثقافة فعليا، هذا الرجل الذي لا يكف عن التأكيد على أنه لا يمكن قيام ديمقراطية بدون ثقافة.
نهب الآثار والكتب العراقية
إن الجرائم التي حلت بالثقافة منذ اقتحام قوات الحلفاء للعراق لم توضح بعد، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ما زال الغموض يكتنف عملية نهب المتحف الوطني في شهر أبريل من السنة الماضية. ويقول الجزائري:
"مازال البحث جاريا في عملية نهب المتحف الوطني العراقي وكيف كان ذلك ممكنا. وسوف ننشر نتائج التحريات قريبا. لقد عثر على 5000 قطعة أثرية كانت قد سرقت. ومن ثلاثين قطعة أثرية نادرة ولا يمكن تعويضها لم يعثر بعد سوى على قطعتين أو ثلاث قطع فقط."
أما بشأن النار التي أضرمت في المكتبة الوطنية فليس لدى الوزير ما يقوله في هذا الخصوص. لماذا تم وبشكل مستهدف تدمير الكتب؟ من ينفذ مثل هذا العمل؟ ومن سرق النسخ الثرية من الكتب؟ لماذا استخدمت وسائل عسكرية أثناء عملية الحريق؟ كل هذه الأمور ما زالت غامضة.
لقد أضيفت إلى الكوارث التي كانت قائمة كوارث جديدة. ففي جنوب العراق يتم تدمير دور السينما أمام أعين جيش الاحتلال البريطاني. كما يتم العبث في المكتبات وتخريبها وعزل الكتب التي لا تتلائم مع تطلعات من يقومون بذلك ولا تبقى سوى الكتب الدينية. وبهذا الشأن يقول وزير الثقافة العراقي:
"إن من يقوم بذلك ليست المجموعات الدينية وإنما جهات متطرفة. الحرب ليست بين القوى العلمانية والقوى الدينية، وإنما بين من يريد الديمقراطية ومن يريد عودة الدكتاتورية. وهناك سنة وشيعة وأكراد في كلا الطرفين."
سيتم في 30 يونيو تسليم السلطة من قبل قوات التحالف إلى حكومة عراقية مؤقتة. ويرغب مفيد الجزائري البقاء في منصبه كوزير ثقافة وإتمام ما بدأ به من أعمال، بالرغم من أنه يعرف الأخطار التي تحف به في هذه المهمة. لكنه يعود ليقول، ولكن يجب أن يقوم شخص ما بهذه المهمة حتى لا نعطى لاحقا لصدام حسين فرصة التشفي بما يدور.
ويعتقد وزير الثقافة العراقي بأن وتيرة العنف سوف ترتفع في الفترة القادمة حتى 30 يونيو. لأنه وبعد تسلم السلطة من قبل حكومة عراقية مؤقته، لو تمت مقاومة ستكون موجهة ضد عراقيين وليس ضد قوات التحالف. لذا سيكون من الصعب على الكثيرين إيجاد مبرر لمقاومتهم.
المشاركة العراقية في فرانكفورت
يريد الجزائري في سبتمبر من هذا العام دعوة كافة المثقفين العراقيين المهمين إلى مؤتمر موسع. أما فيما يتعلق بالمشاركة في معرض فرانكفورت للكتاب، حيث يستضاف هذا العام العالم العربي كضيف الشرف على المعرض، فلن يكون بمقدور بلده العراق المشاركة الفعلية، خاصة وأنه يفتقد للمال والمواد والبنى التحتية اللازمة.
ويقول الجزائري: "لقد تحدثت مع أصدقاء يعيشون في أوروبا، سيشاركون بدورهم بالمعرض. وقد وافق هؤلاء على أن يمثلوا بلدنا في المعرض."
بقلم فيرنر بلوخ
ترجمة مصطفى السليمان
دويتشه فيلله 2004 ©