الديمقراطية في العراق ... نظام المحاصصة والتمثيل النسبي
حملت زيارة السياسي السنِّي أسامة النجيفي بعد يوم واحد من انتخابه رئيسًا للبرلمان العراقي الجديد برفقة النائب المسيحي يونادم كنَّا للكنيسة السريانية الكاثوليكية التي كانت يوم الحادي والثلاثين من شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر مسرحًا لمذبحة رهيبة دلالات واضحة. وكانت مجموعة مكوَّنة من أربعة إرهابيين قد اقتحمت كنيسة سيدة النجاة في أثناء إقامة الصلاة، واخذوا أكثر من مائة شخص من المصلين رهائن.
وقد أودت عملية تحرير الرهائن التي قامت بها قوَّات الأمن العراقية بحياة أربعة وخمسين شخصًا. ولكن لم تتوقَّف الاعتداءات على المسيحيين عند هذا الهجوم. ففي الأيَّام التالية تعرَّض المسيحيون مرارًا وتكرارًا لهجمات استهدفت محلاتهم وممتلكاتهم. وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف المسيحيين بالتحديد بهجمات إرهابية في العاصمة بغداد. وأعلن تنظيم "دولة العراق الإسلامية" الإرهابي، الذي ينتمي أيضًا إلى تنظيم القاعدة، مسؤوليَّته عن هذه الهجمات. والنائب أسامة النجيفي، شقيق محافظ مدينة الموصل التي تقع في شمال العراق وتعدّ ثالث أكبر مدينة عراقية، يعرف هذا التنظيم كما أنَّه مصمِّم على مواجهته. فقبل نحو عامين بالضبط حدث هجوم مشابه في مسقط رأسه.
وعلى مدى أسبوع تم في كلِّ يوم وبشكل منهجي قتل شخص مسيحي، حتى ترك آلاف من المسيحيين مدينة بغداد، مما اضطر الحكومة في بغداد إلى زيادة التواجد العسكري لحماية المسيحيين الباقين في العاصمة. ولكن على الرغم من كلِّ القلق على مصير المسيحيين العراقيين، إلاَّ أنَّ النائب يونادم كنَّا ما يزال متفائلاً ويعتقد أنَّ النجاح في تشكيل الحكومة سوف يساعد في الحدّ من الأعمال الإرهابية وتهدئة الأوضاع الأمنية في العراق. وهو لا يوافق برأيه نظريات الفوضى التي ترى أنَّ . العراق يواجه من جديد احتمال الوقوع في حرب أهلية. وبالنسبة له تعتبر زيادة الهجمات الإرهابية الملحوظة في الأسابيع الأخيرة ذات دوافع سياسية. ويقول يونادم كنَّا: "يجب على القوى السياسية إيجاد توازن"؛ ولهذا السبب تعتبر - حسب قوله - زيارة أسامة النجيفي للكنيسة مهمة للغاية.
نزاع على منصب رئيس الوزراء
وفي الواقع بدأ الضغط يزاداد من أجل التوصّل إلى اتِّفاق، وذلك منذ أن استجابت المحكمة العليا في العراق في الرابع والعشرين من شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر لدعوى رفعها العديد من منظمات المجتمع المدني العراقية وأجبرت بقرارها النوَّاب العراقيين على عقد جلسة في البرلمان، وكان يجب أن يتم فيها انتخاب رئيس للبرلمان العراقي. وعلى مدى ثمانية أشهر سادت حالة من الجمود السياسي في بلاد الرافدين. وعلى الرغم من أنَّ إياد علاَّوي الذي كان أوَّل رئيس وزراء مؤقت بعد سقوط نظام صدَّام حسين، قد فاز بفارق ضئيل في الانتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في السابع من شهر آذار/مارس الماضي وحصل على إثنين وتسعين مقعدًا؛ إلاَّ أنَّه لا يستطيع الحكم بمفرده.
وكذلك يجب على نوري المالكي الذي احتل المركز الثاني (فاز بتسعة وثمانين مقعدًا) وما يزال يشغل منصب رئيس الوزراء، تشكيل ائتلاف. وهكذا بدأ يدور نزاع على منصب رئيس الوزراء، وتحوَّل أكثر وأكثر إلى سباق بين علاَّوي والمالكي، ومثلما يبدو صار يكشف عن عدائهما الذي لا يمكن التغلّب عليه. وببطء أصبح من الواضح أنَّه لا يمكن تشكيل حكومة ائتلافية بين نوري المالكي وإياد علاَّوي اللذين كان بإمكانهما سوية تشكيل أغلبية برلمانية مريحة. وأدى بحث كلّ منهما عن شركاء لتشكيل حكومة ائتلافية إلى حالة شلل سياسي لا تنتهي، أوجدت فراغًا في السلطة، يستغلّه الإرهابيون من أجل مصالحهم. وكانت النتيجة زيادة الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء البلاد.
وأخيرًا سيطر الأكراد على زمام الأمور؛ وبوساطتهم اتَّفق الخصمان اللدودان على تقاسم السلطة. وحسب هذا الاتِّفاق يبقى نوري المالكي رئيسًا للوزراء، ويحصل حزب إياد علاَّوي على منصب رئيس البرلمان، ويحتفظ الرئيس الكردي جلال الطالباني بمنصب رئاسة الجمهورية لولاية ثانية. ولكن مع ذلك أظهر هذا الائتلاف في أوَّل جلسة للبرلمان وجود انقسامات عميقة. وبعد جدال حول صلاحيات المجلس الوطني للسياسات الإستراتيجية الذي ما يزال يجب تشكيله والذي من المفترض أن يحدّ من سلطة رئيس الوزراء، انسحب ثلثا نوَّاب القائمة العراقية بزعامة إياد علاَّوي من جلسة مجلس النواب محتجين.
عقل مدبِّر خلف الكواليس
وتعتبر هذه هي المرَّة الرابعة التي يشارك فيها الدكتور روش نوري شاويس في مفاوضات حول تشكيل الحكومة. وفي عهد وزارة إياد علاَّوي كان هذا السياسي الكردي نائبًا لرئيس الجمهورية، والآن يشغل منصب نائب رئيس الوزراء المنتهية ولايته، نوري المالكي. وبعد سؤاله عن سبب تمسّكه الدائم بمنصب النائب، أجاب شاويس بلغة ألمانية سليمة: "أنا لم أرغب قطّ بوظيفة أعلى في الحكومة. ولم أترشَّح أبدًا للبرلمان".
وروش نوري شاويس الحاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية من جامعة إلمناو في ولاية تورينغيا الألمانية، يعتبر نفسه عقلاً مدبِّرًا يعمل خلف الكواليس. وحاليًا يعدّ شاويس واحدًا من أكثر الرجال نفوذًا على الساحة السياسية العراقية. وطبيعته الهادئة تجعله الشخص المثالي لإيجاد تسوية وتوازن في مختلف الاضطرابات والأزمات الشديدة. وعلى كلِّ حال يعتبر تحقيق التوازن علامته المميَّزة، كما أنَّ التوازن يشكِّل حاليًا الحلّ الوحيد لأزمة تشكيل الحكومة. ويقول شاويس معارضًا نوري المالكي: "ما يزال العراق غير مستعد لتشكيل حكومة أغلبية برلمانية. يجب علينا إشراك جميع القوى، وإلاَّ لن يتوقَّف الإرهاب".
نظام المحاصصة والتمثيل النسبي
ويسعى المالكي إلى القضاء على نظام المحاصصة والتمثيل النسبي الذي أحدثه الأميركيون بعد غزوهم العراق. ومنذ ذلك تشارك جميع المجموعات العرقية في العراق مشاركة نسبية في الحكومة. حيث يوجد لدى رئيس الوزراء الشيعي نائب كردي وآخر سنِّي. ولدى رئيس الجمهورية الكردي نائب شيعي وآخر سنِّي. وكذلك يوجد لدى رئيس مجلس النوَّاب السنِّي نائب شيعي وآخر كردي. وينطبق هذا أيضًا على كلِّ الوزارات والأجهزة الأمنية، وكذلك على جميع أجهزة الدولة. ولا يرى فقط رئيس الوزراء الشيعي في هذا النظام عائقًا كبيرًا يقف في طريق عمله السياسي. وتقول الدكتورة رجاء حبيب الخزاعي مشتكية من الإجراء الذي اتَّخذه بول بريمر، أوَّل حاكم مدني أمريكي في العراق: "لماذا فُرض علينا القبول بنظام المحاصصة والتمثيل النسبي الذي تم إدخاله إلى لبنان بعد خمسة عشر عامًا من الحرب الأهلية؟". وفي خريف عام 2003 عيَّن بول بريمر الطبيبة رجاء الخزاعي في مجلس الحكم الذي أنشأه، وذلك ليس لأنَّها تتمتَّع بمهارات معينة بل لكونها امرأة وشيعية.
وحتى الآن مضت على ذلك سبعة أعوام، بيد أنَّ الجدال حول نظام المحاصصة والتمثيل النسبي ما يزال شديدًا مثلما كان في تلك الفترة، حتى وإن اختلفت الأسباب. وعلى الرغم من أنَّ التحالف الكردستاني يحتل فقط المركز الرابع في الانتخابات بفوزه بسبعة وخمسين مقعدًا في البرلمان، إلاَّ أنَّه يقوم بدور صانع الملوك، الأمر الذي يشكِّل مصدر ارتياح كبير للأميركيين. وذلك لأنَّ الأكراد يصرّون على الاستمرار في العمل بنظام المحاصصة والتمثيل النسبي.
ومن دون إياد علاَّوي وأنصاره السنَّة سوف يزداد النفوذ الإيراني في داخل الحكومة العراقية؛ ما يمثِّل كابوسًا بالنسبة لواشنطن، وكذلك أيضًا بالنسبة لدول جوار العراق ذات الغالبية السنِّية. وبعد أن نجحت طهران في إصلاح الخلاف الذي كان دائرًا بين نوري المالكي والزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الذي يقيم في مدينة قمّ الإيرانية، وأقنعته بدعم المالكي لولاية ثانية، صار يبدو من جديد أنَّه لم يعد هناك شيء يقف في طريق تشكيل حكومة شيعية دينية. ولكن مع ذلك لم يتم تحقيق الأغلبية المطلوبة بفارق صوتين فقط. والمالكي يحتاج الأكراد من أجل الحكم. والآن لديه ثلاثون يومًا لتشكيل حكومته. ومن الواضح أنَّ الخلاف حول المحاصصة والتمثيل النسبي سوف يستمر.
بيرغيت سفينسون
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
قنطرة
حوار مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي:
"العراق ليس ساحة لتنافس الآخرين"
في إطار زيارته مؤخراً إلى ألمانيا تحدث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى دويتشه فيله عن فرص تطور بلاده ومهام حكومته، إضافة إلى علاقات العراق بدول الجوار وآخر تطورات الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين بغداد وواشنطن. محمد إبراهيم التقى السياسي العراقي وأجرى هذا الحوار.
حوار مع نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي:
"نحن بحاجة إلى احترام الدستور بشكل أكبر"
يعد عادل عبد المهدي احدى الشخصيات المهمة في المشهد السياسي في عراق ما بعد صدام حسين. وناب الزعيم الشيعي عبد العزيز الحكيم في مجلس الحكم الذي شكله الحاكم الأمريكي في العراق بول بريمير. وفي الحوار الخاص مع موقع قنطرة أجرته معه بيرغيت سفينسون يتحدث عبد المهدي عن سوء الوضع الأمني في العراق وتعثر تشكيل الحكومة.
وثائق ويكيليكس وحقائق حرب العراق:
وثائق بأحرف من دم
نشر موقع ويكيليكس قرابة 400 ألف وثيقة عن التعذيب والانتهاكات وإساءة المعاملة التي جرت في حرب العراق. وتوثق هذه الوثائق الانتهاكات التي قام بها الجيش الأمريكي والتصرفات المشينة التي اقترفتها فرق الموت الشيعية وشركات الأمن الخاصة. بيرغيت سفينسون تكتب من بغداد عن يوميات العنف الدموي الذي تتحدث عنها الوثائق المنشورة.