"نحن بحاجة إلى احترام الدستور بشكل أكبر"
منذ ما يزيد عن الستة أشهر والعراق من دون حكومة من الناحية العملية، إذ لم تسفر الانتخابات البرلمانية، التي أُجريت في 7 آذار/ مارس الماضي، عن فوز أي من الأحزاب السياسية بشكل واضح. القائمة العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي تتقدم بمقعدين فقط عن قائمة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي. ولا يمكن لأي من القائمتين أن تتولى مقاليد الحكم وحدها. لكن البحث عن شريك مناسب للائتلاف لم يكلل بالنجاح حتى الآن. في هذه الأثناء بدأ الصراع والخمول يحكمان سيطرتهما على المشهد السياسي في بغداد. أما الشعب العراقي فهو من يتحمل معاناة هذا الصراع، لأن الفراغ السياسي مكن القوى المتطرفة من تحقيق تقدم من جديد.
ارتفعت وتيرة الهجمات في العراق من جديد، وعاد المتطرفون والمتشددون إلى تحقيق بعض التقدم من جديد، فما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟
عادل عبد المهدي: في السنوات الأخيرة كنا دائماً في وضع الهجوم والهجوم المضاد بين الحكومة والإرهابيين. وحتى إن تحسن الوضع الأمني، فإن التنظيمات الإرهابية ما زالت موجودة. لكنها باتت تتحرك الآن في الخفاء، بعد أن كان ظهورها في السابق علنياً وتمكنت في ما مضى من فرض سيطرتها على مناطق أو محافظات أو أحياء سكنية. وكنصر جزئي يمكن أن نعزو للحكومة أنها غيرت من هذا الوضع. لكن السيء في الأمر أن هذه التنظيمات تجعل من الشعب بأجمعه هدفاً لهجماتها. وعلى الرغم من ذلك فأنا على قناعة تامة من أننا سننتصر في حربنا على الإرهاب.
وفي ضوء هذا هل تعتقدون أن فكرة انسحاب أكثر من نصف القوات الأمريكية، كانت فكرة جيدة؟
عبد المهدي: إن المسألة ليست مسألة أرقام، بل مسألة أنظمة، ففي هذه الأثناء باتت قوات الأمن العراقية قادرة على التعامل مع التهديدات الإرهابية بشكل أفضل. لكن ما يتعلق بالدفاع عن البلد ضد الأعداء الخارجيين، فإن العراق ليس مستعدا بعد لمواجهة مثل هذه التهديدات الخارجية، إذ إن القوة الجوية ما زالت قدراتها متواضعة تماماً. لكن عدد القوات الأمريكية التي ستبقى في العراق حتى 2012 يبلغ 50 ألف جندي، وسنحصل على دعمهم ومعلوماتهم الاستخبارية. وسيتدخلون في حال احتجنا لدعمهم.
عملية تشكيلة حكومة جديدة تراوح في مكانها منذ أكثر من ستة أشهر. هل يمكن أن نعزو هذا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تراهن على الخيارات العسكرية أكثر من العملية السياسية؟
عبد المهدي: نعم، فمنذ دخول القوات الأمريكية إلى العراق عام 2003 وحتى العام الماضي حين أصبح باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، قام الأمريكيون بدور أكثر فاعلية في العراق. ومنذ ذلك الحين يزداد اعتماد العراقيين على أنفسهم تدريجياً. ولهذا الأمر محاسن ومساوئ، لأن العملية السياسية لا تتقيد بالخطوة العسكرية.
تشكيل الحكومة يراوح في مكانه منذ أكثر من ستة أشهر، لماذا تتسم هذه العملية بالصعوبة؟
عبد المهدي: إن الشخصية العراقية شخصية معقدة، وهناك الكثير من العوامل لها دور في ذلك: كالدين والإثنية والانتماء العشائري، أو فيما إذا كان الشخص منتفعاً من نظام صدام حسين أو فيما إذا كان ملاحقاً، فيما إذا كان في داخل العراق أو خارجه. واجتماع كل هذه العوامل يعد من الأمور الصعبة. بالنسبة إليَّ لا توجد سوى إمكانية واحدة، وهي النظام الفيدرالي، لأنه يقدم حلولاً للموازنة بين هذه العوامل. لكن على الرغم من أن ذلك منصوص عليه في دستورنا الجديد، فإننا ما زلنا بعيدين كل البعد عن تطبيقه. إن الحلول الوسط وتشكيل التحالفات من الأمور غير المعروفة لدينا.
إذا كان هناك مقياس لدرجة الديمقراطية من واحد إلى عشرة، فأين هو موضع العراق على هذا المقياس اليوم؟
عبد المهدي: أنا متفائل رغم كل شيء وأقول أكثر من خمس درجات. وهذا يعني أننا قطعنا أكثر من نصف الطريق. وما نحتاج إليه الآن بشدة هو المزيد من الاحترام للدستور. يجب أن ننقل رسالة للآخرين مفادها أن الدستور يسري على الكل ومن الواجب على الكل احترامه. ونتيجة ذلك ستكون تغيير هذه الأوضاع تماماً، ويجب على أغلبنا تعلم ذلك. ولكن لنأخذ دول أمريكا اللاتينية وآسيا على سبيل المثال، إن هذه الدول احتاجت أيضاً أكثر من عشرة أعوام حتى تجد هياكل ديمقراطية.
ولكن حتى ائتلافكم، الائتلاف الوطني العراقي الشيعي لم يتمكن من الاتفاق على مرشح للتنافس على رئاسة الحكومة. أنتم نفسكم تعدون إلى جانب آخرين كأحد المرشحين المحتملين؟
عبد المهدي: نحن تكتل مكون من تجمعات وأحزاب مختلفة، والائتلاف الوطني العراقي ليس بالائتلاف الذي يخضع لسيطرة شخص واحد. وهذا ما يجعل الأمر صعباً. نحن رحبنا بلقاء إياد علاوي بنوري المالكي، فقد حصل الاثنان على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات التشريعية. وطالبناهما بإيجاد حل لمشكلة تعثر تشكيل الحكومة، فلدى الاثنان سوية 180 مقعداً في البرلمان، مما يعني أنهما سيتمتعان بأكثرية مريحة. لكننا مختلفون على مسألة واحدة، وهي من سيتولى رئاسة الحكومة. وهذا هو سبب تعثر تشكيل الحكومة. ولا يمكنني أن أفهم لماذا لا يتم احترام الإطار الزمني الذي ينص عليه الدستور ولماذا يعاد تمديده مراراً. إن هذا الأمر يعد من الأخطاء الفادحة، لكن الولايات المتحدة بدأت الآن بممارسة الضغوط.
إن قام إياد علاوي ونوري المالكي بتشكيل حكومة مشتركة، فسيتمتعان بالأكثرية المريحة ويبقى الائتلاف الوطني العراقي خارجاً، هل سترضون بذلك؟
عبد المهدي: ولِمَ لا، حينها سنكون في المعارضة!
أجرت الحوار: بيرغيت سفينسون
ترجمة: عماد مبارك غانم
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
يتولى عادل عبد المهدي (67 عاماً) منذ أربعة أعوام منصب نائب الرئيس العراقي. وساهم عبد المهدي، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من احدى جامعات فرنسا، في تشكيل الائتلاف الشيعي "الائتلاف الوطني العراقي" الذي فاز في أول دورتين انتخابيتين. وفي الانتخابات الأخيرة التي أجريت في 7 آذار/ مارس جاء الائتلاف في المرتبة الثالثة بعد ائتلافي إياد علاوي ونوري المالكي. وينتمي عبد المهدي إلى المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وهو أحد الأحزاب الشيعية وتم تأسيسه في طهران في ثمانينات القرن الماضي من قبل معارضين عراقيين.
قنطرة
حوار مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي:
"العراق ليس ساحة لتنافس الآخرين"
في إطار زيارته مؤخراً إلى ألمانيا تحدث رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى دويتشه فيله عن فرص تطور بلاده ومهام حكومته، إضافة إلى علاقات العراق بدول الجوار وآخر تطورات الاتفاقية الأمنية المزمع توقيعها بين بغداد وواشنطن. محمد إبراهيم التقى السياسي العراقي وأجرى هذا الحوار.
ستهداف ميليشيات الصحوة في العراق:
ميليشيات الصحوة تحت نيران تنظيم القاعدة
تستهدف الهجمات الانتحارية التي يشنّها تنظيم القاعدة في العراق بشكل متزايد عناصر ميليشيات الصحوة السنِّية الذين يقاتلون إلى جانب القوَّات الحكومية والأمريكية المجموعات الإرهابية. غير أن هذه الميليشيات لم تحصل على الرعاية الكافية من قبل الحكومة العراقية بالشكل الذي يتلاءم وطبيعة دورها وحجم المخاطر التي تتعرض لها. برغيت سفينسون تسلِّط الضوء من بغداد على تنامي وتيرة الهجمات الانتحارية في العراق.
العراق على مفترق طرق:
فترة انتقالية في الحرب الأهلية
على الرغم من نجاح الاستراتيجية الأمريكية الملموس في خفض حدة العنف الطائفي في العراق، إلا أن خطورة انزلاق البلاد نحو حرب أهلية مازالت قائمة ما لم تتم مصالحة سياسية حقيقية في هذا العام بين مختلف الأحزاب السياسية. غيدو شتاينبيرج في قراءة تحليلية للتطورات الأخيرة في بلاد الرافدين.