"لا عودة عن مواصلة الاحتجاجات!"

على الرغم من جميع التهديدات والإجراءات الشديدة التي يتَّخذها حراس النظام في طهران تستمر وبشدة احتجاجات "حركة المعارضة الخضراء" على تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية. أليساندرو توبا يسجل انطباعاته ومعايشاته لأجواء المظاهرات في إيران.

"لا تصدِّقوه بكلمة! ستخرج المظاهرة التالية يوم السبت"، يصرخ شاب يشبه ويضيف سيتم الإعلان عن الوقت والمكان على موقع غلام نيوز Ghalamnews"! وبعد دقيقة واحدة اجتمع بضع مئات من المستمعين لسماع هذا الرجل الذي يشدّ على رأسه وشاحًا أخضر، حيث كانت الحشود البشرية تمرّ متدفِّقة وصامتة من أمامه. وهذه الحشود تأتي من ساحة "توپخانه"، أي "ساحة المدفع" التي تقع في وسط طهران وتمت تسميتها منذ قيام الثورة باسم الإمام الخميني، والتي ظهر فيها قبل فترة وجيزة مير حسين موسوي للمرة الثانية منذ الثاني عشر من شهر يونيو/حزيران.

ويسير الناس في صفوف عريضة تتكوَّن من نحو أربعين شخصًا باتِّجاه الشمال إلى ساحة الفردوسي، وينعطفون هناك نحو الغرب وذلك من أجل التوجّه إلى ساحة الثورة. ويسير شخص "مضلِّل" ينشر معلومات خاطئة متراجعًا نحو خمسين مترًا إلى خلف الحشود ويعلن عن مظاهرة ستخرج يوم الجمعة. ويستمر الشاب في النداء بصوت مرتفع قائلاً: "لا تصدِّقوه! فالمظاهرة التالية ستخرج يوم السبت".

ما بين التضليل وانتظار هادئ

ويكمن سبب ثقة الحشود في هذا الشاب وليس في الشخص "المضلِّل" الذي ينشر المعلومات الخاطئة فيما لا يمكن لموقع تويتر القيام به؛ فمن خلال التجربة الشخصية وحدها يستطيع المرء معرفة ما إذا كان من الممكن الثقة بمصدر معلومات - أو كذلك يستطيع فقط التخمين إن كان هذا المتسكِّع الذي يتجوَّل هنا ويحمل هاتفًا جوَّلاً على حزامه وصحيفة مطوية تحت ذراعه هو من أفراد قوَّات "الباسيج" (التعبئة) الذين يسجِّلون كلَّ شيء بيقظة وحذر. فهو يراقبك ويراقب المذبح الرمزي الذي تمت إقامته على جدار يشعل عليه المارة الشموع، ويراقب عبارة "مرگ بر دیکتاتور" (الموت للديكتاتور!) المكتوبة بصبغ مرشوش على الحائط، ويراقب مشاركة الناس من جميع الطبقات الاجتماعية في إحياء ذكرى الموتى الذين سقطوا يوم الاثنين الماضي، بالإضافة إلى باعة المياه الذين يبيعون لأوَّل مرة قوارير ماء بلاستيكية على عربات صغيرة.

وفي هذه الأثناء ما تزال ساحة المدفع مليئة بالمتظاهرين. ويقف في الساحة بعض الجنود منتشرين في مجموعات صغيرة. ويتمنَّى لهم المتظاهرون بلهجة ودية أن لا يكونوا متعبين، حيث يقولون لهم بالفارسية "خسته نباشى!" وهم يتزاحمون في المرور من جانبهم بدون وجل وخوف. وفي ليلة الجمعة تم تبديل قوات الأمن في جميع أنحاء المدينة. ويقول البعض إنَّ هؤلاء من أفراد الوحدات الخاصة التابعة لقوات الحرس الثوري الموالية كثيرًا لخامنئي - وهذا بطبيعة الحال نذير شؤم بالنسبة لخطبة الفقيه الأكبر التي تم انتظارها بفارغ الصبر. فقد قسَّم المرشد الأعلى الروحي والسياسي والعسكري الجمهورية الإسلامية في ظهر يوم الجمعة التالي خطبة الجمعة التي ألقاها إلى ثلاثة نقاط، وخصَّ في كلّ منها مجموعات محددة من المستمعين؛ وفي الجزء الأول خاطب بصورة خاصة الشعب الذي أحدث من خلال نسبة مشاركته في الانتخابات التي بلغت خمسة وثمانين في المائة "زلزالاً لدى العدو".

دماء وفوضى

وفي الجزء الثاني خاطب خامنئي المرشَّحين الأربعة للانتخابات والمؤسسات المعنية بالانتخابات. وهزَّت رسالته الرئيسية جميع من كانوا يأملون وهم جالسون أمام شاشات التلفزة عبارات تهدئة من السلطة الوحيدة التي يمكنها حفظ البلاد من هذه المحنة التاريخية من دون إراقة دماء. ولكن تم تهديد "المتطرِّفين" المحتجِّين على نحو مكشوف "بالدماء والفوضى" التي يتحمَّل مدبِّروها المسؤولية عنها.

ولم يحضر كلّ من مهدي كروبي ومير حسين موسوي ومحمد خاتمي. ولكن لم يحضر أيضًا هاشمي رفسنجاني الذي يحميه خامنئي بكلِّ صراحة من اتِّهامه بالفساد. كما ظهر ذلك مثل عرض سلام أخير مقدَّم إلى ثاني أقوى رجل في الدولة. وخامنئي أجلس في هذه الأثناء النخبة القيادية على أقدامها ورافقت الفقرات المتعلِّقة بالحياة الآخرة عند نهاية خطبته طقوس من البكاء والنحيب.

وفي الجزء الثالث وجَّه خامنئي كلامه إلى الدول الخارجية التي أنكر عليها الشرعية الأخلاقية في الحديث عن حقوق الإنسان وتم اتِّهامها بأنَّها تتَّخذ من الشؤون الإيرانية الداخلية ذريعة. وبهذا تم تحديد الخطّ التوجيهي الذي تم على طوله في الأيَّام التالية وفي وسائل الإعلام بناء أسطورة التوجيه الأجنبي للاحتجاجات، في حين يتم إبعاد الصحفيين عن البلاد أو أنَّهم لم يعدوا على اتِّصال بالعالم وبصحفهم إلاَّ عن طريق الهاتف والفاكس من داخل فنادقهم.

الاحتجاجات مستمرة

ويتساءل في مساء يوم الجمعة خاصة الشباب والكثير من النساء الشجاعات عما إذا كانوا سيلتقون ببعضهم في اليوم التالي عند الساعة الرابعة مساءً في ساحة الثورة. فقد ورد في هذه الأثناء على موقع "غلام نيوز" أنَّ الناس يريدون الاستمرار في الاحتجاجات السلمية، على الرغم من الحظر الذي أعلنه قائد الثورة وتم تفسيره من قبل وزارة الداخلية باعتباره حظرًا للمظاهرات.

ويقول أحد أنصار موسوي: "إذا لم نذهب إلى المظاهرات فإنَّ الحركة ستنهار". ويضيف أنَّ الذهاب إلى هناك واجب أخلاقي. ويسمع المرء مرارًا وتكرارًا أنَّه "لا توجد عودة، خاصة بعد هذه الخطبة". وعندما تنطلق من جديد بعد الساعة العاشرة مساءً هتافات "الله أكبر" من فوق أسطح المنازل، نشاهد على الوجوه تعابير الراحة؛ ويخرج الآخرون مع المتظاهرين، إذ إنَّ خطبة المرشد الأعلى فقدت تأثيرها المخيف.

وفي صباح يوم السبت تم بيع الصحف اليومية أسرع بكثير من ذي قبل. ويقول صاحب كشك لبيع الصحف يقع بالقرب من سوق تجريش إنَّه صار يطلب مائتين وسبعين نسخة من صحيفة الإصلاحيين اليومية "اعتماد ملى"، في حين كان يطلب في العادة سبعين نسخة فقط من هذه الصحيفة. وفي اليوم التالي أصبحت هيئات الرقابة التابعة لوزارة الثقافة تجلس في مكاتب أسر التحرير في جميع الصحف.

وعند الساعة الرابعة مساءً قرع الجرس ثلاثة رجال وطلبوا مني رؤية جواز السفر. وقال المتحدِّث باسمهم إنَّه من "دائرة الهجرة وشؤون الأجانب" وتظاهر أنَّه لم يكن يعلم أنَّ تأشيرة السفر الصحفية ستنتهي يوم غد. وربما كانوا يريدون التأكّد من أنَّه لا توجد تقارير وصور عن أعمال العنف التي وقعت حول ساحة الثورة يمكن أن تصل خارج البلاد. وقال مبتسمًا ابتسامة خبيثة أثناء الوداع: "إذن سنرى بعضنا يوم غد في المطار". وبعد فترة وجيزة صار يتم تناقل أوَّل قصص تقول إنَّ المحتجِّين لم يصلوا الساحة قطّ، فقوَّات الأمن تعاملت بهذا القدر من العدوانية والعنف.

في وجه الإعصار

لم يتأكَّد في ألمانيا أنَّ مدى العنف الذي تفجَّر في مطلع الأسبوع في بعض المدن الإيرانية الرئيسية قد تجاوز أسوأ التوقّعات إلاَّ بعد فترة؛ حيث تحدَّث عامل فني ألماني كان في إيران وضلّ طريقه في وجه الإعصار عن ممارسات قوَّات الأمن: "كانوا يسيرون بكلِّ سرعة درَّاجاتهم النارية منقضِّين على حشود المحتجِّين".

ومن الواضح أنَّ هذا الرجل الألماني تحمَّل السفر على متن الخطوط الجوية الإيرانية وهو منده ومن دون أن يقول كلمة. وفي مرافق مطار كولونيا/بون انطلق لسانه، حيث قال: "لقد كان ذلك مثل الجحيم. فقد جاء راكبو الدرَّاجات السود من كلِّ اتِّجاه يعصفون فوق درَّاجاتهم النارية وراحوا يضربون كلَّ شيء بالهراوات. وسمعت طلقات نارية وشاهدت أجسامًا لا تتحرَّك. ثم جاء الغاز المسيل للدموع. ولم يكن وصولي إلى الحافلة التي سافرنا بها مبتعدين عن هناك إلاَّ مجرَّد حظّ". وتؤكِّد الصحف ما شاهده هذا الرجل وعبِّر عن ذلك سائق سيارة أجرة إيراني في المطار بالقول: "باستطاعتكم الآن مشاهدة كلِّ شيء لأوَّل مرة على موقع يوتيوب. الله يحفظكم!.

أليساندرو توبا
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

ما بعد الفوز المثير للجدل لأحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية:
"لا يختار المرء أعداءه بنفسه ولا بديل عن الحوار"
يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، بيتر فيليب، في تعليقه الآتي أنه على الرغم من استمرار الاحتجاجات ضد فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية يجد الغرب نفسه مُرغما على التعامل مع القيادة الإيرانية ولا ينبغي الشك في جدوى الحوار.

مير حسين موسوي:
مصلح من دون مرجعيات
أصبح مير حسين موسوي في إيران بطل المعارضة الشعبي. ولكن في الحقيقة لا توجد في حياته السياسية حتى الآن سوى القليل من الإشارات التي تشير إلى ذلك. رودولف شيميلّي يستعرض بعض جوانب حياة مير حسين موسوي.

فولكر بيرتيس: "إيران – تحديات سياسية":
إيران بلد الاختلافات ودولة الإشكاليات
بواقعية وموضوعية قام فولكر بيرتيس، الخبير بشئون الشرق الأوسط ومدير مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، في كتابه "إيران – تحديات سياسية" بتحليل طبيعة الجدل والإشكاليات المحيطة بالسياسة الإيرانية خارجيا وداخليا. كما نجح، على وجه الخصوص، في تحليل المجتمع الإيراني وعرض الاختلافات والتباينات داخله بصورة رائعة. سباستيان سونس يعرفنا بهذا الكتاب.