معركة المحافظين والإصلاحيين وسباق الأرقام الصعبة

ما يقلل من فرص محمود أحمدي نجاد في إعادة انتخابه لرئاسة ولاية ثانية سياساته الداخلية والخارجية التي أدت إلى عزلة إيران خارجيا وزيادة الأوضاع الاقتصادية سوءا. ومع ذلك ليس من المؤكد أن يستطيع منافسوه من معسكر الإصلاحيين إقناع الجمهور ببرامجهم الانتخابية. ماركوس ميشائلسن يلقي الضوء على برامج المرشحين وفرض فوزهم.

مع تسجيل أسماء المرشحين للانتخابات يعد الأول من مايو / أيار الموعد الرسمي لبدء الحملة الانتخابية في إيران، تلك التي بدأت تستعر قبل ذلك بكثير. ومما هيّج السخط ضد إنجازات أحمدي نجاد حتى الآن هو التضخم المالي والبطالة وتبديد إيرادات البترول التي سجلت رقما قياسيا. علاوة على ذلك أظهر الرئيس بحضوره مؤتمر مناهضة العنصرية في جنيف أنه أيضا على المستوى العالمي لا يبحر في مياه هادئة. على ضوء ذلك هل يستطيع أحمدي نجاد أن يصل للرئاسة لولاية ثانية؟ يرى المنافسون أن الوقت قد حان للتغيير، وعللوا ترشيحهم على مستوى كل الاتجاهات السياسية بـ"الحرص على مصلحة الأمة".

مقارنة البرامج الانتخابية

إن غالبية الأحزاب الإصلاحية، بما فيهم ذوي النفوذ الأصليين والرئيس السابق خاتمي يؤيدون حاليا مير حسين موسوي. هذا الرجل الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء قبل عشرين عاما يستشهد بزهده في السياسة على قيادته الناجحة للبلاد أيام الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات. ويتطرق موسوي لذكر هموم الشعب البسيط ويتقرب بذلك إلى جمهور أحمدي نجاد. وفي الوقت نفسه يأمل بمزيد من الانفتاح، مثل إبعاد بوليس الآداب من الشوارع والترخيص بمحطات التلفاز الخاصة.

بيد أن هذه الموازنة في البرامج الانتخابية جعلت جزءا من الناخبين يتشككون في مصداقية هذا الرجل البالغ من العمر 67 عاما. ويبدو أن الشباب بالذات يستغربون ألفاظه التي يغلب عليها طابع فترة الثورة، كما أن بعض أصحاب المدونات الإيرانيين بدأوا يتناقشون فيما إذا كان موسوي ينتمي إلى معسكر الإصلاحيين أم لا. أما هو فيعتبر نفسه "مصلحا يريد الالتزام بمبادئ الثورة الإسلامية وقيمها" ويرغب في الانضمام إلى المحافظين الذين يندرجون تحت لواء "المخلصين للمبادئ".

دَفعة من خلال حركة الإصلاح الإيرانية

تُعد مواقف المرشح الثاني، مهدي كروبي، أكبر تأثيرا من ذلك، فالفقيه البالغ من العمر 71 عاما يتكلم بصراحة عندما يدافع عن حقوق الإنسان أو عندما يهاجم مجلس الشورى المحافظ بسبب تدخله في الانتخابات.

وبفضل مثابرته استطاع كروبي الحصول على مساندة من مشاهير حركة الإصلاح، حيث جاءه دعم من الفيلسوف الإيراني عبد الكريم سروش التي تشكل كتبه أساسا للمطالبة بتطبيق الديمقراطية في الجمهورية الإسلامية. إذا اعتبرنا بدايةً أن هناك اتفاقا بين المُصلحَيْن فمن الواضح أن كلاهما سيبقى في السباق إلى النهاية. لكن هناك تخوف من أن ينتزع أحدهما أصواتا من الآخر، بحسب نائب الرئيس الإيراني السابق الذي ردّ على ذلك في جريدة "اعتماد مللي" قائلا: "سوف يحصل كل من كروبي وموسوي على أصوات فئات مختلفة من الناخبين".

وحسب نسبة المشاركة في الانتخابات سوف تتحسن فرصة وصول أحدهما إلى الجولة الثانية. وحسب القانون يُفترض أن يحصل أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة من الأصوات وإلا سوف تجرى دورة اقتراع ثانية لتحديد الفائز من بين المتنافسَيْن. ويتوقع المرشحون الإصلاحيون تحسّن فرصهم في منافستهم ضد أحمدي نجاد. كما قد يتسبب استياء المواطنين من سياسة ،جادي من شأن توجيه ضربة انتخابية له، لدرجة أن الصحفي أكبر مجتبى كتب في مدونته أن المباراة الفاصلة أصبحت فقط بين كروبي وموسوي.

جو خافت يسود بين المحافظين

على العكس من ذلك يسود جو خافت في معسكر المحافظين. فـ"المخلصون للمبادئ" من المعتدلين الذين حصلوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة على أغلبية المقاعد لم يستطيعوا حتى الآن الحصول على تأييد عام لولاية ثانية لأحمدي نجاد. لكن كل من رئيس البرلمان لاريجاني ورئيس بلدية طهران قاليباف – وكلاهما من أبرز نقاد للرئيس - فقد التزما الصمت، مثلهم في ذلك مثل رجال الدين. حتى الآن يعتبر محسن رزائي هو المنافس الوحيد من هذا الجناح. هذا القائد السابق للحرس الثوري هاجم أحمدي نجاد بإخفاقه في الإدارة واستفزازاته على مستوى السياسة الخارجية.

و محسن رزائي ممن ينادون بفكرة "حكومة ائتلافية" تستطيع فيها القوى الكفء أن تتبوأ مكانها كي تخرج البلاد من الأزمة. لكن فرصة فوز هذا الرجل البالغ من العمر 54 عاما تعتبر غير مضمونة. حتى أن منافسيه من نفس المعسكر يتحفظون في تعبيرات مساندتهم له. لكن موقف القائد الأعلى للثورة الإسلامية لا يزال غامضا، فـ"خاميني" يبدو أنه مولع بالرئيس العنيد ولوّح بمساندته له.

وعلى الرغم من أنه أعلن مرارا في الأشهر الماضية عدم تفضيله لمرشح معين، إلا أن ذلك لا يعني عدم تضامنه مع أحمدي نجاد. ففي عام 2005، وقبل الانتخابات بأيام قليلة، أظهر خاميني تضامنه مع المرشح الذي لم يكد أحد يعرفه آنذاك.

إرادة فوز أحمدي نجاد

بيد أن فرص الرئيس الحالي في الفوز، وأيضا إرادته للفوز، لا يُستهان بها، فأحمدي نجاد يعتمد على الحرس الثوري ومجلس صيانة الدستور الذين يشرفان على الانتخابات التشريعية. كما يساند التلفاز الحكومي الرئيس ويمنحه وقتا مناسبا لذلك. ويجوب الرئيس المحافظات، حيث يسعى لشراء الأصوات بهدايا مالية من خزانة الدولة.

ولأحمدي نجاد في الوقت نفسه أصدقاء يُعتمد عليهم في وزارة الداخلية المسئولة عن سير الانتخابات. وقد لاحظ المرء في الأسابيع الأخيرة تنقلات وظيفية واسعة داخل الوزارة، بحسب ما قاله السياسي المصلح بهزاد نبوي في حديث صحفي، حتى إن لجان الانتخاب المحلية يقوم عليها الآن موظفون يدينون بالولاء للحكومة.

ولا عجب أن يزداد تخوف المرء على نزاهة الانتخابات، لهذا صرح المرشحان الإصلاحيان بتكوين لجنة مستقلة لمراقبة صناديق الاقتراع. وكان رد فعل كروبي على تدخل الحرس الثوري ينم عن حساسية بالغة. ذلك أن رئيس الحرس الثوري أعلن منذ عهد غير بعيد أن ميليشيا الباسيج الدينية يمكنها أن تمارس نشاطا سياسيا. وقد قام كروبي بالاحتجاج فعليا على تأثير منظمات مقربة من الجيش، حيث أخفق آنذاك في الوصول إلى الدورة الثانية لتأخره عن أحمدي نجاد بأصوات قليلة.

مع كل هذا فالشعب الإيراني لا يبدي اهتماما كبيرا، فكما يقول الناشط الإصلاحي عباس عبدي أن الأزمة الاقتصادية ومواقف المرشحين غير الواضحة خففت من اهتمام الناس بالانتخابات. وفي القريب العاجل سيقوم التلفاز ببث مناظرة بين المتنافسين على الطريقة الأمريكية لزيادة الحماسة للإقبال على المشاركة في الانتخابات.
علاوة على ذلك، لا أحد يستطيع أن يقيم تضامن الناخبين الإيرانيين مع أحمدي نجاد، لأن الماضي أثبت أن هؤلاء الناخبين قادرون على صنع المفاجئات دائما. وحتى الثاني عشر من يونيو / حزيران تقترب اللحظة النهاية المثيرة للسباق.

ماركوس ميشائلسن
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

الانتخابات البرلمانية الإيرانية:
استفتاء على "النهج النجادي" أم رسالة للتغيير؟
لا تحظى الانتخابات البرلمانية الإيرانية باهتمام شعبي كبير في ضوء تغييب المعارضين وممارسات الأجهزة الأمنية ضد أصحاب التيار الإصلاحي، غير أن هذه الانتخابات تشهد مشاركة متزايدة من قبل النساء وفق ما رصده بيتر فيليب من طهران.

جدال حول الدين والديمقراطية في إيران:
الأصوليون يكتسحون المصلحين الإسلاميين الإسلاميين
يلقي الجدال الديني-النظري الدائر ما بين المفكّر الإيراني عبد الكريم سروش والدكتور سيد حسين نصر الضوء على انقسام جناحي المحافظين والمصلحين الإسلاميين الذين يواجهون بعضهم الآخر في هذه الأيّام بشدة غير مسبوقة. تقرير فرج سركوهي.

عاماً من الإعلام في الجمهورية الإسلامية:
بين المنع والرقابة الذاتية
على الرغم من الفترات القصيرة، التي تمتعت فيها الصحافة في إيران بحرية نسبية، ما زال الخناق يضيق حتى اليوم على الصحفيين المستقلين. جاسم تولاني يقدم لمحة عن تاريخ الصحافة وحدود حريتها خلال ثلاثين عاماً من تاريخ جمهورية إيران الإسلامية.