العلاقات الدولية بين الاقتصاد وحقوق الانسان
شرودر بوعده وزار ليبيا بعد أن دفع القذافي تعويضا لضحايا مرقص لابيل في برلين. تعليق الصحفي والكاتب الليبي فرج بو العشة
زيارة شرودر لليبيا هي الأولى لمستشار ألماني، وقد رافقه وفد اقتصادي كبير ضم العشرات من كبار المستثمرين ورجال الأعمال وممثلين عن الشركات الألمانية الكبرى من أجل رفع حجم الواردات الألمانية في ميزان التبادل التجاري بين البلدين والذي بلغ حجمه في العام 2003 ما قيمته 3،2 مليار يورو،وذلك من خلال زيادة فرص أعمال الشركات الألمانية في حقول النفط وإقامة مشروعات البنية الأساسية وتوريد الأسلحة بعد رفع حظر بيع الأسلحة لليبيا.
وإلى ذلك اصطحب شرودر وزير داخليته اوتو شيلي الذي كان قد اقترح إنشاء معسكرات في بلدان شمال أفريقيا لتجميع المهاجرين قبل تقرير حقهم في الهجرة إلى أوربا من عدمه،لا سيما وأن القذافي،المجتهد في طلب رضا أمريكا وأوروبا، رحب بالفكرة وأبدى استعداده للقبول بإقامة مثل هذه المعسكرات على الأراضي الليبية.
ورغم أن هدف زيارة المستشار الألماني اقتصادي صرف حسب ما أوضح مصدر حكومي ألماني، فإن شرودر سيطلب من العقيد القذافي العمل على إطلاق سراح الممرضات البلغاريات الخمس والمحكوم عليهن بالإعدام بتهمة حقن نحو 400 طفل ليبي بدم ملوث بفيروس الايدز.
القمع في الداخل
أما أوضاع حقوق الإنسان،المنتهكة في ليبيا على نحو صارخ، فيبدو أنها خارج أجندة السيد المستشار، رغم أنه تسلم قبل سفره مذكرة تفصيلة من فرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا المختص بأوضاع حقوق الإنسان في ليبيا.
وقد بينت المذكرة أن انتهاكات الحريات الأساسية لا تزال مستمرة في ليبيا. كما طالبت المذكرة تدخل المستشار شخصيا عند الديكتاتور الليبي من أجل إطلاق داعية الديموقراطية فتحي الجهمي المعتقل بسبب آرائه السياسية، وكذلك من أجل إلغاء الحكم بالإعدام الصادر بحق اثنين من أستاذة الجامعة الليبية بسبب نشاطهما السياسي السلمي المعارض.
والحال أن القذافي وأن تخلى عن ممارسة الإرهاب في الخارج فانه لم يتوقف عن ممارسته في الداخل وهو ما يطرح سؤال الاخلاق على السياسة كما جاء في تعليق لأحد أشهر الصحفيين الألمان وهو بتر شولير لاتور: هل دفع 28 مليون أيورو (35 مليون دولار) لضحايا اعتداء لابيل، يمكنه أن يسدل ستار النسيان على إرهاب الرئيس القذّافي الذي دام سنين طويلة؟ وهل يجوز للمستشار الألماني شرودر أن يسافر الى طرابلس هكذا بكلّ بساطة؟ ليس هناك أي شكّ في أن القذّافي كان رئيس الدولة الذي أدين بمعظم جرائم الإرهاب، وهو الذي غطّى الكرة الأرضيّة بالرعب: من إيرلندا الى الفليبين.
وبنفس القسوة تصرّف ضدّ معارضيه مثل ديكتاتور العراق السابق صدّام حسين. وإن مداهنة القذّافي للعالم الغربي لم تأت لأنه اكتشف مرة أخرى عاطفة الحب البشري. بل لأنه يرغب في إعادة ترميم تجارته النفطيّة. ولأنه يستشعر تجريده من السلطة، مثلما حصل لصدّام حسين.
وادعّاءاته بأنه سوف يسخّر جهوده، من أجل نظام جديد لعالم إسلامي ديمقراطي، هي مضحكة حقّا. فالقذّافي لا يؤخذ، في كافّة أنحاء العالم العربي ـ الإسلامي، مأخذ الجدّ. بل ويثير السخريّة لمظهره الشاذ لهذا فابتعدوا عن هذا الدجّال! إننا نرحّب بالنقود للضحايا. ولكن الى أين نحن ذاهبون. عندما نعانق مشعوذا يتحكّم في بلاده كالطاغية؟.."
بقلم فرج بو العشة، قنطرة 2004