بين الأقلية الملتزمة والأغلبية الصامتة
على الرغم من إبداء الجهات الحكومية الألمانية والمنظمات الإسلامية في ألمانيا استعدادها للدخول في حوار بينها فإنها لم تلتق ببعضها البعض. وقد أشارت مقالات صحفية نشرت في الأسابيع الماضية إلى أن كافة المنظمات الإسلامية لا تمثل إلا أقل من نصف عدد المسلمين في ألمانيا البالغ عددهم ثلاثة ملايين ولهذا لا يوجد ما يبرر ادعاءها بكونها ذات مرجعية للتعامل مع الحكومة في الأمور المتعلقة بالإسلام.
وقد شددت المقالات المذكورة على أن تلك المنظمات لا تمثل ما يسمى "الأغلبية الصامتة" للمسلمين. وقد تم في السابق رفض مطالب مسلمين ملتزمين بتعاليم دينهم بمساواة منظماتهم بكل من الكنائس المسيحية والطائفة اليهودية.
كما ُرفض إجراء محادثات بين هؤلاء المسلمين ومسؤولين حكوميين بحجة أنهم لا يمثلون كافة المسلمين في ألمانيا. ويتضح من هذه السياسة بأن الرفض مبني على الظن بكون هذه المنظمات تشكل في المقام الأول اتحادات لتبني المصالح المشتركة بمعنى أنها تلعب دور اللوبي في المقام الأول.
لكن الأمر يتطلب منا أن نتمعن في فهم مفهوم "المسلم" المبني على الانتماء الأصلي وليس على واقع الالتزام بأحكام الدين أو توفر القناعات الدينية.
توضح البيانات الخاصة بآخر تقدير رسمي صدر حول عدد المسلمين في عام 2000 بأن الرقم التقديري الذي يترواح بين 2،8 و 3،2 مليون فرد يتناول كل الأفراد المقيمين في ألمانيا المنحدرين من بلدان يشكل المسلمون الأغلبية السكانية فيها.
وقد أمكن الوصول إلى تلك البيانات من خلال الإحصائيات المتعلقة بالمهاجرين. وهنا كان المقياس للأصل العائلي أو الإثني الذي نشأ فيه شخص ما وليس للمذهب أو الدين الذي يعتنقه. أي أن مصطلح "المسلم" يصف الخلفية الثقافية والدينية الكفيلة بشكل أو آخر بالتأثير على واقع ممارسة الدين وطريقة الحياة.
بناء انتماء "مسلم"
أما في سياق المطالبة بمرجعية تمثيل المسلمين فإن هذا المصطلح يفهم استنادا على قاعدة الانتماء إلى دين معين أو طائفة معينة. لكن هذا مبني على تصور حول الانتماء الديني لا تراعى فيه التفسيرات المختلفة بهذا الشأن ولا تغيير المذهب المتبع والتحول الثقافي الذي طرأ في هذه الأثناء واحتمال التراجع عن التبعية لدين ما.
في الجدل العام الدائر يفهم تحت عبارة "المسلمين" مجموعة مترابطة عضويا تعود تصرفاتها في أغلب الحالات إلى الخلفية الإسلامية. وكثيرا ما تمت الإشارة إلى كل الأشخاص التابعين للإسلام والاعتقاد في آن واحد بأن الإسلام يلعب دورا جوهريا في حياتهم.
من الأمثلة التي تظهر ذلك الجدل الدائر حول الزواج القسري وجرائم ومؤشرات النقص في المعدلات الثقافية لدى الشباب من ذوي خلفية الانتماء الإسلامي .
يتم منذ وقت طويل النظر إلى المهاجرين من دول أغلب سكانها من المسلمين في كل المجالات ذات الأهمية من أرضية كونهم "مسلمين" وبالتالي تعطى لهم تعريفات مبنية على فرضية تمسكهم بتعاليم دينهم.
وكثيرا ما تم تبسيط مسائل معقدة مرتبطة بالعلاقة بين الأسباب وردود الفعل وتعويلها إلى عوامل مقتصرة على محض الانتماء إلى الإسلام، علما بأن هذه العلاقة تفرز مشاكل بل نزاعات أيضا.
لكن هذه الرؤية تعرقل الطريق نحو إيجاد حلول لتلك النزاعات. الجدير بالذكر أنه لا ينبغي علينا الاكتفاء بعرض المشاكل القائمة بل ينبغي أيضا أن نجد حلولا لها على أسس تحليلية. ولا يكفي أن نبحث عن أسباب ذلك في الإسلام نفسه، بل اقتضت الحاجة إعداد استراتيجيات متشعبة لضمان تكريس الاندماج على نحو متكامل.
من ناحية أخرى لن يتم التغلب على أغلب هذه المشاكل فيما لو افترضنا بأن ذلك يتحقق عندما يعمد الأفراد المعنيون إلى التراجع عن انتمائهم للإسلام. فمثل هذه الفرضية لن تحدث أي تغيير لا بالنسبة للمشاكل الاجتماعية القائمة لدى الأجيال المقبلة لسكان ألمانيا ولا بالنسبة لانعدام حالة المساواة للمرأة.
نشاط من أجل الإندماج
يجدر بنا - وهنا أود أن أقول إن المستشارة الألمانية اكتشفت صحة هذا الأمر من خلال دعوتها لعقد قمة تتناول مواضيع الإسلام- ألا ننظر إلى المسائل من أرضية الحدود القائمة بين المسلمين وغير المسلمين بل علينا أن نراعي القواسم المشتركة بين الأشخاص والمجموعات الملتزمة بفكرة المجتمع الشامل:
أي الألمان ذوي الانتماء الإسلامي وغير الإسلامي الذين ينشطون من أجل تحقيق الإندماج ومستقبل أفضل للشباب ويكافحون ضد التطرف الأعمى والعنف المنزلي.
هذا الهدف يتطلب مشاركة عدد لا يحصى من المنظمات. كما أن توفر المبادرات النابعة من روح المجتمع المدني الإسلامي سيكون في هذا السياق مفيدا للغاية. لكن عملية دمج الأفراد ذوي الخلفية الإسلامية بغض النظر عما إذا كانوا متدينين أم لا مسألة لا تدخل إلى حيز الوجود إلا إذا فتحت أمامهم أبواب المنظمات والأحزاب العاملة وفقا لمبدأ المجتمع المدني وفي حالة أخذ التزامهم ونشاطهم الاجتماعيين محمل الجد.
تمثيل المسلمين
إن المطالبة المقدمة من الولايات الألمانية بالذات بتحديد شريك مسلم واحد فقط للتعامل معها تعود إلى أسباب برغماتية. فالأمر يتطلب وضوح الرؤى إزاء التعاطي مع مطالب تمس القضايا الدينية وواقع تطبيق أحكام الدين أو مسألة تمثيل المسلمين على مستوى المراسم الرسمية.
وقد يحدث أثناء شرح اتحاد إسلامي لتصوراته حول إعداد برامج لتعليم الدين أن يعترض اتحاد منافس يزعم هو أيضا لنفسه الحق في تقديم برنامج تعليمي آخر للدين. الحال شبيه بالنسبة للاحتفالات الرسمية على مستوى الحكومة الاتحادية أو حكومات الولايات التي توجه دعوات إلى ممثلي كبريات الطوائف والمجموعات الدينية للحضور.
حيث أن الدعوة تقتصر في حالة الدين المسيحي على ممثل واحد عن الكنيسة البروتستانتية وآخر عن الكنيسة الكاثوليكية وفي حالة الدين اليهودي على ممثل واحد عنه أيضا. بالتالي لن يكون الحال عمليا وواقعيا في أن تتم دعوة عدد من ممثلي المسلمين بدلا من الاكتفاء بشخص واحد وذلك فقط بحجة مراعاة التعددية الدينية والإثنية في صفوفهم.
يتضح هنا بأن رغبة المسلمين في حيازة ذات المعاملة التي يلقاها ممثلو الدينين اليهودي والمسيحي تحتم على اتحادات المسلمين أن تتسم بالمهنية وثبات الموقف والشفافية في صنع القرار وأن تكرس الوحدة في صفوفها.
نحو تمثيل موحد
هذا ما أدركته عدة اتحادات إسلامية حيث أنها بدأت منذ فبراير/شباط 2005 في تشكيل جهاز لتمثيل المسلمين على مستوى ألمانيا بكاملها. هذه الاتحادات تسعى لإنشاء تنظيم على مستوى بعض الولايات الألمانية.
ومن المقرر أن إنشاء هياكل فيدرالية تمتد من البلديات والمحليات لتصل عبر مستوى الولايات إلى المستوى الاتحادي على أن يصاحب ذلك إجراء انتخابات تشارك بها كل المساجد ذات العضوية في تلك الاتحادات.
على الرغم من ذلك فإن مثل هذا الجهاز القائم على أسس دينية لا يسعه أن يمثل سوى الأشخاص ذوي الخلفية الإسلامية الذين يلتزمون في إيمانهم بالدين ويرغبون بالإضافة إلى ذلك أن يتواجد مثل هذا الجهاز التمثيلي.
المسلمون في ألمانيا جماعة غير متجانسة
التقديرات تقول إن هناك نسبة لا تزيد عن 30 %من مجموع الأشخاص المقيمين في ألمانيا من ذوي الخلفية الإسلامية البالغ عددهم ثلاثة ملايين ممن يترددون على المساجد بصورة دورية. أما أل 70% الآخرون من هؤلاء الأشخاص فربما فضلوا بدلا من ذلك الالتحاق بأندية الرياضة أو الغناء أو رأوا بأن تنظيمات أخرى تمثلهم على نحو أفضل من المنظمات الدينية سواء كان ذلك منظمة العفو الدولية أو أحد الأحزاب الألمانية أو منظمة نسائية أو اتحاد ما من اتحادات المهاجرين.
حتى المسلمين الملتزمين بأداء التعاليم الدينية أنفسهم لا يشكلون من عدة جوانب جبهة موحدة الأمر الذي لا يوفر الأسس اللازمة لتشكيل اتحاد يمثلهم حيث تقتصر القواسم المشتركة بينهم على الإيمان بفكرة الأمة الإسلامية بطابعها المجرد العام.
هؤلاء الأفراد ينحدرون من أكثر من 60 دولة مختلفة كما توجد فروق عرقية بينهم وهم يعيشون في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية مختلفة عن بعضهم كما أن هناك تباعدا آخر بينهم فيما يختص بمستويات تعليمهم.
لهذا كان من الضروري تهيئة عوامل تأسيس مثل هذا الاتحاد المشترك على نحو دقيق عسير كإنشاء الجسور القادرة على اجتياز الجدران الثقافية واللغوية بل بصورة خاصة الجدران المتعلقة بتفسير الدين أيضا. من الضروري أن تكتسب عملية الاندماج المنشودة هنا نفس طابع الاندماج الأوروبي القائم على قاعدة "الوحدة في إطار التعددية".
بقلم ريم شبيلهاوس
ترجمة عارف حجاج
حقةق الطبع قنطرة 2006
ريم شبيلهاوس باحثة في جامعة برلين وأحد مؤسسي الأكاديمية الإسلامية.
قنطرة
ضغط متزايد على الأقلية المسلمة
شهدت المناقشات حول الإسلام والمسلمين في ألمانيا خلال العام المنصرم تحولا جذريا، حسب رأي الصحفي المختص بشؤون المهاجرين إبرهارد زايدل، وبات موقف أوساط ألمانية عديدة حيال الإسلام أشبه ما تكون بحالة هستيريا
أوروبا بحاجة إلى مواطنة عادلة مشتركة للجميع
تعكس النظرة الأوروبية الى المهاجرين من الجزائر وتركيا والباكستان والعراق أو دول أخرى على انهم ينتمون الى "طائفة مسلمة" متجانسة رؤية جوهرية واستعمارية جديدة ل "الغير" التي تحمل عواقب سياسية سلبية، حسب رأي حازم صاغية وصالح بشير