حشد المجتمع المدني من أجل حقوق متساوية
خرج ثلاثون ألف شخص من كافة الأعمار يوم 20 آذار/مارس، وهو اليوم الذي يسبق يوم عيد الأم في لبنان، خرجوا إلى شوارع بيروت يهتفون بشعارات تطالب بإنهاء النظام الطائفي في البلاد. ويشكّل ذلك آخر حدث في سلسلة من المظاهرات التي تنظّم كل يوم أحد من أجل لبنان علماني يضمن حقوقاً متساوية لكافة المواطنين. مطالبهم واضحة: المتظاهرون يريدون دولة علمانية وقانون أحوال شخصية يضمن حقوق المرأة، ونهاية للنظام اللبناني الحالي الذي يسمح للطوائف الدينية بتطبيق قوانين مدنية مختلفة حول قضايا تتعلق بالطلاق أو الميراث، وإنشاء نظام للزواج المدني.
استغل المجتمع المدني اللبناني قوة اندفاع الانتفاضات الشعبية في المنطقة لإطلاق حملة لإلغاء النظام الطائفي في المشاركة بالسلطة بين الجماعات اللبنانية الدينية المختلفة. ورغم أن ديباجة الدستور اللبناني تنص على أن "إلغاء الطائفية السياسية" هو هدف وطني أساسي"، نتيجة لحلف عام 1943 الوطني، وهو اتفاقية غير مكتوبة، فقد تأسس نظام التشارك في السلطة على أسس طائفية، يتم فيه تخصيص المقاعد البرلمانية على أساس الدين، ويتم إشغال المناصب العليا بأناس من طوائف معينة. فرئيس الجمهورية مسيحي ماروني دائماً، ورئيس الوزراء مسلم سني دائماً ورئيس مجلس النواب مسلم شيعي دائماً.
البعد الطائفي
وبوجود 18 طائفة دينية معترف بها فإن القوانين المتعلقة بالزواج والطلاق والتبني ورعاية الأطفال والميراث يتم التعامل معها من خلال محاكم دينية مختلفة تديرها كل طائفة. ويطبّق المواطنون الدروس والسنة والشيعة تفسيرات مختلفة للشريعة الإسلامية، كما تطبق الطوائف المسيحية الأرثوذكسية وغير الأرثوذكسية أشكالاً مختلفة من القانون الكنسي وتنزع معظم هذه القوانين لأن تفضّل حقوق الرجل وتؤكد على القيم الذكورية الأبوية. ولا ينتج عن نظام المحكمة المختلفة تطبيقات غير متساوية للقوانين عندما يعود الأمر إلى الرجال والنساء وإنما بين النساء اللبنانيات أنفسهن. فعلى سبيل المثال، تسمح المحاكم السنية والشيعية للرجال بتعدد الزوجات بينما لا تسمح القوانين المسيحية والدرزية بذلك. أما الطلاق فهو ممنوع في المحاكم الكاثوليكية بينما هو مسموح في المحاكم السنية والشيعية والدرزية.
ويواجه هؤلاء الذين يلجأون إلى الزواج المدني خارج لبنان تحدياً آخر، فالعديد من قوانين الأحوال المدنية لا تعترف بالزواج إذا كان أحد أطرافه من طائفة دينية مختلفة، ونظراً لعدم وجود الزواج المدني في لبنان، يضطر العديد من أطراف الزواج المختلط الذين لا يؤمنون بالزواج المدني، أو الأزواج الذين لا يريد أحد طرفيهم تغيير دينه أو دينها، للسفر إلى إحدى الدول المجاورة مثل قبرص أو تركيا. وبموجب المادة 25 من المرسوم رقم 60/1936، يتم الاعتراف بزواج شخصين في لبنان، ولكن تحكمه القوانين المدنية في الدولة التي تم بها هذا الزواج. ويشكل ذلك إزعاجاً للقضاة اللبنانيين الذين يتوجب عليهم أن يكونوا على علم ومعرفة بالقوانين المدنية للدولة التي تم فيها الزواج، حتى يتسنى حل أية قضايا قانونية.
المجتمع المدني
وقد فشلت محاولات عديدة بترسيخ قانون مدني واحد يتعلق بوضع الفرد، حتى على شكل إجراء اختياري، نظراً لنظام سياسي واجتماعي يرتكز على تشارك طائفي للسلطة. إلا أن المجتمع المدني قد قرر أن يتصرف، وقد تم إطلاق حملة واسعة ليافطات كبيرة على جوانب الشوارع في آذار/مارس من قبل شبكة "كفى"، التي تجمع عدداً من الجمعيات والمنظمات النسائية.
وتهدف هذه الحملة إلى التطبيق الكامل للمادة 16 من معاهدة الأمم المتحدة حول إزالة كافة أنواع العنف ضد المرأة، والتي تنص بوضوح على المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بالزواج وحسب رغبة الزوج أو الزوجة. وتنادي "كفى" بأن يخضع كافة أفراد الشعب اللبناني لنفس قانون الأحوال المدنية، الذي يضمن للمرأة نفس الحقوق والالتزامات في الزواج والميراث والطلاق والنفقة وحضانة الأطفال، التي تعطى للرجال بموجب الدستور اللبناني والاتفاقيات الدولية الحساسة بالنوع الاجتماعي. سوف يضع قانون مدني موحّد حول الأحوال الشخصية نهاية للفروقات القائمة بين الرجال والنساء وبين النساء اللبنانيات من مختلف الطوائف ويشكّل الخطوة الأولى في الحفاظ على الأهداف الدستورية بإلغاء الطائفية السياسية.
ريتا شمالي
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2011
ريتا شمالي باحثة اجتماعية سياسية ومؤلفة كتاب "خريف 2005 في لبنان: بين الأساطير والوقائع". وقد فازت بجائزة "سمير قصير لحرية الصحافة" عام 2007 ولها مدونة عنوانها www.ritachemaly.wordpress.com.
قنطرة
حوار خاص مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط:
"لا بد من ثورة شاملة تطيح بالنظام الطائفي في لبنان"
وليد جنبلاط، زعيم درزي وسياسي لبناني مثير للجدل، ولاعب مؤثر في الحياة السياسة القائمة على المحاصصة الطائفية والتحالفات دائمة التبدل. نعومي كونراد حاورته حول إشكالية تشكيل الحكومة وتداعيات عمل المحكمة الدولية على المشهد السياسي اللبناني.
الطائفية في لبنان:
شجرة الأرز المتعددة الطوائف
يحتل الدين مكانة قوية في السياسة وفي الحياة اليومية في لبنان، وهو ما يُعتبر من العوائق الأساسية التي تمنع تكوين قومية راسخة الجذور، والتوصل إلى سلام مستمر بين كافة فئات الشعب. آنه فرانسوا فيبر رصدت في دراسة لها الحياة اليومية للعائلات اللبنانية التي تضم أفراداً مختلفي الطوائف. مارتينا صابرا قرأت الدراسة وتعرفنا بأهم نتائجها.
بعد انسحاب الجيش السوري:
إلغاء الطائفية هو أكبر تحدي يواجهه المجتمع المدني في لبنان
المواضيع السياسية الحساسة والصعبة لم تناقش بشكل علني، رغم أن النداء من أجل الاستقلال يرتفع من كل الجهات. بعد اغتيال رئيس الوزارء السابق رفيق الحريري تظاهر الآلاف في شوارع بيروت مطالبين بانسحاب السوريين واستقالة حكومة كرامة. هل يمكننا اعتبار هذه الحركة الجماهيرية بداية انطلاق مجتمع مدني حقيقي في لبنان؟ حوار مع عمر طرابلسي مدير منظمة "مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي" في بيروت