"لا غنى عن المسلمين في محاربة الإرهاب"

يوضح آفي بريمور، السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا والمدير الحالي لمركز الدراسات الأوروبية في جامعة هرتسيليا الخاصة في إسرائيل، في حوار مع إيرين جوفيرسين كيف يمكن محاربة التطرف الإسلاموي من خلال النظر إلى جذور المشكلة وأساسياتها.

آفي بريمور، السفير الإسرائيلي السابق في ألمانيا والمدير الحالي لمركز الدراسات الأوروبية في جامعة هرتسيليا الخاصة في إسرائيل، الصورة: د.ب.ا
"عندما نتحدَّث عن الإسلام السياسي والحركات الأصولية أو الإرهاب، فإنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنَّ ذلك يرتبط بالدين الإسلامي"

​​ السيِّد بريمور، أنت تدعو في كتابك الذي يحمل عنوان "مع الإسلام ضدّ الإرهاب" إلى محاربة الإرهاب بالتعاون مع المسلمين. فكيف يفترض أن يتم ذلك على أرض الواقع؟

آفي بريمور: أولاً يجب علينا أن نفهم أنَّنا عندما نتحدَّث عن الإسلام السياسي والحركات الأصولية أو الإرهاب، فإنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنَّ ذلك يرتبط بالدين الإسلامي أو بالشعوب الإسلامية أو بالمُثُل الإسلامية. وهذا هو أول شيء يجب علينا أن نفهمه، ولكن في يومنا هذا لا يفهم ذلك كلّ إنسان. وثانيًا يجب على المرء أن يفهم من أين يأتي ذلك. ولماذا يوجد هذا الإرهاب؟

وبطبيعة الحال هناك إرهابيون يعتبرون في الحقيقة أصوليين ومتعصِّبين، ولا يستطيع المرء إقناعهم على الإطلاق. ولكن هناك أيضًا أشخاص ينضمّون إلى الإرهاب، وذلك لأنَّهم محبطون ويائسون، لأنَّه لا توجد لديهم أي آفاق، ما قد يدفعهم إلى تبني أفكار تلقي بهم في أحضان الإرهاب وأهواله. ويجب على المرء أن يرى كيف يمكن حلّ مشكلة الشعوب الإسلامية، وذلك لأنَّ الشعوب هي في آخر المطاف من تشكِّل الأرض الخصبة للإرهابيين، حتى وإن كانت لا تدعم الإرهاب ولا تريد أي إرهاب. ولأنَّهم يعانون من مشكلات مختلفة، فهم يشكِّلون تربة خصبة لمنابع الإرهاب.

هل توجد تحالفات لرجال دين مسلمين أو غيرهم من ممثِّلي المسلمين الذين يمكن للمرء التعاون معهم في محاربة الإرهاب؟

اطفال معوزون، الصولرة: د.ب.ا
صعوبة الأوضاع المعيشية للسكان في البلدان الإسلامية تشكل تربة خصبة لنمو التطرف

​​ بريمور: أعتقد أنَّ المرء لا يستطيع محاربة الإرهاب فقط مع بعض رجال الدين المسلمين، بل مع أغلبهم وكذلك أيضًا مع معظم المسلمين من السياسيين والكتَّاب والمفكِّرين والأشخاص الذين لديهم تأثير على الشعوب الإسلامية. وكذلك من المهم أن نفهم أنَّ الشعوب الإسلامية تعاني منذ وقت طويل من مشكلات مختلفة، وتحديدًا من الشعور بالإهانة التي لم تبدأ في يومنا هذا. وهذا الشعور نشأ منذ القرن السادس عشر، وخصوصا منذ القرنين التاسع عشر والعشرين، أي منذ قرني الاستعمار.

وعلاوة على ذلك فإنَّ القسم الأكبر من هذه الشعوب يعاني من ظروف معيشية صعبة ويعيشون في حالة عوز وبؤس. وعندما لا يكون لدى الناس أي أفق، فعندئذ، سوف يشكِّلون من دون شكّ أرضًا خصبة للإرهابيين. ومن الممكن للمرء أن يحلّ هذه المشكلات من خلال الاهتمام بالشعوب الإسلامية، وليس فقط الاهتمام على وجه التحديد بالإرهابيين، مثلما يفعل المرء ذلك في يومنا هذا. ولذلك يجب على المرء إذن أن يحاول حلّ مشكلات الشعوب، أو على الأقل - وهذا هو الأهم - أن يمنحهم الأمل. وعندما يكون لدى الناس أمل، وحتى إذا لم تتغير ظروفهم المعيشية، عندما يعلمون أنَّ هناك تحسّنا سيأتي في وقت ما وأنَّ لديهم أفقا، فعندها سيكون هناك وضع مختلف تمام الاختلاف.

يتم انتقادك في الحقيقة من قبل بعض الخبراء بأنَّك ساذج. أَلا تعتقد أنَّك تبسِّط الوضع شيئًا ما؟

هجمات إرهابية في تل أبيب، الصورة: ا.ب
"إسرائيل الدولة التي استخدمت الطرق الأكثر فعالية في محاربتها الإرهابيين. ولكن لا يمكننا أبدًا الانتصار في هذه الحرب"

​​ بريمور: أرغب في فهم ما الذي يقصده نقَّادي في الواقع. وكيف يريدون في الواقع حلّ هذه المشكلة؟ فهل يقصدون أنَّهم إذا هزموا الإرهابيين، فقد تمكَّنوا من حلّ المشكلة؟ وإذا كان هذا هو حلّهم، فنحن اكتسبنا ما يكفي من الخبرات في محاربة الإرهابيين.

وإذا لم نتمكَّن من حلّ مشكلات الشعوب، فعندئذ سوف يظهر إرهابيون جدد. وأنا أنظر إلى الوضع لدينا في الشرق الأوسط؛ حيث تعتبر إسرائيل الدولة التي استخدمت الطرق الأكثر فعالية في محاربتها الإرهابيين. ولكن لا يمكننا أبدًا الانتصار في هذه الحرب. ونحن نضع دائمًا نهاية لنشاط الإرهابيين، ونعتقل إرهابيين، وننتصر على الإرهابيين، بيد أنَّ هناك إرهابيين جدد يظهرون باستمرار. ولماذا؟ لأنَّنا لا نحلّ مشكلة الشعب. وبذلك نحن لم نكسب أي شيء قطّ.

فالمسألة ليست مسألة سذاجة، بل إنَّها مسألة فعالية. وما هي الطريقة الفعَّالة من أجل وضع نهاية للإرهاب؟ أرى أن الحل يكمن في تسوية أوضاع المواطنين وحل قضاياهم. وفقط عندئذ سوف يتم عزل الإرهابيين وبالتالي يمكن للمرء محاربتهم بطرق فعَّالة.

لقد أشرت في كتابك أيضًا إلى التطور التاريخي للفكر الأصولي. ووصفت نشوء الحركة الوهابية وبعض التيَّارات المنحرفة في الإسلام. فما هو الأساس العقائدي للجماعات الإرهابية المعاصرة؟

بريمور: هو في الواقع أساس نظري، مثلما هي الحال في كلِّ ديانة أخرى غير الديانة اليهودية. وهذا يعني لأنَّ الناس يعتقدون أنَّ لديهم الحقيقة المطلقة وأنَّ دينهم هو فقط الدين الصحيح، فإنَّ لديهم هدفا وكذلك يجب عليهم إقناع الآخرين أو إجبارهم على اعتناق الدين الصحيح. وهذا الأمر بهذه البساطة؛ وإذا لم يتم ذلك عن قناعة، فعندئذ يجب أن يتم بالعنف. وعندما يستمر المرء في فعل ذلك، يصل به المطاف إلى تنظيم القاعدة.

كيف ترى التطوّرات في صراع الشرق الأوسط؟ هل ينبغي لإسرائيل التحدَّث مع حركة حماس؟ وقبل بضعة أشهر اتخذت حركة حماس إجراءات شديدة ضدّ جماعة تابعة لتنظيم القاعدة في قطاع غزة، أسفرت عن مقتل أربعة وعشرين شخصًا، من بينهم زعيم هذه الجماعة الإرهابية. فهل يمكن لعملية سياسية تشارك فيها أيضًا حركة حماس تغيير هذه الحركة؟

مقاتلون من حركة حماس، الصورة: د.ب.ا
يدعو بريمور إلى التوصل بطريقة ما إلى تسوية مع حركة حماس

​​ بريمور: إنَّ ما حدث بين حركة حماس وتنظيم القاعدة يعتبر أمرًا مثيرًا جدًا للاهتمام. ولماذا؟ لأنَّ حركة حماس تعتبر بكلِّ تأكيد - تمامًا مثل تنظيم القاعدة - حركة ذات توجهات متطرِّفة وأصولية ومتعصِّبة. ولكن الفرق بين حركة حماس وتنظيم القاعدة يكمن في أنَّ حماس تعدّ في آخر المطاف وعلى الرغم من كلِّ شيء حركة فلسطينية وطنية. وهذا يعني أنَّ هدفها الرئيسي فلسطين والشعب الفلسطيني وليس حلّ مشكلات العالم حسب مفهوم تنظيم القاعدة.

ولأنَّ حركة حماس تشكِّل في يومنا هذا حكومة يجب عليها رعاية شعب لديه أرض، فإنَّ لديها مصالح مثل جميع الدول والحكومات. وإذا أخذنا هذه المصالح بعين الاعتبار، فعندئد ربَّما سيكون من الممكن إيجاد قاسم مشترك. وقد سبق لنا تحقيق ذلك مع حركة حماس في الماضي في عدة مرات، ولكن لقد كانت تلك أمور محدَّدة. فعلى سبيل المثال لقد تم إجراء مفاوضات خلف الكواليس وبالخفاء على الانسحاب من قطاع غزة مع حركة حماس، وذلك تجاوبًا لمطالب حركة حماس ومن أجل إرضاء كلا الطرفين.

وأنا لا أعتقد - لكي أجيب عن سؤالك بشكل محدَّد - أنَّنا الآن في وضع أو أنَّنا مهتمون في التفاوض مع حركة حماس. وأعتقد أنَّ الخطوة الأولى التي يجب القيام بها لكي تشارك حماس حقًا في العملية السياسية، هي تقريب الطرفين المعارضين من بعضهما بعضًا، أي الحكومة الفلسطينية في رام الله وحركة فتح من ناحية وحركة حماس في قطاع غزة من ناحية أخرى، وذلك لكي يجدا قاسمًا مشتركًا، أي إيجاد إطار مشترك يمكِّن من إجراء المفاوضات مع إسرائيل.

وهذه الأمور يجب أن تتطوّر بصورة تدريجية. ولكن في وقت ما يجب أن يحين الأوان، وذلك لأنَّه ليس لدينا مع حماس إلاَّ احتمالان؛ فإمَّا أن نقضي على حركة حماس، أو أنَّه يجب علينا أن نجد أي تسوية مع هذه الحركة ولكنَّنا لا نستطيع القضاء عليها. وليس أنَّنا لم نحاول ذلك. ونتيجة لذلك لا يبقى لنا سوى احتمال واحد، وهو أن نتوصّل على نحو ما إلى تسوية، وذلك حتى يتمكَّن الطرفان من المحافظة على مصالحهما.

لنعود إلى الوضع في البلدان العربية؛ هل يمكن أن تشكِّل تركيا التي تقودها حكومة حزب العدالة والتنمية الإسلامية المحافظة مثالاً نموذجيًا للعالم العربي، وذلك من خلال قيامها من ناحية بإصلاحات ديمقراطية ومن ناحية أخرى من خلال محاولتها الحفاظ على هويتها الإسلامية؟

​​ بريمور: حسنًا، إذا نظرت إلى تاريخ تركيا الحديث، فستلاحظ أنَّه ليس من السهل جعل تركيا مثالاً يحتذى به. ففي البدء كان صانع الحداثة في تركيا يريد فصل الدين فصلاً تامًا عن الدولة، إن لم يكن يريد القضاء تمامًا على الدين. ومثلما نلاحظ في يومنا هذا فإنَّه لم ينجح تمامًا في تحقيق ذلك. والدين يعود من جديد، كما أنَّ لدينا الآن حكومة تعلن أنَّها إسلامية. ولا أعرف بالضبط إلى أين تسير هذه الحكومة الحالية بالدين.

وأعتقد أنَّ العرب لا يحتاجون إلى مثال يحتذون به؛ بل يجب عليهم ببساطة تطوير أنفسهم بأنفسهم. ويجب عليهم الاستثمار في تنمية بلادهم، والاستثمار قبل كلِّ شيء في مجال التربية والتعليم. وعندما أقول التربية والتعليم فأنا أقصد التربية والتعليم الحديثين وليس التربية والتعليم في المدارس الدينية، مثلما هي الحال في بلدان مثل باكستان.

يتوقَّع البعض حدوث سيناريو مرعب في حال فشل اندماج المسلمين في أوروبا. فكيف تقيِّم الوضع في أوروبا مع مواطنيها المسلمين؟

بريمور: لتنظر على سبيل المثال إلى الألمان الذين توهَّموا وخدعوا أنفسهم، عندما كانوا يبحثون في فترة الستينيات والسبعينيات عن عمَّال أجانب لم يكونوا يستطيعون الاستغناء عنهم من أجل الاقتصاد، وكانوا يعتقدون أنَّ هذا الوضع سيكون مؤقتًا. ولكنه على عكس ذلك.

ولهذا السبب يجب الاهتمام في جعل التعايش يسير بصورة سليمة. ويجب على المرء أن يحاول الاهتمام في التقليل من التوتّرات بقدر الإمكان، ويجب على المرء كذلك قبل كلِّ شيء أن يمنح الناس فرصة من أجل الاندماج، وذلك حتى يتحوَّلوا إلى جزء من المجتمع. وهذا هو الحلّ ليس فقط من أجل المهاجرين، بل كذلك أيضًا من أجل مواطني أوروبا التقليديين. وليس هناك احتمال آخر. ولا يستطيع المرء سوى الحلم. وبإمكاننا أن نغضب ونحلم ونقول إنَّ الشخص الذي يبحث عن حلّ يعتبر شخصًا ساذجًا، ولكن مع ذلك ليس لدينا أي حلّ آخر.

أجرى الحوار: إيرين جوفيرسين
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

آفي بريمور في نظرة للسلام مع سوريا:
مفتاح السلام بيد دمشق
في ضوء التأكيدات الرسمية لمسئولين سوريين وإسرائيليين وأتراك أن دمشق وتل أبيب تجريان مفاوضات في أنقرة برعاية تركية يرى السفير الإسرائيلي السابق لدى ألمانيا آفي بريمور أن التوصل إلى اتفاقية سلام شاملة بين البلدين يعد الطريق الأمثل للحد من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة وإبعاد دمشق عن أحضان طهران.

سياسة الاستيطان الإسرائيلية:
"المشاريع الاستيطانية خدمة مجانية لمصالح المتطرفين"
أثار إعلان إسرائيل الأخير عزمها المضي قدمًا في بناء المستوطنات في الضفة الغربية انتقادات دولية. وتشكّل هذه السياسة التي تنتهجها إسرائيل سببًا مهمًا لتجميد مفاوضات السلام المتعثِّرة في الوقت الراهن - حسب رأي الخبير في شؤون الشرق الأوسط والصحفي فولك هارد فيندفور في حوار مع خولة صالح.

حوار مع أستاذ التربية الإسلامية بولنت أوجار:
"تخوف مسلمي ألمانيا من فرض إسلام رسمي"
يرى بولنت أوجار، أستاذ التربية الإسلامية في جامعة أوسنابروك، أنه ينبغي لدولة القانون الألمانية تجنب التدخل في عملية تطور "إسلام ألماني" وفرض رؤيتها عليه، بيد أنه يطالب في الوقت نفسه الجمعيات والمنظمات الإسلامية بأن تعيد النظر في بنيتها وهيكلتها الأساسية. إلباي جوفرجن حاور البروفيسور أوجار.