كرة القدم والصراع العربي – الإسرائيلي
الكثير من العلماء توقفوا عند الرياضة باعتبارها المكان الذي يمكن للاوعي الاجتماعي والسياسي أن يتجلى بوضوح، ومن هنا فإن موشيه تزيمرمان، مدير "معهد ريتشارد كوبنير للتاريخ الألماني" في الجامعة العبرية في القدس توقف عند الصراع العربي- الإسرائيلي وتجلياته في الرياضة.
لا يعتبر محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية الحالي، في نظر أغلبية الاسرائليين اليوم هو الشخص العربي الأهم، وانما عباس صوان. وعلى العكس من محمود عباس، فإن عباس صوان عربي يحمل الجنسية الإسرائيلية، أي مواطن إسرائيلي عربي الأصل.
عباس صوان لاعب كرة قدم، يلعب مع الفريق المحلي للمدينة العربية الصغيرة سخنين ومع المنتخب الوطني الاسرائيلي. قبل عدة أسابيع دخل الملعب عندما تم استبدال أحد اللاعبين به قبيل نهاية المباراة بين اسرائيل – ايرلندا في الجولة التأهيلية لبطولة كأس العالم واستطاع في الدقيقة التسعين من تصويب هدف وتحقيق التعادل 1:1.
لقد حقق عباس نقطة لمصلحة الفريق الإسرائيلي وفتح أمامه فرصة التقدم ضمن بطولة كأس العالم لعام 2006 وأنقذ بذلك سمعة إسرائيل – كل هذه الأشياء أنقذها عباس صوان في اللحظة الأخيرة.
أن ينقذ عربي سمعة وشرف الدولة اليهودية في ملعب كرة القدم – إن هذا أكثر من قطرة فرموت بالنسبة للعنصريين الاسرائيليين على مدرج ملعب كرة القدم أو أمام شاشة التلفزيون.
عندما احتفى عباس صوان قبل بضعة أشهر في مباراة ودية للفريق الوطني الاسرائيلي الحادي عشر ضد كرواتيا على أبواب القدس – أو بعبارة أدق في قلب عنصرية كرة القدم الاسرائيلية – وجهت له الشتائم والإهانات عندما كان يلبس الألوان الاسرائيلية.
ولكن هذا الجمهور ذاته عبر في السنة الماضية بكل وضوح بأنه يرفض أيضا أي لاعب مسلم حتى وان لم يكن عربيا كلاعب يلبس قمصان نادي كرة القدم المقدسي.
وليد بدير اللاعب العربي الإسرائيلي
وبعد مضي أقل من ثلاثة أيام على إحراج عباس صوان للعنصريين الاسرائليين على مواقفهم، تكرر حدث آخر: في المباراة اللاحقة للجولة التأهيلية لبطولة كأس العالم، وفي هذه المرة ضد فرنسا، تقدم الفرنسيون على الاسرائليين 1:0، حتى تم التعادل – بفضل هدف صوبه وليد بدير.
ووليد بدير أكثر شهرة من عباس صوان، وهو أيضا عربي يحمل الجنسية الاسرائيلية حيث سجل هدفا، وبالمناسبة ليس للمرة الأولى فقط، لمصلحة اسرائيل.
وليس هناك من شيئ يوضح تناقضات المجتمع الاسرائيلي أكثر من هذين الهدفين في لعبة كرة القدم. على أثر ذلك قام عضو عربي في الكنيست الاسرائيلي بتقديم اقتراح مفاده، استبدال الشعار المشهور لليمين الاسرائيلي، "لا للعرب - لا للارهاب" (والذي يعني به هؤلاء : "اطردوا كل العرب من أجل منع الارهاب")، بشعار "لا للعرب – لا أهداف في كرة القدم" لأسرائيل.
التحدي الأكبر للديموقراطية الإسرائيلية
يكاد المرء يميل لرؤية إسرائيل فقط في سياق الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وذلك مقصورا على الضفة الغربية وقطاع غزة من أجل الفهم والنقد. ان هذا المنطق يؤدي بالتالي الى تناسي مشكلة العرب الاسرائليين، أي الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية.
ومن الجدير بالإشارة أن العلاقة بين هؤلاء الفلسطينيين الذين يعدون 20 بالمئة من مجمل سكان اسرائيل تشكل التحدي الأكبر للديمقراطية الاسرائيلية. ان ما يدور هنا هو – سواء كان الأمر يتعلق بالحياة اليومية أو في ظروف الأزمات، كما كان هو الحال عليه في بداية انتفاضة الأقصى في تشرين أول/أكتوبر من عام 2000 -، يشير الى اتجاه المجتمع والديمقراطية في اسرائيل.
مهزلة تاريخية
ويبدو الأمر كأنه مهزلة تاريخية، حيث كان الهدف الثاني الذي سجل في مباراة كرة القدم مع فرنسا بالتحديد، هذه الأمة التي تحول لديها ملعب كرة القدم الى خشبة مسرح يتم التعامل من خلالها مع مسألة العنصرية والدمج الاجتماعي تجاه الأقليات المسلمة والسود.
لم يعرف الجمهور الاسرائيلي تماما، إن كان عليه أن يتعامل مع كل من صوان وبدير بنفس الطريقة التي يتعامل بها الفرنسيون مع زيدان أو هنري.
أما المهزلة التاريخية الأخرى تماما فقد كانت أن صادفت هذه المباراة في يوم 30 آذار/مارس، الذي يتم احياء ذكراه سنويا من قبل عرب اسرائيل اي "يوم الارض".
ويذكر هذا اليوم بمظاهرة قام بها عرب اسرائيل ضد سياسة مصادرة واحتلال الاراضي العربية من قبل اسرائيل قبل 30 عاما، والتي قضت عليها اسرائيل بالعنف. ومرت المظاهرة هذه المرة بشكل سلمي وبدون هدر دماء، حيث أصبح الاحتجاج مع مرور السنين "حضاريا".
20 بالمئة حتى في الرياضة
هنا يمكن للمرء القول، ليس الموقف سليم وحسب – الاحتجاج العربي كان سلميا وفرحة الغالبية الاسرائيلية من محبي كرة القدم يمكن أن تترك مجالا للاعتقاد بامكانية وجود قدر من التسامح لدى السكان اليهود، بل أيضا التناسب – لاعبان عربيان ضمن الفريق الوطني، يعادلان حوالي 20 بالمئة تقريبا من مجموع اللاعبين ضمن فريق المنتخب الوطني، من ضمن مجموعة سكانية تعادل حوالي 20 بالمئة من مجموع السكان.
ولكن وبالرغم من ذلك فإن الظاهر يخدع. البركان يغلي تحت السطح. إن المواطنين العرب في اسرائيل لا يبحثون عن معاملتهم بتسامح، بقدر ما يطالبون بمعاملتهم كمواطنين طبيعيين. ولكن استعداد الغالبية اليهودية في هذا الموضوع بالذات محدودة.
إن الحديث حول الدولة اليهودية يؤدي غالب الأحيان الى النتيجة القائلة، بعدم إمكانية معاملة العرب بالمساوة في دولة يهودية. وتبدأ المشكلة في شعارات الدولة: ينتظر المرء من اللاعب العربي ضمن الفريق الوطني الاسرائيلي أن ينشد النشيد الوطني الاسرائيلي بفخر، ولكن كيف ينبغي له القيام بذلك عن قناعة؟
ألا يقول المقطع الأول من النشيد الوطني الاسرائيلي: "ما دامت الروح اليهودية تدوي في أعماق القلب." ولكن النقاش حول هذا النص من المحظورات.
وبالرغم من أن العلم ذو اللونين الازرق والابيض بنجمة داوود يخفق في سماء كل قرية عربية في اسرائيل، إلا ان هذا لا يمثل أي رمز لهوية العربي. ولا تسمح غالبية المجتمع الاسرائيلي حتى هذه اللحظة لنفسها بالتفكير الابداعي من أجل ايجاد حل لهذه المشكلة القائمة.
ورود ثم شتائم
تبين فيما بعد أن العنصريين المؤمنين بعنصريتهم من ضمن عشاق كرة القدم قد أفاقوا بسرعة من مفاجأتهم الأولى.
فأثناء مباراة كرة القدم بين فريق نادي بيت آر المقدسي وفريق سخنين، فقط بعد أسبوع واحد من مباراة الـ 1:1 ضد ايرلندا، قدموا في البداية وردا لعباس صوان، ولكن بعد ذلك لم يكتفوا بالشتائم وحسب، بل رفعوا يافطة كبيرة سوداء على أطرافها ألوان العلم الاسرائيلي الأزرق والابيض تدلت على قسم كبير من الملعب كتب عليها "صوان، أنت لا تمثلنا!".
ولا يدور الأمر هنا حول موقف لما يسمى "أقلية ليست ذات أهمية"، وأنما حول موقف تمثله قطاعات واسعة في المجتمع.
ونجد هذا الموقف أيضا ضمن المستويات العليا في المجتمع: إن النقاش الدائر حول "الطابع اليهودي" للدولة اليهودية يدور أيضا حول الأرقام. التحذيرات (!) التي يطلقها الخبراء الديمغرافيين، والتي مفادها أنه خلال العشرين عاما المقبلة سوف ترتفع نسبة السكان العرب من 20 الى 25 بالمئة ان لم نقل 30 بالمئة من مجمل التعداد السكاني الاسرائيلي، وهو ما يقلق وسائل الاعلام والرأي العام معا.
ولا غرابة بأن قام "مجلس الأمن القومي" الاسرائيلي منذ فترة وجيزة ببحث مسألة قانون الجنسية وما يتعلق بها من تعليمات، بهدف وضع مزيدا من القيود على مسألة تجنيس الفلسطينيين والفلسطينيات العرب الذين يتزوجون بفلسطينيات او يتزوجن بفلسطينيين اسرائيليين.
حيرة مبارايات كأس العالم القادمة
هناك بالطبع علاقة لهذا الموضوع بألمانيا: يؤكد ضمن الرأي العام الاسرائيلي – كما هو الحال أيضا داخليا ضمن إطار الفريق الوطني -: لا يدور الأمر هنا حول موضوع المباريات التأهيلية لبطولة كأس العالم في كرة القدم.
إن الأمر يدور حول إمكانية المشاركة في عام 2006 في ألمانيا. يجب أن تصبح ملاعب كرة القدم في ألمانيا أماكن لانطلاق نوع آخر من الحسابات مع الماضي المظلم. لذا يجب على الفريق ان يبذل قصارى جهده، من أجل التوصل الى المشاركة بالجولة الأخيرة للمباريات. ولكن كيف يتم ذلك، يسأل المرء نفسه هنا، هل يعتبر عباس صوان مناسبا في هذا الإطار؟
بقلم موشيه تسيمرمان
ترجمة مصطفى السليمان
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
صدر المقال في صحيفة سوددويتشه تزايتونغ
يدير موشيه تسيمرمان "معهد ريتشارد كوبنير للتاريخ الألماني" في الجامعة العبرية في القدس.
قنطرة
نادي كرامة - نادي كرة قدم فلسطيني في برلين
خلف محطة الترام السريع بضاحية فيدنغ ببرلين، حيث تُسمع أصوات العربات العابرة، وضجيج الطائرات المقلعة والهابطة في مطار تيغيل في برلين، كان نادي كرة القدم Hertha BSC يلعب هناك. أما الآن فتتدرب هناك بشكل دوري شبيبة نادي الكرامة لكرة القدم. أورزولا تروبر حضرت إحدى المباريات
زيزو - محبوب الجماهير في فرنسا والمغرب العربي
رغم خروج فرنسا المبكر من البطولة الأوربية لكرة القدم، يبقى اللاعب زين الدين زيدان، ابن إحدى العائلات الجزائرية المهاجرة، الرياضي الأكثر شعبية في وطنيه فرنسا والجزائر. قنطرة تعرّف به
لقاءات إيرانية-إسرائيلية محظورة
تمكن لاعب جودو إيراني من زيادة وزنه تجنبا للقاء نظيره الإسرائيلي أثناء الألعاب الأولمبية في أثينا. ولاعب كرة القدم في نادي بايرن ميونيخ وحيد هاشميان، ألغى مشاركته في المباراة ضد فريق مكابي تل أبيب في إسرائيل. من الظاهر أن السياسة تعكر صفو الأجواء الرياضية. تقرير جمشيد فروجي.
www