مناهج تعليمية خالية من الصور النمطية
يمكن لصور العداء النمطية والأفكار المسبقة والكليشيهات أن تنشأ ابتداء من المدرسة، وذلك عن طريق تصوير أحادي الجانب للهويات الثقافية الوطنية داخل الكتب المدرسية. ولقد برزت فكرة إعادة النظر على المستوى العالمي في محتويات الكتب المدرسية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانت عصبة الأمم آنذاك قد اعترفت بضرورة إزالة الصور النمطية للأعداء من الكتب المدرسية.
ثم واصلت منظمة اليونسكو هذا العمل بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أسس المؤرخ الألماني جورج إيكرت من مدينة برونشفايك الذي غدا في ما بعد رئيس اللجنة الألمانية لمنظمة اليونسكو المعهد الذي يحمل إسمه حيث تمت أرشفة 200 ألف كتابا مدرسيا في مواد الجغرافيا والاقتصاد والسياسة والتربية الاجتماعية.وبذلك يكون هو المعهد الوحيد الذي يجري دراسات مقارنة حول الكتب المدرسية على المستوى العالمي.
دعم التربية السلمية عن طريق الكتب المدرسية
في مناطق النزاعات الإثنية والسياسية أيضا مثل جنوب أوروبا وفلسطين-إسرائيل وحتى في العراق أصبحت هناك الحاجة إلى مشورة اخصائيي المعهد.ومنذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول أساسا والحرب الأفغانية التي تلتها غدت مسألة التصورات المتبادلة التي يكونها كل من العالم الإسلامي والغرب عن بعضهما عن طريق الكتب المدرسية تحتل صدارة الاهتمامات. وكما يؤكد ذلك مدير المعهد السيد فولفغانغ هوبكن:
"هنا تم الاقرار بالأهمية التي تكتسيها مسألة الاعتناء بالاسلام داخل النظام التعليمي أيضا، وكان الطلب كبيرا في هذا المجال لدينا هنا".
وقد نُظمت لهذا الغرض العديد من الملتقيات الدولية كما تم تقديم المشورة لمؤلفي وناشري الكتب المدرسية وإعداد التقارير التقييمية ومساندة أعمال البحث وإصدار نتائجها ونشرياتها. وقد تبنى معهد جورج إيكرت منذ الثمانينات مسألة عرض الاسلام وقام بفحص الكتب المدرسية الألمانية وإعداد مقترحات لتطوير نظرة أكثر تمييزا ولإرساء حوار بين مختلف الثقافات على ضوء هذا التمثل.
تاريخ فلسطيني-إسرائيلي مشترك
يمثل إعداد كتاب تاريخ فلسطيني-إسرائيلي مثالا يحتذى في مجال التقارب المتبادل في منطقة الشرق الأوسط. فقد أعدّ العالم النفساني الإسرائيلي دان بار-أون والأستاذ الفلسطيني سامي عدوان نموذجا لكتاب تاريخ لأطفال المدارس يعرض فيه فوق نفس الصفحات التاريخ الفلسطيني في عمود يحتل يمين الصفحة والتاريخ الإسرائيلي في العمود الشمالي.
وفي الوسط هناك عمود شاغر يملأه التلميذ بتصوره الخاص للتاريخ. وفي شهر أغسطس/آب سيعكف اختصاصيون فلسطينيون وإسرائيليون وألمان على النظر في مدى إمكانية اعتماد هذا الكتاب للتعليم في المدارس، كما يؤكد فولفغانغ هوبكن.
وبما أنّ الكتب المدرسية الفلسطينية تحتوى حتى على مواد معادية لإسرائيل فإن الكتب المدرسية الجديدة في المنطقة ستخضع للمراقبة والتقييم من طرف معهد إيكرت أيضا. وستوضع منح دراسية على ذمة مؤلفين فلسطينيين مختصين لتمكنهم من فرصة تطوير كفاءاتهم في هذا المجال.
تأثيرات غير مباشرة ذات جدوى
وليست الكتب المدرسية التقليدية وحدها هي التي ستخضع لهذه المراقبة، بل إن الوسائل التعليمية عبر قنوات الوسائط الإعلامية المتنوعة يتطرق إليها هي أيضا بالدرس أو يتم إعدادها بصفة مشتركة. وقد طور المعهد على سبيل المثال بالاشتراك مع دار نشر Cornelsen-Verlag قرص CD-ROM تعليمي حول موضوع القومية الاجتماعية الفاشية .
إلا أن مثل هذه المبادرات لعمل مشترك مباشر تظل نادرة على العموم كما يؤكد ذلك هوبكن. فالعمل يجري في أغلب الأحيان بصفة غير مباشرة؛ عن طريق الملتقيات أو تحليلات للنتائج يمكن أن تلتجئ إليها المؤسسات التعليمية المعنية بهدف اللاستشارة والتوجيه: "نحن لا نمثل سلطة قرار بالنسبة للكتب المدرسية، وهي سلطة لا تسمح البلدان المسؤولة بأن تسحب منها."
تنقية من الحضور الصدّامي
عندما كانت منظمة اليونسكو تمارس نشاطاتها داخل إطار مشروع عمل في العراق تمت دعوة أخصائي من معهد جورج إيكرت من أجل طلب المشورة، وكان عليه أن يهتم بتدقيق كتب العلوم الطبيعية بصفة أخص، ذلك أن صور صدام حسين أو سيطرة حضور الدعاية البعثية كانت توجد حتى داخل كتب الرياضيات كما يؤكد ذلك العامل في المعهد جورج شتوبر الذي قضى شهرا كاملا في فحص هذه الكتب.
إلا أنه لم يقع إشراك اليونسكو في تحليل محتويات كتب التاريخ والمسائل الاجتماعية. أما إلى أي مدى قد تُوفق إلى حد الآن في تنقية النشاط اليومي للتعليم كليا من الكتب المدرسية القديمة فذلك ما يظل موضوع تخمينات غير واثقة. وعلى أية حال يظل هناك نقص في الامكانيات والمقدرات من أجل إنجاز هذا العمل، كما أن ذلك سيكون بدء من الآن من مشمولات وزارة التعليم الجديدة بالعراق.
هشاشة التمويلات
في البلدن العربية بالذات يتعين أن تتكاثف الجهود الآن أكثر من أي وقت مضى، وذلك بإجراء فحص على سبيل المثال على الكيفية التي يقع بها تمثُّل العالم الغربي داخل الكتب المدرسية في تركيا والجزائر وأندونيسيا.
لكن هناك إشكال وهو أنّ مقاطعة نورد راين واستفالن (Nordrhein-Wesfalen) الألمانية تنوي الانسحاب في سنة 2005 من دورها كممول للمشروع. وهكذا سيتم فقدان الطرف الثاني الأكثر أهمية من بين الممولين، وبذلك تجد مشاريع ثقافية مشتركة أخرى في المشرق نفسها في وضع يهدد بالانهيار. بالرغم من أنه لا تنقص الأفكار في هذا المجال.
بقلم بيترا تابلنغ، قنطرة 2004
ترجمة علي مصباح
صفحة معهد جورج إكيرت هنا