البحث عن الهوية في متاهة البيروقراطية الإيرانية
سيد ترويانوف، صدرت رواية إسفاندياري قبل أربعين عاماً. وكنت أول من يترجمها إلى اللغة الألمانية وينشرها، فكيف استرعت هذه الرواية اهتمامك؟
إيليا ترويانوف: لقد كان ذلك من خلال نسختها الأصلية الصادرة في الولايات المتحدة. ففي أحد الأيام أعطاني الكاتب الصومالي نور الدين فرح، الذي تربطني به علاقة صداقة وثيقة، هذه النسخة. وحينما بدأت بنشر سلسلة "مختارات من الأدب العالمي"، تذكرت هذا الكتاب. وأرى أن هذه الرواية تعد واحدة من أهم الروايات التي تتناول مواضيع الوطن واقتلاع الجذور والعودة والبحث عن هوية خاصة جديدة، التي لا تتناسب فيما بعد مع نموذج الهوية المقدر سلفاً، والتي يجدها المرء في موطنه. وهذا يعتبر من المواضيع الكبيرة والمثيرة للمشاعر، ويهم ملايين البشر في شتى أنحاء العالم في القرن الحادي والعشرين. فلدينا في شتى بقاع العالم عدد متزايد من المهاجرين ومن البشر الذين يعيشون ويتعلمون ويعملون خارج بلدانهم الأصلية. ومن الطبيعي أن يكون هذا أيضاً موضوعاً قريب منى إلى درجة كبيرة في ضوء تجربتي الشخصية.
إلى أي درجة كان إسفاندياري نفسه مهاجراً أيضاً أو إنساناً يقف بين ثقافتين؟
ترويانوف: كان والده دبلوماسياً؛ وأنا نفسي حين كنت صبياً تعرفت إلى أطفال بعض الدبلوماسيين في كينيا، حيث ترعرعت. ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء الأطفال من أمثال إسفاندياري ليسوا معاقبين باقتلاع الجذور فقط، بل وبضرورة أن يكون لهم وطن جديد كل ثلاثة أو أربعة أعوام. ومن الممكن أن يؤثر هذا عليهم بشكل مؤلم أحياناً. ولكن إسفاندياري كان على ما يبدو مواطناً عالمياً حقيقياً. فقد كان يتحدث لغات كثيرة، وقام بأسفار كثيرة واحتفظ بصداقات من مختلف مراحل حياته، ولكنه في الأصل كان ينحدر من إيران.
المسودة الأصلية للرواية ضبطت في مكتب بريد طهران عام 1966 وتمت مصادرتها. لكن على الرغم من ذلك نُشرت الرواية، فكيف تم ذلك؟
ترويانوف: إن هذه ليست المرة الأولى في تاريخ الأدب. ومن الأمور المثيرة للغاية هو تكرر هذا الأمر دوماً، حين تقوم أجهزة المخابرات أو المؤسسات الحكومية الأخرى بمصادرة المخطوطات. ولا يبقى أمام الكاتب سوى إعادة كتابتها إن لم يكن يحتفظ بنسخة منها. أما في حالة إسفاندياري فإن المسودة، التي كُتبت في طهران، أُعيدت طباعتها مرة ثانية، وإخراجها من إيران بمساعدة أمريكيين، حيث نُشرت في الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول الكاتب في مقدمة روايته: "بالنسبة إلى أولئك الذين لا يعرفون إيران، قد تكون هذه الملاحظة ذات عون: إن هذا العمل ليس عملاً ساخراً". تبدو هذه الكلمات مترعة بالمرارة. إلى أي حد يستوعب إسفاندياري معايشاته الشخصية في هذه الرواية؟
ترويانوف: إن المثير في هذه الرواية هو تصوير إيران كبلد لا يخضع لهيكلية سياسية محددة. وتدور أحداث القصة في فترة حكم الشاه، لكنها يمكن أن تحدث اليوم أيضاً. يصف إسفاندياري ظواهر البيروقراطية والنفاق والكذب والفساد، الذي بقي على ما يبدو على حاله تماماً، فالأمر سيان إن كان قبل الثورة الإسلامية أم بعدها. وأجد هذا من الأمور المثيرة للغاية، لأني طالما انشغلت بعملية تناول المشاكل والصراعات بشكل ثقافي. ولدي دائماً شبهة مبررة في أن المشاكل، التي تنشأ على مستو غير ثقافي وتُحمل، يساء تفسيرها بإيضاحات ثقافية خاطئة.
فإيران ما زال ينظر إليها عندنا دوماً من خلال منظار محدد تماماً؛ ومن النادر أن اقرأ إن بعض مشاكل إيران تتعلق بنخبة حاكمة قديمة، وبموقف إمبريالي على ما يبدو لهذه النخبة، التي لها ثقة بالنفس وتستند إلى تاريخ يعود لآلاف السنين؛ وبفساد لا يمكن تصوره، له هو الآخر جذور في تاريخ البلد. وهذا يعني وجود هياكل هوية لها جذور عميقة، يجب مناقشتها على مستويات تختلف تماماُ عن النظرة السطحية إلى من يحكم إيران في هذا الوقت.
وهذا هو المثير في الرواية: فإسفاندياري يحكي حدثاً، يتضح فيه أن الفرد ليس له فرصة أمام هذه الهياكل. وقد يكون من السهل جداً أن ندعوه كافكوياً؛ فهو يتصف بالإنسانية عموماً. إن هذا الحدث هو نبذ الفرد، الذي يمضي في حال سبيله. أما هذه الشخصية فلا تمجد في الرواية أيضاً على الإطلاق، إنه رجل بأخطاء كبيرة ونقاط ضعف كثيرة. فهو بذهب على سبيل المثال لمضاجعة احدى العاهرات. لكن هذا يوصف بشكل لاذع في إطار شكوكه الأخلاقية. وهذا يعني أنه ليس شخصية بطولية على الإطلاق، لكن القارئ بشعر بما يمكن من أحاسيس لأنه يلاحظ أن هذا الفرد ليس له كرامة أو قيمة في هذه البنى.
توفي إسفاندياري عام 2000، وكان على قناعة من أنه من الممكن أن يوجد في القران الحادي والعشرين مجتمع يتم التغلب فيه على الفوارق السياسية والعرقية والقومية. فلماذا أذن كتب رواية مترعة بالتشاؤم؟
ترويانوف: إن الرواية، التي تستند على معايشات شخصية، تصور الأوضاع في منتصف القرن العشرين. كما تعتبر الرواية في الحقيقة مثالاً لروايات ذلك القرن، التي وظفت فيها الفوارق الثقافية والدينية بشكل سياسي، والتي تؤدي في النهاية إلى قدر كبير من البؤس. أعتقد أن فرداً يحدوه الأمل في أننا يجب الاّ نتقاتل بسبب اختلافاتنا وفي أن من الطبيعي أن يكون لإنسان مثل هذا غاية كبيرة، اعتقد أن مثل هذا الفرد يجب أن يأخذ العبر من الماضي ومن التاريخ- وكل هذا كحدث محذر يروى لقراء المستقبل.
أجرت المقابلة: نيميت شيكر
ترجمة: عماد م. غانم
حقوق الطبع: قنطرة 2009
صدرت الترجمة الألمانية لرواية "الهوية الأخيرة" للكاتب الإيراني أف. أم. إسفاندياري عن دار إديتسيون بوشرغيلدا للنشر عام 2009 بترجمة إيليا ترويانوف ضمن سلسلة "مختارات من الأدب العالمي".
إيليا ترويانوف: ولد في العاصمة البلغارية صوفيا عام 1965، وترعرع في كينيا بعد هروب العائلة عبر يوغسلافيا السابقة وإيطاليا وألمانيا. وبعد دراسته في ألمانيا أسس دار مارينو للنشر. ونال جائزة معرض لايبزيج للكتاب عن روايته "جامع العوالم" عام 2006. وفي عام 2007صدر له: "رفض للصراع: الثقافات لا تتصارع، بل تنسجم". كما أنه يقوم بنشر سلسلة: "مختارات من الأدب العالمي- قراءات إلى المجهول".
أف. أم إسفاندياري: ولد في بروكسل عام 1930 ابنا لأحد الدبلوماسيين الإيرانيين، وكانت نشأته موزعة في بلدان عدة من بينها انجلترا وإيران وأفغانستان والهند. غير فيما بعد أسمه إلى أف. أم. 2030. أشترك في بطولة الألعاب الاولمبية في عام 1948 في إطار الفريق الإيراني في مسابقات المبارزة. كان عضواً في لجنة الأمم المتحدة للوساطة لحل قضية فلسطين، وكاتباً وفيلسوفاً وعمل أستاذاً جامعياً. توفي في نيويورك عام 2000.
قنطرة
حوار مع الأديب الإيراني سعيد:
ألحان المزامير تنتصر على عصا النظام
نشر الكاتب الإيراني سعيد ديوانا شعريا جديدا باللغة الألمانية. وفي هذا الحوار مع كلوديا مينده يتحدث عن "مزاميره" وعن مدينة طهران أثناء طفولته وعن مشكلات الفنانين والأدباء الراهنة في إيران اليوم.
ايران تعيش ردة ثقافية في ظل الرئيس أحمدي نجاد
عصا الرقابة فوق رؤوس الجميع
تعيش ايران منذ وصول الرئيس الايراني الجديد محمود أحمدي نجاد ردة ثقافية جعلت العديد من المثقفين والفنانين يغادرون ايران، هربا من عصا الرقابة المرفوعة فوق رؤوسهم. هذه المحرمات التي طالت الموسيقى والأفلام الغربية سوف تترك الكثير من الأثر على الحياة الثقافية في ايران. تقرير من أريانا فاريبورز
السينما في إيران بعد 30 عاما على الثورة:
بين التعبوية والرومانسية والواقعية
السينما الإيرانية التي كانت في السابق مشهورة جدًا وخلاَّقة والتي حصدت قبل بضعة أعوام أهم الجوائز السينمائية الدولية، صارت تحيطها الآن حالة من الهدوء في الغرب وفي جمهورية إيران الإسلامية. أمين فارزانيفار في عرض للسينما الإيرانية ونظرة على الماضي السينمائي الإيراني.