مسرحيات برشت في بغداد

يستعد المسرحي فاروق محمد لتقديم مسرحية لبرشت في بغداد. قنطرة تحدثت معه أثناء زيارته لمسرح مولهايم حول مستقبل المسرح العراقي

مسرحيات برشت في بغداد

لبى مسرحيون عراقيون دعوة من مسرح الرور Theater an der Ruhrفي إطار "برنامج طريق الحرير" أللذي أطلقه روبرتو تشيولي Roberto Ciulli عام 1997. تحدثنا مع المسرحي فاروق محمد عن نتائج اللقاء

قنطرة: اجتمعتم انتم المسرحيون العراقيون في مدينة مولهايم Mülheim لمناقشة مستقبل المسرح العراقي. ما هي نتائج هذا اللقاء؟
فاروق محمد: ليست العبرة في النتائج أو الخُلاصات. كانت الأهمية للقائنا نحن المسرحيون العراقيون القادمون من الداخل والخارج. تبادلنا وجهات النظر. العبرة أن الناس سمعت صوتنا ونحن تعرفنا أيضا على الناس. شاهدنا عروضاً عربية ومن بلدان أخرى. ولقاؤنا مع مسرحيين عرب ومع الجمهور الألماني كان شيئا مهما. صوتنا سُمع وأجبنا على أسئلة كانت لدى الجمهور مفتوحة. الإعلام والفضائيات لم ينقلوا كل ما حصل في بغداد في الأشهر الأخيرة. هذا أهم من أن نأتي لأجل برنامج معد وجاهز.

قنطرة: لاحظنا أن المسرحيين الحاضرين كبار في السن. لماذا غاب المسرحيون الشباب؟
محمد: الدعوة كانت كذلك. هم أرادوا جيل المسرحيين الرواد الأوائل. لدينا جيل شاب طبعاً، لكن القسم الأكبر من الشباب لا يملكون حتى جواز سفر. التضييق على الشباب كان شديدا في زمن صدام حسين.

قنطرة: هل اتفقتم على مشاريع مستقبلية مع مسرحيين ومسارح ألمانية؟
محمد: لم تتخذ قرارات رسمية ملزمة. هناك وعود وآمال وهناك نية لدى وزارة الخارجية الألمانية بإعادة فتح معهد غوته في العراق. عندما يكون المعهد موجود سوف نستطيع تحقيق العمل المشترك بشكل ملموس وليس نظري.

قنطرة: تستعدون لعرض مسرحيات لبرخت Brecht ومولر Heiner Müller لماذا تستلهمون من التراث الألماني الآن؟
محمد: في العراق المسرح الجاد لديه السمة العالمية، بمعنى لم يبق كاتب مسرحي إلا وقدمت له إحدى المسارح عملا من شكسبير إلى أبسن إلى وليم ستلس إلى مولر. كذلك لم يبتعد المسرح العراقي عن المسرح الألماني ابدا. حين كنا صغارا في الستينات كنا نشاهد مسرحيات مولر كذلك قدمنا عدة أعمالا لبرخت. أنا نفسي قمت بإعداد مسرحية "إنسان طيب من ستسوان"'Der gute Mensch von Sezuan' لبرتولد برخت والتي أخرجها عوني كرومي عام 1985 حيث عرضت في بغداد وكان لها صدى كبير جدا.

قنطرة: تقصد أيضا في مرحلة حكم نظام البعث؟
محمد: نعم كانت موجودة. كانت تقام عروض ولكنها لم تكن تحظى بدعم كبير. أحيانا حين يكون الكاتب غير عراقي حينها لا يخضع للتأويلات من قبل السلطة. لذلك اتُخذ الكاتب الأجنبي في كثير من الأحيان كغطاء وذريعة، لكي يقال إن هذا النص لا يطال النظام ولا يقصد الوضع العراقي القائم.

قنطرة: كانت عملية التفاف على السلطة لطرح موقف ناقد لها؟
محمد: أجَل، الفنان العراقي هو فنان ملتزم بموقفه الوطني العراقي. الفنانون الحقيقون لم يخضعوا للسلطة. حين جاءت السلطة بفنانيها، كانوا كالزبد بسرعة انتهوا وولوا. أما من بقي على اصالته وصلابته بقي واستمر، أو اختار العيش في المنفى حفاظا على نفسه وعلى فكره.

قنطرة: ما هي المواضيع التي سيتناولها المسرح العراقي في الفترة القادمة؟
محمد: نحن لا نستطيع أن نعلن عن ما سنقدم. يجب أن يكون هناك استقرار معيشي ووضع جديد فعلاً. حتى الآن نحن فاقدون للأمن وللاستقرار وفاقدون لحرية الحركة والتنقل. حين تكون الحياة مستقرة، منها سينبثق المسرح الجديد مع الحفاظ على تذكير هذه الأجيال بالمعاناة ولكن ليس بشكل دعائي أو هتافي. لن يكون المسرح كما تعودنا في العهد السابق، هذه الهتافات وهذا التمجيد.

قنطرة: اللبنانيون لم يريدوا أن يُذكّروا بالحرب الأهلية بعد انتهائها ولا حتى من على خشبة المسرح...
محمد: هناك أمور تحدث في الحياة خصوصا تلك الأحداث الكبيرة والتي يمكن تصويرها وتوثيقها ليكون وقعها اكبر من وقع مسرحية. إذا أردت أن تذكر الخراب فصورة صغيرة حقيقية عنه تُغني عن مسرحية كبيرة.
يجب أن يكون المسرح هادئ يمس الإنسان، يقدم إنسانية الإنسان مجردة. يتناول مسألة المساواة. عندما تقدم عملاً تتناول فيه الإنسان بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي، تقدمه كإنسان بمعاناة عامة وشاملة، عندها يُشاهَد هذا العمل في أي مكان من العالم ويشعر المشاهِد المُتلقي بإنسانيته وبتقارب إنساني بينه وبين العمل. هذا باعتقادي واجبات المسرح وواجبات الإبداع.

أجرى الحوار يوسف حجازي

فاروق محمد أديب (1945) وكاتب مسرحي من العراق، خريج جامعة بغداد كلية الأدب العربي، حصل على العديد من الجوائز المحلية والعالمية.