استعدادات سوق الكتاب الألماني
يشهد الأدب العربي ازدهارا ملحوظا داخل سوق الكتاب بالبلاد الناطقة باللغة الألمانية؛ لكن لا أحد يرى ذلك. فمنذ حصول الكاتب المصري نجيب محفوظ على جائزة نوبل للآداب يشير عدد الكتب المترجمة عن العربية إلى تطور سنوي بمعدل عشرة إلى عشرين بالمائة. ولئن كان القارئ الألماني لا يتمكن خلال منتصف الثمانينات من العثور سوى على مؤلفات عدد محدود من الكتاب العرب المعاصرين المترجمين فإن السوق اليوم تعرض حوالي 150 عملا من الأعمال الأدبية العربية:
مجموعات شعرية وروايات وأنطولوجيات وكتب تراث. و لا يضم هذا العدد كتّاب المغرب العربي الذين يكتبون باللغة الفرنسية من أمثال الطاهر بن جلون وآسيا جبار وكذلك نسخ ترجمات القرآن والكتب المختصة في مسائل العالم العربي. وسيعرف هذا الاتجاه قمة تطوره خلال الخريف القادم، ذلك أنّ العالم العربي سيكون هذه السنة ضيف الشرف على معرض فرانكفورت؛ الأمر الذي يجد له انعكاسا على برامج إصدارات الناشرين.
بين الفضول والتحفظ
لكن بالرغم من التطور المتزايد لنسق الترجمة فإنه يظل لدينا هنا شيء من التحفظ الوجِل تجاه الأدب العربي، وهو ما يمكن للمرء أن يستشفه من خلال برامج إصدارات دور النشر للخريف: دور كانت دوما مختصة في نشر الآداب الشرقية تدعم أكثر هذا الفرع لديها. بينما دور أخرى من بينها عدد كبير من الناشرين الكبار تتخلى مؤقتا عن ذلك، أو تتجه بالأحرى إلى مجال الكتب المختصة.
تظلّ دار لينوس ببازل السويسرية دون منافس في هذا المجال برصيد 50 رواية ومجموعة قصصية عربية معاصرة من كتب مجلدة وكتب الجيب، ومن بينها الكثير من المؤلفات لكبار الكتاب من العالم العربي.
ومنذ ربيع هذه السنة توجد من ضمن منشورات لينوس رواية "عرس الزين" وهي الرواية الرابعة للكاتب السوداني الطيب صالح (من مواليد سنة 1929) الذي يعد بالنسبة لقراء الألمانية أيضا أحد كبار الكتاب العرب الجديرين بالقراءة دون منازع. ويعد عمله الرئيسي منقطع النظير "موسم الهجرة إلى الشمال" الذي صدر سنة 1966 أحد الكتب القليلة التي تمثل علامة في الأدب العربي.
أما النجاح الذي حققته رواية "السحرة" للكاتب الطوارقي الليبي إبراهيم الكوني فمن المفترض أن يجد له تواصلا خلال الخريف القادم مع قصصه الصحراوية "سيدة الحجر". والكوني قد غدا يمثل بسبع كتب في الأثناء إحدى المحاور الهامة لدار النشر السويسرية ببازل.
وإلى جانب هذا هناك القصص ذات الطابع السريالي المرعب للكاتب السوري زكريا تامر (من مواليد سنة1931)؛ قصص منعشة وجريئة في تجاوزها لأسيجة الممنوعات. في مجموعته القصصية التي تحمل عنوان "إعدام الموت" والتي ستصدر ترجمتها في شهر أغسطس/آب يستدعي الكاتب المقيم حاليا بلندن شخصيات تاريخية هامة ويجعلها تحيا في غير زمنها المناسب، بما يجعلها تمثل واحدة من الكتابات الساخرة القليلة في الأدب العربي الحديث.
المزيد من دور النشر السويسرية
هناك ناشران سويسريان كبيران آخران قد أعدا وعلى نحو غير معهود برنامجا عربيا مكثفا وهما دار أمّان ودار أونيون. بل إنّ لوسيان لايتس مدير دار أونيون يبدو متحمس الطموح لنشر الأعمال الكاملة لصاحب جائزة نوبل نجيب محفوظ في طبعات متتالية.
وفي شهر يوليو/تموز سيصدر الكتاب التاسع عشر لمحفوظ وهو " رحلة ابن فطومة"؛ رواية يضع فيها الكاتب مجمل قدراته على المحك وبصفة واثقة، وعلى غرار بطله المولع بالمغامرة يقذف الكاتب المصري بقارئه داخل مجاهل بلدان نائية وعادات غريبة.
في خضم الواقع الحاضر، وداخل معمعة أحداث النزاع الإسرائيلي الفلسطيني تطل الكاتبة الفلسطينية الأكثر حضورا سحر خليفة (مواليد 1941) بكتابها السادس "الوعد" لدى دار "أونيون" للنشر. وستكون سحر خليفة حاضرة بمعرض فرانكفورت فقد دعاها معهد غوتة لحوار مع يوتة ليمباخ. وأملنا أن تقوم الكاتبة الفلسطينية اللطيفة والحيوية برحلة قراءات على إثر ذلك.
مع العلم أن النوع الأدبي الذي يحظى بأكثر تقدير بالنسبة للعرب يظل هو الشعر وليس الرواية، وذلك منذ العصور السابقة على الإسلام. و من يريد أن يتعرف حقا على الأدب العربي فإنه لا يسعه إلاّ أن يتوقف على الشعر ولا يمر عليه مر الكرام. في هذا المجال تجد دار أمّان للنشر نفسها في موقع قوّتها. فلديها تم نشر أعمال مختارة في طبعة مزدوجة اللغة لكلا الشاعرين العربيين المعاصرين الهامين وهما السوري أدونيس والفلسطيني محمود درويش.
وفي الخريف سيصدر المجلد الثاني للمختارات الشعرية الضخمة لأدونيس، وسيحتوي هذا المجلد من ضمن ما يوجد بين طياته على قصيدته الشهيرة "قبر لنيويورك" التي كتبها سنة 1970 ومن خلالها يتشوف على نحو نبوئي شعري أحداث الحادي من عشر سبتمبر/أيلول. وأدونيس علاوة على ذلك معترف به كمنظر شعري من درجة أولى، وهو سيأتي بالتأكيد لإحياء بعض الأمسيات الشعرية بألمانيا.
في ما عدا ذلك سوف لن يكون بالإمكان العثور على أعمال شعرية إلاّ لدى دور نشر صغيرة مثل دار هانس شيلر للنشر التي نشأت على أعقاب غلق دار"الكتاب العربي" ببرلين بسبب العجز المالي.
ألف ليلة وليلة
ستصدر لدى هانس شيلر قريبا من بين ما سيضم برنامجه أشعارا للشاعر العراقي الأكثر شهرة حاليا سعدي يوسف الذي يقيم منذ مدة طويلة في لندن، والذي لم تصدر أشعاره باللغة الألمانية إلى حدّ الآن إلاّ ضمن أنطولوجيات شعرية.
لدى C.H.Beck Verlag يوجد البرنامج الأكثر كثافة في مجال الآداب الشرقية. وإن المكتبة الشرقية الجديدة التي أنشأتها الدار لفائدة محبي الكتب وبأسعار في متناول الجميع، تمثل حاليا في مجمل البلدان الناطقة بالألمانية السلسلة الوحيدة المختصة في الأعمال الكبرى للمحيط الثقافي الإسلامي. ذلك أن كلّ دور النشر الأخرى قد غدت في الأثناء لا تنشر تقريبا سوى أعمال الكتّاب المعاصرين.
وتعد كل الأعمال التي تنشر ضمن سلسلة المكتبة الشرقية الجديدة من بين الآثار الإبداعية العالمية، وإنّ النجاح الذي لقيته الترجمة الجديدة لكتاب ألف ليلة وليلة التي صدرت خلال الربيع المنصرم لدليل على أنّ هذا الأدب أيضا قابل للترويج عندما تكون الخطة التسويقية موفقة، وعندما يبدي أصحاب المكتبات مشاركتهم النشطة في هذا المضمار. وستكون الطبعة الجديدة لكتاب ألف ليلة وليلة إحدى النقاط المركزية لبرنامج دار C.H.Beck Verlag خلال معرض فرانكفورت القادم.
إلياس خوري ونجم والي
أما الروائي اللبناني إلياس خوري الذي يحظى باعتبار عالمي كبير دون أن يكتب له أن يلقى نجاحا مع ذلك في ألمانيا، فإنه يواصل مسيرته الطويلة مع النشر باللغة الألمانية. وإلياس خوري –مثله مثل سحر خليفة – يتبنى دور المدافع عن الفلسطينيين، وقد تحول من دار "الكتاب العربي" إلى C.H.Beck Verlag، والآن تصدر روايته الأخيرة "باب الشمس" بدار Klett Cotta .
وهذه الرواية عبارة عن ملحمة عن الحرب العربية الإسرائيلية الأولى لسنة 1948 وما انجر عنها بالنسبة لمصائر اللاجئين آنذاك. ويعتبر عمله هذا الذي يقع في 400 صفحة داخل العالم العربي كقمة أعماله كلها.
لدى دار نشر هانزر ظلّ القسم العربي إلى حد الآن متمثلا بصفة رئيسية في الكتابات الشعبية للكاتب السوري رفيق شامي. وفي الخريف القادم يتقدم العراقي نجم والي بروايته " رحلة إلى تل اللحم" وهي تعالج موضوع إخفاقات وحيرة مثقفي جيل ما بعد 1968. ونجم والي يقيم في ألمانيا كمراسل لصحف عربية.
أما دار زوركامب فستصدر الطبعة الجديدة التي طالما انتظرها القراء لرواية "الست ماري روز" لإتيل عدنان، وهي إحدى التصويرات الشهيرة للحرب الأهلية اللبنانية. وإلى جانب ذلك تقدم الدار للكاتبة اللبنانية التي تقيم بين كاليفورنيا وباريس وتكتب بالفرنسية والإنكليزية كتيبا آخر هو عبارة عن مدونات شبيهة باليوميات ذات النظرة الثاقبة العميقة.
كما سيجد نجيب محفوظ نفسه أيضا مكرما بدخوله أخيرا إلى مكتبة زوركامب حيث ستصدر طبعة جديدة لروايته "ثرثرة على النيل" التي نفذت من الأسواق.
أين النقاد؟
كل هذه المنشورات الجديدة للصيف والخريف ستكون مادة كافية لجمهور القراء ونقطة محورية لمعرض فرانكفورت. لكن الإشكال الذي يطرح نفسه بالنسبة للأدب العربي يتمثل هنا في مسألة أخرى وهي أنه ليس هناك تقريبا نقاد مختصون في الأدب المشرقي. ومن بين الصحف الكبرى ليس هناك سوى صحيفتي نيوه تسورشر تسايتونغ و فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ اللتان تنشران بصفة منتظمة قراءات نقدية عن الأدب العربي.
فرز الغث من السمين
هكذا سينجر عن هذا النقص خطر أن يكون هناك خلال الخريف القادم عدد كاف من الكتب في السوق، لكن ليس هناك سوى قلة ممن يمكنهم أن يقدموا هذه الكتب ويفرزوا الغث من السمين من بينها. وإضافة إلى ذلك يفتقر إلى الرؤية الشمولية التي بإمكانها أن تساعد في إعلام المهتمين من قراء وكُتبيّين ونقاد.
خلاصة: إزاء ما سيقدم ضمن محور العالم العربي في معرض فرانكفورت لا بدّ من التحلّي بشيء من الفضول المعرفي والانفتاح وحب التجريب وذلك بالنسبة لكلّ المعنيين من كتبيّين ونقاد ومنظمي الفعاليات الأدبية وناشرين، والقراء بصفة أساسية. وستكون المكافأة هي اكتشاف قارة أدبية جديدة ستظلّ تشدّ إليها مكتشفها وتمنحه علاوة على ذلك كثيرا من المفاجآت.
بقلم شتيفان فايدنر، نشر المقال في صحيفة بورزن بلت
ترجمة علي مصباح
شتيفان فايدنر كاتب ومترجم عن اللغة العربية