سياسة حبل المشنقة
إلى جانب الصور التي بثها التلفاز العراقي كان ثمة كورس أطفال يغني "تلك نهاية الطاغية وبداية عصر جديد للعراق". آخر خطوات صدام حسين رآها العالم كله، الدقائق الأخيرة جنب المشنقة وبعدها فوق سقالة الإعدام ثم اللحظات الأخيرة قبل الإعدام.
لم يبخل التلفاز على العالم إلا بصور لحظة الإعدام. حتى مع الأخذ بنظر الإعتبار إنعدام الشفقة عليه كان ثمة ما يزعج النفس. أكان أمرا صائبا إعدام هذا المستبد المسؤول عن قتل مئات الآلاف؟ وبعيدا عن الأسئلة المعنوية: أكان من الذكاء السياسي إعدامه؟
رفض عالمي لعقوبة الإعدام
موت صدام على المشنقة طوى صفحة حكم ظالم. لن يندب أحد على النظام ولا على الرجل الذي كان مسؤولا عنه. ومع ذلك احتجت حكومات ومنظمات حقوق الإنسان على امتداد العالم، فضلا عن الفاتيكان، على إعدام الدكتاتور العراقي. معظم الناس الذين يعتقدون بامكانية وجود مجتمع عالمي ديمقراطي ودستوري وإنساني يرفضون عقوبة الإعدام لأسباب جيدة.
فإلى جانب الحجج والبراهين المعنوية والقضائية الفلسفية ثمة موقف تاريخي ذي قوة محركة خاصة. إن دكتاتورية صدام التي ظلت قائمة طوال أكثر من عقدين من الزمان لم تنتهِ إلا بدخول القوات الأميركية، حيث جرى تغيير النظام بالقوة. مثل هذه الأحداث التاريخية لا تعتبر ضربا من ضروب التغيير الطبيعي، ولا يمكن التنبؤ بها مسبقا.
إنه لما يزيد المأساة فجاعة - بدءا من حكم الطغيان والى الديمقراطية البغدادية وحتى إعدام صدام - أن تغيير النظام، وهو أمر صنع في أميركا، يينبغي النظر اليه كإخفاق. واضح أن فرصة بناء عراق جديد قد ضاعت، هذا إن كان ثمة وجود أساسا لمثل هذه الفرصة.
إنطلاقا من هذه الأرضية يمكن لنا أن نتساءل عن الذكاء السياسي الكامن وراء عملية الإعدام هذه. من المؤكد أن هذا الإعدام لن يسهم في تحقيق السلام في العراق، بل على العكس إنه يمكن أن يؤدي الى ازدياد العنف وجعل الثأر ذريعة لأعمال عنف جديدة. إن لم يكن الإعدام من الذكاء السياسي فهل يعتبر على الأقل بمعنى آخر من الصواب السياسي؟ أم أن الإعدام كان مجرد نتيجة لحماقة سياسية كبيرة مبكرة؟
خطأ الحرب ضد العراق
كانت الحرب ضد العراق الخطأ الإستراتيجي الأساس. وكان التدخل العسكري الأداة الخطأ في التعامل مع هذا الدكتاتور. الوحيد الذي يقول عكس ذلك الآن هو الرجل الذي يتحمل المسؤولية السياسية لهذه الحرب، أي الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش.
فقد أدت الحرب الى غرق العراق في أعمال العنف، وازدياد عدم الإستقرار في الشرق الأوسط، وفقدان الولايات المتحدة شيئا من هيبتها كقوة عظمى. حقا، ربما كان من العبث أن نتساءل اليوم: هل كان ثمة من حل آخر أمام بوش، وما هو هذا الحل؟
على الرغم من ذلك، ألم يكن من الممكن إنهاء حكم صدام بفرض عقوبات صادرة من الأمم المتحدة؟ ألم يكن من الممكن أن يقوم ضباطه بعملية انقلاب؟ أما كان من الأفضل للمجتمع الدولي أن يكون هناك دكتاتور مقيد بالعقوبات أم عراق بدون صدام؟ هذه أسئلة شيقة، لكنها لملء الفراغ الأكاديمي فحسب دون تبعات سياسية.
ديمقراطية مستوردة
يبقى الدرس الذي نتعلمه من هذه المحنة العراقية: من الممكن خلع ديكتاتور ما بقوة السلاح ولكن ليس من السهل تصدير أفضل النظم السياسية. فقبل البدء ببناء الدولة الدستورية والديمقراطية يجب توفر الحد الأدنى من الشروط الإجتماعية وقبول الناس لبعض الأفكار المهمة.
لا يمكن دمقرطة العالم الإسلامي من الخارج. فالطابع الثقافي الذي تشكل خلال ألف وخمسمائة عام يستقر عميقا أكثر من بعض معايير الأنظمة السياسية. وهذا ينطبق بصورة أقوى حين يتعلق الوضع بدين تدعي لنفسه الحق في تشكيل الحياة اليومية كما يفعل الإسلام.
فضلا عن ذلك فإن العراق الذي تريد حكومة بوش دمقرطته يعتبر دولة بتركيبة مخفقة سياسيا وتاريخيا. فحيثما أقام الإستعمار الأوروبي والإمبريالية دولة بدون محتوى قومي يكون من الصعب تطبيق أنظمة الدول الحديثة مثل الديمقراطية والفيدرالية هناك. لهذا السبب أيضا ظهر الإسلام مرة أخرى على الساحة بعد انهيار دولة صدام وانقسم العراقيون تبعا لانتماءاتهم الدينية أو العرقية أو العشائرية بدل الإنتماء إلى دولة موحدة.
طريق الإصلاح
إصلاح العالم العربي وحكوماته الإستبدادية يتطلب الرفق الشديد في عملية التوافق بين النماذج الثقافية الأصلية والخصائص القومية لتلك الدول من ناحية وأشكال الحكم العصرية من ناحية أخرى. وفي هذا ينبغي على العالم العربي أن يقدم إسهامات جدية لتطوير الأنظمة السياسية التي تتجاوز نموذج الحكومة الدينية عديمة الكفاءة.
أما المجتمعات الغربية فيجب عليها أن تعي بأنها لن تستطيع تصدير كاتالوغ الديمقراطي الخاص بالقيم مائة في المائة، مما يفرض عليها تقبل التكييف في الكاتالوغ والتغاضي عن العيوب، وإلا فإن الدكتاتوريين والمستبدين سيعلقون فعلا على المشانق في آخر المطاف، ولكن مصير الناس لن يكون أفضل.
توماس أفيناريوس
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
توماس أفيناريوس صحفي ألماني لدى صحيفة زوددزيتشه تسايتونغ
قنطرة
يحبّون طغاتهم أكثر ممّا يحبّون أنفسهم!
إذا كانت الأحزاب السّياسيّة التي تصف نفسها بـ"الدّيمقراطيّة" تنعى البطل الشّهيد صدّام حسين، والأحزاب الإسلاميّة التي تدّعي أنّها تريد الدّيمقراطيّة تنعى هذا البطل الذي كان نموذجا لغياب الدّيمقراطيّة ولسيادة قانون الغاب، فأيّ ذهنيّة سياسيّة لهذه النّخب؟ تعليق رجاء بن سلامة
الإعدام وحقوق الإنسان
أدانت منظمات حقوق الإنسان الدولية تنفيذ حكم الإعدام بحق الديكتاتور العراقي صدام حسين، الموقف هذا نابع من الاقتناع بأن حقوق الإنسان مكفولة لكل فرد.