إستراتيجية تصعيد الأزمة

شعار قنطرة

افلح حزب المجتمع الديموقراطي في شهر حزيران/يونيو الماضي للمرّة الأولى في تشكيل جناح برلماني مؤيّد للأكراد في البرلمان التركي. بيد أنَّ هذا الحزب مهدد الآن بالحظر - التفاصيل من أنتيه باور.

افلح حزب المجتمع الديموقراطي في شهر حزيران/يونيو الماضي للمرّة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية في تشكيل جناح برلماني مؤيّد للأكراد في البرلمان التركي. بيد أنَّ هذا الحزب مهدد الآن بالحظر بسبب تقاربه السياسي مع حزب العمال الكردستاني. التفاصيل من أنتيه باور.

يبدو الوضع مهددا بالانتكاس والرجوع إلى الفترات السيئة السابقة: قدّم المدعي العام التركي طلبًا لحظر حزب المجتمع الديموقراطي DTP الكردي، بحجة أنَّ هذا الحزب يعتبر الجناح السياسي المرخّص لحزب العمال الكردستاني. يفترض بالإضافة إلى ذلك رفع دعاوى ضدّ الكثير من أعضائه.

أسباب غامضة في طلب الحظر

تبدو بعض الأسباب المذكورة في الطلب المقدّم من أجل حظر الحزب غامضة: من بين الأسباب التي ذكرها المدعي العام أنَّ أحد الأعضاء القياديين في حزب المجتمع الديموقراطي قام كما يُزعم بإرسال خطاب باللغة الكردية إلى رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

كما تم رفع دعوى ضدّ زعيم حزب المجتمع الديموقراطي، نور الدين دميرتاش، بتهمة إهانته للقوات المسلحة، وذلك لأنَّه قرأ بيانًا يفيد بأنَّ الطريق إلى السلم سوف تنهار من خلال العمليات العسكرية الحالية في المنطقة الكردية.

وفي نفس الوقت يقرع العسكريون طبول الحرب - بدعم من وسائل الإعلام وكذلك من أحزاب المعارضة الكبيرة، التي ترى من جديد أنَّ الوحدة الوطنية لتركيا في خطر. كما لا يتعب العسكريون من التأكيد على أنَّهم على أهبة الاستعداد لدخول العراق، من أجل تدمير معسكرات حزب العمال الكردستاني الموجودة هناك.

في هذه الأثناء تساقطت الثلوج في المنطقة الكردية التي تعتبر بطبيعة الحال منطقة وعرة صعبة المسالك، كما أنَّ العمليات العسكرية التي أجريت حتى الآن لم تتمكّن من إلحاق الضرر بحزب العمال الكردستاني.

تصعيد الأزمة من قبل حزب العمال الكردستاني

يشارك من ناحية أخرى حزب العمال الكردستاني في تصعيد الأزمة، على الرغم من أنَّه جمّد نشاطاته لبضع سنين، وذلك من خلال قيامه في الأشهر الأخيرة بقتل المزيد من المجندين الأتراك.

أما الحزب الكردي (حزب المجتمع الديموقراطي) المحاصر ما بين التعاطف مع حزب العمال الكردستاني من جهة وبين الرغبة في سياسة مدنية من جهة أخرى، فقد أجَّج النار من خلال انتخابه قبل فترة غير بعيدة قيادة جديدة معروفة بإقترابها من حزب العمال الكردستاني.

إذن هل يبقى كلّ شيء على ما هو عليه؟ ليس تمامًا. إذ أنَّ حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان غير متحمِّس كثيرًا لفكرة دخول العراق.

حصل حزب العدالة والتنمية قبل بضعة أسابيع على الموافقة الخاصة بالقيام بعملية عسكرية خلف الحدود التركية من قبل البرلمان التركي، ولكن على الرغم من ذلك لم يقم أردوغان حتى الآن بإصدار أمر بدخول العراق. كذلك لا يدع أردوغان مجالاً للشكّ في أنَّه غير موافق على مشروع المدعي العام لحظر حزب المجتمع الديموقراطي. صرّح أردوغان قبل فترة قريبة قائلاً: "عندما نطردهم من البرلمان فإنَّنا ندفعهم إلى الجبال (إلى حزب العمال الكردستاني)".

تقييد سياسة التحرر ونشر الديموقراطية

لا يكمن سبب إعراض حكومة حزب العدالة والتنمية عن التعامل مع المسألة الكردية بأساليب قمعية، في أنَّ الحكومة تملك مثلاً خطة بديلة مقنعة من أجل حلّ هذه المسألة - لا تملك الحكومة على ما يبدو مثل هذه الخطة. بيد أنَّ الحكومة تعلم تمامًا أنَّ الأزمة الكردية التي اشتعلت الآن من جديد سوف تحدِّد حياتها السياسية أو على الأقل أهليتها ومقدرتها على العمل.

قامت حكومة حزب العدالة والتنمية في السنين الأخيرة، ضمن إطار تعديل القوانين وفقًا لقوانين الاتِّحاد الأوروبي، باتّباع سياسة التحرر ونشر حذر للديموقراطية؛ سياسة تعتبر من قبل الأحزاب التقليدية والعسكريين بمثابة خطر وتحدّ من نفوذ العسكريين.

لهذا السبب بدأ العسكريون في الربيع الماضي من خلال تهديداتهم بالقيام بانقلاب عسكري باتّباع إستراتيجية لتصعيد الأزمة، من أجل تخويف الناخبين لكي يتسنى لهم افشال حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية. بيد أنَّ كيدهم هذا ارتدّ إلى نحرهم: إذ أنَّ حزب العدالة والتنمية حقّق فوزًا كبيرًا في تلك الانتخابات.

تعتبر على نحو ما الإثارة الحالية للقلق على الوحدة الوطنية بمثابة مواصلة لهذه الإستراتيجية التي اتّبعها العسكريون في الربيع المنصرم. إنَّ أزمة الأكراد تتيح للأحزاب التقليدية فرصة إثبات حبّها لوطنها وللعسكريين فرصة إثبات دورهم كمنقذين.

تصعيد الأزمة

كذلك يبدو أنَّ هذه الأوضاع تتناسب مع آمال حزب العمال الكردستاني في مواصلة النزاع المسلّح والتمكّن بذلك أيضًا من إظهار نفسه في المستقبل بصورة البطل المدافع عن الشعب الكردي - حتى وإن كانت غالبية هذا الشعب الكردي قد منحت أصواتها في الانتخابات الأخيرة لحزب العدالة والتنمية.

لكن على كلّ حال توجد بعض الأصوات المعارضة في صفوف الأكراد الذين يبدو أنَّهم منغلقون على أنفسهم. فقد قامت في جنوب شرق الأناضول 252 جمعية بتوجيه نداء إلى حزب العمال الكردستاني، دعت فيه هذا الحزب إلى إلقاء السلاح.

اعترف من ناحية أخرى العديد من الضباط المتقاعدين ذوي الرتب العالية في الأيام الأخيرة بارتكاب أخطاء في تعاملهم مع الأكراد. واضح أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في أمس الحاجة إلى الدعم والمساندة.

بقلم أنتيه باور
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

خطوتان إلى الأمام وخطوة إلى الوراء
السياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية حيال الأكراد تختلف جذريا عن مواقف الأحزاب الأخرى. ومع ذلك لا بد من لوم رئيس الوزراء إردوغان لتوقفه عن متابعة سياسة المصالحة مع الأكراد تحت ضغط القادة العسكريين وأصحاب النزعات القومية. مقال كتبته سوزانه غوستن.

الاتحاد الأوربي وتركيا
ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى، نشأ في إطار مبادرة إرنست رويتر.