الجوع في غزة – صُنع في ألمانيا

.صبي يعاني من سوء التغذية يرقد بين ذراعي شخص بالغ وينظر إلى الكاميرا بنظرة يائسة.
يوم الأحد في غزة: الطفل مالك نضال سعد البالغ من العمر ست سنوات. (Photo: picture alliance / Anadolu | A. Abu Riash)

يتضوّر الأطفال جوعًا في غزة وسط تصاعد موجة انتقادات واسعة داخل ألمانيا، فيما تقف الحكومة الألمانية مكتوفة الأيدي رغم نفوذها السياسي الكبير. يرى يانيس هجمان، في تعليقه، أن برلين مطالبة الآن بالتحرك لوقف هذه الكارثة اللاإنسانية.

الكاتب، الكاتبة : يانيس هجمان

فجأة، ظهرت صور الأطفال النحيلين، بعيونهم الخاوية ووجوههم الغائرة. أخيرًا، وصلت صور غزة إلى قطاع واسع من الرأي العام الألماني – ليس فقط عبر تويتر، بل أيضًا في الصحف اليومية الكبرى ونشرات الأخبار.

الجوع في غزة كارثي. لكن هذا ليس بالأمر الجديد؛ فالأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تدق ناقوس الخطر منذ أشهر، بل منذ أكثر من عام ونصف. ففي أوائل عام 2024، كان مئات الآلاف من سكان غزة يعانون بالفعل من "جوع كارثي"، وهي أعلى درجة تحذير على مؤشر التصنيف الدولي لانعدام الأمن الغذائي (IPC). وحتى في ذلك الوقت، وقعت تدافعات مميتة من أناس جوعى يائسين على قوافل المساعدات.

لكن ألمانيا لم تأخذ هذا الأمر على محمل الجد. على العكس، واصلت الحكومة الاتحادية دعم سياسة إسرائيل في "تجويع" غزة من خلال مواصلة تصدير الأسلحة، مع التأكيد أنه لن يترتب على ذلك عواقب فعلية. ولم يتغير شيء من هذا حتى يومنا هذا. إن الجوع في غزة قد يحمل بصمة صُنع في ألمانيا ــ وهو الشعار الذي تُعرف به ألمانيا عالميًا، إلى جانب سيارات بي إم دبليو ونادي بايرن ميونيخ.

خلافات داخل ألمانيا

ما لا يُعرف كثيرًا على الصعيد الدولي، أن ألمانيا تشهد جدلًا داخليًا متصاعدًا، حيث تتعالى الأصوات الناقدة للحرب. فقد طالبت الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي (الشريك الأصغر في الائتلاف الحاكم) الأسبوع الماضي بإنهاء الحرب وتعليق اتفاق الشراكة مع إسرائيل في الاتحاد الأوروبي، مؤكدة أنه "لم يعد هناك مجال للتأويل السياسي".

حتى داخل وزارة الخارجية، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بدأ يتشكل نوع من الاحتجاج الداخلي، حيث اتحد حوالي 130 دبلوماسية ودبلوماسيًا – معظمهم من الجيل الشاب – للضغط على وزير الخارجية يوهان فاديبول لتغيير المسار، في خطوة غير مألوفة. وقد وصفت مجلة "شبيغل" ذلك التحرك بـ"التمرد داخل وزارة الخارجية".

وقد أدرك قسم كبير من الرأي العام الألماني، خاصة بعد التصريح العبثي للرئيس الأمريكي ترامب بشأن تحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، والحصار الكامل الذي دام ثلاثة أشهر من فبراير/شباط حتى مايو/أيار، طبيعة الشراكة بين ترامب وحليفه نتنياهو.

لم يعد الأمر يتعلق بالدفاع المشروع عن النفس. فهل يعتقد أحد حقًا أن الأهداف الأصلية للحرب – تدمير حماس وتحرير الرهائن الإسرائيليين – لا تزال قابلة للتحقيق بهذه الطريقة؟

ومع ذلك، لم يُترجم هذا التحول في الرأي العام والسياسة الألمانية إلى خطوات ملموسة. فالحكومة الحالية، كما سابقتها، تبدو ككلب حائر لا يعرف ما إذا كان عليه أن يتبع صاحبه أم صاحبته: من جهة هناك مفهوم "Staatsräson"أي "أمن إسرائيل مصلحة عليا لألمانيا"، الذي يُساء فهمه على أنه تضامن أعمى، ومن جهة أخرى، حرب عشوائية أدّت إلى عشرات الآلاف من القتلى وأزمة تجويع متعمدة.

ومع ذلك، أطلق المستشار فريدريش ميرتس ووزير الخارجية فاديبول، تصريحات نقدية لافتة؛ فقد وصف ميرتس مرارًا ما تقوم به إسرائيل في غزة بأنه "غير مقبول"، بينما قال فاديبول الأسبوع الماضي إن "ما يحدث من موت هو أمر لا يُحتمل".

إذا كانت هذه قناعة الحكومة، فعليها أن تتحرك. إن إعلان الجيش الإسرائيلي عن "وقفات إنسانية" في بعض مناطق القطاع خطوة إيجابية، لكنها يجب أن تكون بداية نهاية سياسة التجويع.

ومع ذلك، لم يُترجم هذا التحول في الرأي العام والسياسة الألمانية إلى خطوات ملموسة. فالحكومة الحالية، كما سابقتها، تبدو ككلب حائر لا يعرف ما إذا كان عليه أن يتبع صاحبه أم صاحبته: من جهة هناك مفهوم "Staatsräson" أي "أمن إسرائيل مصلحة عليا لألمانيا"، الذي يُساء فهمه على أنه تضامن أعمى، ومن جهة أخرى، حرب عشوائية أدّت إلى عشرات الآلاف من القتلى وأزمة تجويع متعمدة.

ومع ذلك، أطلق المستشار فريدريش ميرتس ووزير الخارجية فاديبول تصريحات نقدية لافتة؛ فقد وصف ميرتس مرارًا ما تقوم به إسرائيل في غزة بأنه "غير مقبول"، بينما قال فاديبول الأسبوع الماضي إن "ما يحدث من موت هو أمر لا يُحتمل".

إذا كانت هذه قناعة الحكومة، فعليها أن تتحرك. إن إعلان الجيش الإسرائيلي عن "وقفات إنسانية" في بعض مناطق القطاع خطوة إيجابية، لكنها يجب أن تكون بداية نهاية سياسة التجويع.

رافعة ضغط حقيقية يجب تحريكها

على الحكومة الألمانية أن تعلن وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل طالما استمر التجويع والقتل العبثي. فإسرائيل تعتمد على الواردات العسكرية من ألمانيا، والتي تُشكل نحو 30% من مجمل وارداتها من الأسلحة، مما يجعل ألمانيا ثاني أكبر مزوّد للجيش الإسرائيلي بعد الولايات المتحدة. هذا ليس نفوذًا بسيطًا.

ينبغي على برلين أن تربط هذه الخطوة، التي طال انتظارها، بمطالب واضحة وسريعة التنفيذ، لاسيما ضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة بشكل دائم ودون عوائق. ومن المأمول أن تجد الحكومة المحافظة، بقيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، سهولة أكبر في اتخاذ خطوات ملموسة مقارنة بالحكومة الوسطية اليسارية السابقة. فحتى قرار التخلص التدريجي من محطات الطاقة النووية في ألمانيا، جاء في عهد مستشارة من حزب الاتحاد المسيحي.

هناك حاجة ماسة إلى مخرج من هذه الحرب، وضغط فعلي يدفع جميع الأطراف المعنية للبحث عن هذا المخرج. وهذا هو السبيل الوحيد أيضًا لإنقاذ الرهائن الإسرائيليين الذين ما زالوا على قيد الحياة.

الصراع في الشرق الأوسط معقّد، لكن الإدراك بأن الأطفال الجوعى – على بُعد مرمى حجر من أوروبا – ليسوا "أضرارًا جانبية"، هو أمر بديهي. ما يحدث في غزة هو كارثة إنسانية من صنع الإنسان، تتحمل ألمانيا نصيبًا كبيرًا من المسؤولية عنها.

 

النص مُترجم من الألمانية: محمد مجدي 

قنطرة ©