هل يصمد الحجاب التقليدي أمام التغيرات الاجتماعية؟
المذهب الوهابي هو المهيمن على مظاهر الحياة العامة في السعودية، حيث يقرر منظروا ذلك المذهب حتى اليوم أن المرأة كلها عورة أمام غير محارمها من الرجال، حتى إن بعضهم إلى اليوم لا يزال يرى أن صوت المرأة هو الآخر عورة.
ومن أهم المبادئ الرئيسة التي قامت عليها الدولة السعودية الحديثة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو منصوص عليه في النظام الأساسي للحكم. هذا المبدأ أوجد ما يعرف في العالم الخارجي بالشرطة الدينية، التي تحرس الفضيلة، ما جعل المرأة السعودية مجبرة على زي يغطي كل بدنها إذا ما أرادت الخروج من منزلها، خشية أن تفتِن أو تُفتن، كما يقول علماء الدين.
تلك هي أصل الصورة التي كانت غالبة في الشارع السعودي إلى عهد قريب، وبالتحديد قبل حرب الخليج الثانية عام 1990م، حيث بدأ الانفتاح شيئا فشيئا، وبات الكل يمارس حريته في حدود الشريعة الإسلامية التي تتخذها الدولة دستورا لها.
وترى طائفة من الليبراليين أن الحجاب تعبير عن حرية شخصية تماما كما تنظر إليه بعض دول العالم الغربي، وترى طوائف أخرى وجوب الحجاب، رغم تسامحهم في طريقة تطبيق ذلك
الحجاب الحداثي
وللنساء وجهات نظر مختلفة حول الحجاب. كمصطلح عام يختلفن في فهمه وتبعا لذلك تطبيقه.
زينب الخزرجي: ترى للحجاب سمات جمالية وروحية، فهو ـ كما تقول ـ يحيط المرأة بهالة من معان جمالية وأخرى معنوية جعلت له قيمة روحية خاصة لدى العديد من النساء فضلا عما يمثله من تقليد عاش قرونا من الزمان.
وتدعي أن "الحجاب معروف عند الغربيين أنفسهم، وله قيمة تاريخية نشاهدها في الأعمال التي تتحدث عن التاريخ الغربي، حيث تجد المرأة تلف شالاً حول وجهها أو تغطي رأسها به، وكذلك ارتداء المرأة القبعة بأشكال متعددة في العصور الخوالي"
ومضت تقول: " في الوقت الذي بدأت أوروبا الحديثة تنظر إلى الحجاب بريبة، كان الأوربيون في الماضي يصفون المرأة التي تغطي رأسها بالنبيلة "
هكذا تنظر زينب (27) عاما إلى الحجاب من الناحية التاريخية والوجدانية، لكننا عندما سألناها عن رأيها في أنماط الحجاب السائدة في محيطها الاجتماعي، ردت بأن " السعودية بلد كبير تختلف عادات مواطنيه باختلاف مناطقهم، وأصبح لدينا في المنطقة الوسطى الكثير من أشكال للحجاب في السنوات الأخيرة، فهنالك، غطاء ـ وجه مع الرأس كاملا ـ، والبرقع، والطرحة، والشال، والنقاب، واللثمة !! فكل امرأة تؤلف التركيبة التي تتواءم مع مزاجها"
وتضيف " لكنني من ناحيتي أعتقد أن الحجاب المحتشم يجعل المرأة تحظى باحترام من حولها أكثر من غيرها"
أما زكية من المنطقة الغربية (32) عاما، وهي معلمة في الصفوف الأولى فتعتقد أن "الحجاب بالصورة النمطية السائدة في الماضي عباية كبيرة تغطي جسد المرأة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها وأصابع يديها، بالإضافة إلى غطاء لكل الوجه؛ أعتقد أن هذا النوع من الحجاب لم يعد صالحا للعصر الراهن"
وتكمل" لا أهتم بما لبست الفتاة طالما أن ذلك في حدود المسموح به شرعا، والحمد لله ديننا يسر، فنرى علماء لا يرون تغطية الوجه واجب على المرأة"
وتقول المراهقة هند (16) عاما: "رغم احترامي لعلماء الدين إلا أنني ألبس كما أريد. فأنا أنظر إلى الحجاب على أنه حرية شخصية، كالقميص والسروال. لا أريد أحدا يملي علي ماذا ألبس "
وتميل السيدة ريم الأحمد (20) إلى التنظير أكثر من الاجابة الحاسمة والمحددة فهي ترى أن "الحجاب أخذ بالتدرج في أشكال غير متناسقة، فقد كان قديما لا يعرف في المجتمع السعودي سوى البرقع ـ غطاء للوجه بفتحتين متسعتين للعينين ـ ولكنه الآن أصبح في طي النسيان، ولا ترتديه سوى المسنات، كما ظهر بعده النقاب الذي لقي أول ما ظهر انتشارا واسعا في الثمانينات الميلادية، ثم ظهرت بعد ذلك الطرحة وهي توضع فوق الرأس مثل القبعة".
بداية الهروب من الحجاب
وتؤكد أنه "خلال السنوات الخمس الماضية، بدأت العديد من الفتيات في التملص والتحايل على الحجاب ـ حسب تعبيرها ـ بأن جعلن من الطرحة لثمة بحيث يظهر الجبين والأنف والعينان، بعد أن كانت الفتاة لا تظهر سوى العينين، ولكن هناك بعض منهن إذا لاحظن الفتيان محترفي الغزل، يرفعن الطرحة لتخفي وجوههن كاملة"
وتشير إلى أن الأمر لا يتوقف عند ذلك " وإنما هنالك فئة أخرى من الفتيات يبحثن عن التميز من خلال الألوان والنقوش وعلامات تميزهن، و حروف صغيرة ترمز لعشاقهن "
ما يعد مفارقة قد تكون الأكثر طرفة أن العديد من النساء السعوديات ـ كما أكدت بعض السيدات ـ أصبحن يمارسن نوعا من استعراض جمالهن في الأسواق وأماكن تواجد الشباب، ليس لشيء سوى " رد الاعتبار للفتاة السعودية، التي يشاع أنها قليلة الحظ من الجمال"
ويعد من الطبيعي أن تحمل الغيرة على تصرف كهذا، فبين وقت وآخر تتسرب تصريحات زوجات سعوديات يعبرن عن استيائهن من سلب صبايا الفضائيات، على شاكلة روبي ونانسي عجرم وهيفاء وهبي، قلوب أزواجهن.
قد لا يكون الحجاب وحده ما تغيرت النظرة إليه في السعودية ولكن أشياء كثيرة هبطت وأخرى صعدت، في مجتمع يشهد مرحلة تشكيل واسعة، وسباق مع الزمن في محاولة لتبوء مكانة تليق بحضارته وإمكانياته.
، قنطرة 2004 مصطفى الأنصاري
مصطفى الانصاري صحفي من الرياض