نظرة على المشاركة العربية في فرانكفورت
لم تحظ الثقافة العربية في يوم من الأيام في المانيا بمثل هذا الإهتمام الإعلامي الذي حظيت به خلال وقبل فترة معرض فرانكفورت للكتاب الذي استضاف في دورته السادسة والخمسين الجامعة العربية. يوسف حجازي حضر المعرض ويقدم لنا تقييمه للفعاليات العربية.
نالت المشاركة العربية الكثير من النقد وأثارت الكثير من الجدل في الصحافة الألمانية وبعض
الشيء في الصحافة العربية، بسبب تأخر التحضير لها، وبالأخص ما يمس وضع برنامجها والمواضيع التي ستتناولها وتسمية المشاركين بها وتحديد وترجمة الكتب إلى الألمانية. واستمر الخوف من فشلها حتى أسابيع قليلة قبل موعد المعرض.
الصفحات الثقافية للجرائد وكذلك محطات التلفزة والراديو، غطت المشاركة العربية مرات بالإيجاب وأخرى بالسلب. الصحف الألمانية الكبيرة (دي تسايت، دير شبيغل الخ.) أصدرت جميعها تقريبا ملحقا كاملا خصص للعالم العربي، تناولت فيه الإصدارات الأخيرة، واتجاهات الأدب العربي وحوارات مع أدباء ونقاد الخ. مما وضع الثقافة العربية تحت دائرة الضوء. وهذا بذاته إنجاز.
إذا ما نظرنا الى المشاركة العربية والحضور الثقافي العربي، سنجد أنهما كانا كبيران يفوقان أي تصور. إذ لا أعتقد أن أية مشاركة عربية ثقافية خارج العالم العربي كانت في يوم من الأيام بهذا الحجم. فقد تجاوز عدد الفعاليات "الرسمية" خلال أيام المعرض الخمسة، 175 فعالية، من أمسيات أدبية وندوات وعروض موسيقية ومسرحية وسينمائية، ومعارض للرسم والتصوير الخ.، شارك فيها أكثر من 210 كاتب وكاتبة عربيين.
لقاءات عربية-عربية
هذا من ناحية الكم، أما من ناحية الأداء فقد كانت الصورة مشرقة بالرغم من الثقوب التي ظهرت عليها. الحضور الشخصي المتميز للشاعريين محمود درويش وأدونيس في أمسيتين منفصلتين لكل منهما على سبيل المثال، والتي اتسمت بكثافة الحضور الألماني والعربي على السواء، على عكس الكثير من الأمسيات التي كان الحضور فيها يقتصر أحياناً على الحضور العربي.
ويعود ذلك بالدرجة الأولى لعدم معرفة القارئ والناشر الألماني بهؤلاء الأدباء والأديبات، نتيجة عدم وجود دواوين أو روايات أو نصوص مترجمة. فشكلت هذه الأمسيات فرصة للقاءات عربية-عربية، لم تكن لتحصل في بيروت أو القاهرة.
أما في ندوات أخرى فقد تغيب المحاضرون أو لم يحضر أدباء إلى أمسياتهم أحياناً دون أن يعتذروا بالرغم من وجودهم في فرانكفورت (مثل إدورد الخراط ورشيد بوجدرة). وندوات أخرى كان الحضور فيها على المنصة مكثفاً مما يدل على سوء في التحضير.
فعلى سبيل المثال جُمع في ندوة تحت عنوان "الأدب النسائي في العالم العربي"، كل من يمنى العيد ورضوى عاشور وإلهام كلاب وهدى وصفي ونبيلة الزبير وسعاد عبد العزيز المانع وباربارا فنكلر، فيما كانت مدة الندوة ساعة ونصف فقط. المشاركات ولكل منهن ما هو مهم لتدلي به، قرأن مداخلتهن بسرعة الريح، فلم يصل الكثير للمتلقي، ولم يبقى فسحة للنقاش، مما دفع الحضور الذي بدأ كثيفاً، لمغادرة القاعة الواحد تلو الآخر.
فعاليات في القاعة الدولية
قراءات وندوات أخرى كُتب لها نجاح أكثر. نذكر منها هنا ندوة "مركز الشرق الحديث" في القاعة الدولية تناولت "الرقابة السياسية والدينية في العالم العربي". وشارك فيها أيضا سماح إدريس عن دار الآداب في لبنان وعباس بيضون الذي أكدعلى الرقابة الذاتية أو الداخلية للكاتب نفسه: "الرقابة فيروس موجود في الرأس".
المعرض مناسبة جيدة لإبراز وإثارة إهتمام القارئ والناشر والمترجم والصحافي الألماني بالأدب العربي. هذا ما أكدت عليه كل دور النشر المشاركة، بغض النظر إن حضروا في إطار الجامعة العربية أو بشكل فردي. وهنا يطرح السؤال نفسه: ما هو الدور الذي لعبته دور النشر؟
البعض أخذ عليها أن كل كتبها المعروضة كانت بالعربية، لذا لا يستطيع المهتم الأجنبي من معرفة شيء عن الكتاب المعروض. هذا المأخذ برأيي ليس صحيحاً، فكل الدول تعرض كتبها بلغتها، كما تنشرها، لكن المأخذ يطال غياب لوائح بإصدارات كل دار نشر على حدة، باللغات الثلاث –العربية والإنكليزية والألمانية– وغياب بعض الترجمات المختارة لأجزاء من بعض الكتب، ليستطيع الناشر غير العربي معرفة المضمون وأسلوب الكتابة الخ. وليقرر بعد ذلك إذا ما كان سيترجِم وينشُر الكتاب بالألمانية أو أية لغة أخرى. للأسف فإن دور قلائل كانت توفر لوائح ناهيك عن ترجمات نموذجية.
ماذا يأتي بعد المعرض؟
المشاركة العربية في فرانكفورت كانت تحت عنوان "رؤى للمستقبل". وحتى لا يتحول هذا العنوان لشعار فقط وكي لا تهدر الجهود التي بذلت من جميع من أعدوا وشاركوا لإنجاح الحضور العربي في فرنكفورت، مطلوب من الجامعة العربية ومن وزارات الثقافة العربية أن تخصص مبالغ للترجمة ولنشاطات ثقافية مستديمة.
ولو أن كل دار نشر مشاركة أعدت ترجمات نموذجية لعشر نصوص مقتبسة من كتب نشرتها، لكان عدد الكتب المعروضة بشكل جدي سيصل إلى أكثر من 2250. وهذا الأمر لا يزال قائما، ولم تفت فرصته بعد. على الجميع أن يرى في فرنكفورت نقطة إنطلاق وليس نهاية.
بقلم يوسف حجازي، قنطرة 2004