اليمن- بلاد الغرق السعيدة؟
في المطبخ الذي يحتوي على موقد غاز موضوع على هيئة منضدة في التجويف القديم الذي كان مخصصا لموقد النار يتكدس مخزون المواد الغذائية. وفي المطبخ تقف إيمان، الخادمة، أمام حوض الغسيل وتلقي علي التحية بالانجليزية في أول يوم لي في اليمن. هذه الصومالية الأصل كانت قد فرّت مع أسرتها إلى اليمن بعد نشوب الحرب الأهلية في الصومال.
وهي لا تدري كم كان عمرها آنذاك، ربما خمسة عشر عاما. قُبيل الوصول إلى الشاطئ بكيلومتر واحد أجبر المهربون كل ركاب القارب على القفز في البحر والسباحة إلى الشاطئ. وتروي إيمان: "كثير منهم غرقوا. والشيء الوحيد الذي أتذكره بالفعل هو خوفي". منذ ذلك الحين تعيش في صنعاء عيشة سعيدة. لقد شاهدت في هذا كثيرا من الأوروبيين يمشون خلال البيت، ومعظمهم موظفين لدى منظمات المساعدة على التنمية. تلبس إيمان سترة رمادية من الصوف وحذاء رياضيا وسروالا واسعا وقبعة.
عندما سألتها أين يمكنني شراء خبز، خلعت القفاز البلاستيك من يديها ونزلت السلم لتحضر لي خبزا صغيرا. ولما قلت لها: "لا، يمكنني أن أقوم بذلك بنفسي"، ردت قائلة: "إنك لا تعرف من أين"، وذهبت. "في اليمن ل ايحتاج المرء سوى ثلاث كلمات".
بعد خمس دقائق سمعتها تنادي من سلم البيت وتقول: "لا تخف!"، ثم دخلت المطبخ ضاحكة بينما كانت تغطي جسمها بملابس سوداء ولا يُرى من جسمها إلا بياض عينيها. وبعد بضعة دقائق كانت تقف ثانية أمام حوض الغسيل مرتدية سترة الصوف الرمادية.
وأرادت أن تعرف "إذا كنت أتحدث العربية" فأجبت "لا"، وعلى إثرها قالت "إنها سهلة جدا". وأردفت تقول: "إن عمي قال ذات مرة عندما سأله بعض أصدقائه في الصومال بعد أن قضى هنا عدة سنوات إذا كان يتكلم العربية، فأجاب: "إن المرء في اليمن لا يحتاج إلا لثلاث كلمات، ألا وهن عمل؟ والكلمتان الأخريان هما لفهم الإجابة نعم أو لا".
جامع كبير لمحاربة الفقر
تقول إيمان إن كثيرا من بني جلدتها عاشوا في مخيمات اللاجئين. وعلى الرغم من أن اليمن يستقبل كل الصوماليين الذين يستطيعون الوصول إليه، إلا أن المرء عليه أن يقوم بتدبير أموره بنفسه. في الواقع يحاول كثير من اليمنيين أيضا كسب قوت يومهم ويقفون أياما على قارعة الطريق أمام باب اليمن المؤدي إلى المدينة القديمة يقفون حاملين عدة العمل ينتظرون الحصول على عمل يومي، وبعضهم يحمل عشرة جاكتات على كتفه – كشماعة للملابس. وفي الوقت نفسه آخرون يعرضون خناجر مقوسة للبيع أيضا. كما تقوم النساء والأطفال بالتسول عند تقاطع الطرق ويحاولون بيع المناديل الورقية.
على الرغم من أن اليمن يُعتبر من أفقر بلاد العالم، إلا أن الرئيس قام ببناء جامع آخر لا يوجد أكبر ولا أفخم منه. ولكن يُحكى في شوارع صنعاء أن الرئيس قام بتمويل البناء من ماله الخاص. يقول محمد، سائق التاكسي الذي يُسمع منه صوت قراءة القرآن المسجل عبر نوافذ السيارة: "إننا بحاجة إلى مرافق جيدة في المستشفيات"، ويضيف "نظام التعليم سيئ. وعندما أذهب إلى الجامع أذهب إلى الذي في حيّنا".
"إنهم يمضغون مثل الماعز"
على جانب الطريق يجلس البائعون تحت المظلات يبيعون بطاريات وأدوات منزلية وساعات، وشدقهم الأيمن مملوء بأوراق القات، كما لو كانت بها كرة تنس. ويستنكر محمد ذلك قائلا: "إنهم يمضغون مثل الماعز". ويتساءل: "ما فائدة ذلك، فبدلا من شراء اللحم والفاكهة لأطفالهم يبددون معظم أجرتهم اليومية في شراء مثل هذه الأوراق حتى ينتشون بعض الوقت". يضغط على آلة التنبيه، ولكن محلك سر. ويتساءل: "ما رأي ألمانيا في مثل هذا البلد" ويقلب شريط الكاسيت كما لو كان لا ينتظر إجابة مني. وأرد عليه قائلا: "لا يعرف معظم الناس في ألمانيا أين يقع اليمن، ولكن إذا ذكر بلدكم في التلفاز فلسبب واحد، ألا وهو أن أحد الأشخاص اختطف".
"لا تذكر هتلر مرة أخرى"
يهز محمد رأسه ويصيح قائلا: "نعم، الاختطافات، لا يفعل ذلك إلا المجانين. إن بلدهم جيد ولكنهم لا يعرفون كيف يستغلونه. إنني ألعن وطني كثيرا، ولكن عندما يأتي أناس إلى هنا مثلك ويعطوني أعينهم فسوف أرى جمال البلد".
ويتابع قائلا: "من الممكن أن تكون السياحة شيئا جيدا لليمن، ولكنهم يفسدونها بأفعالهم الحمقاء. يوجد حقا سفهاء في كل مكان. إن ما اقترفه الإسرائيليون في قطاع غزة يعد من الفظاعة بمكان. لهذا السبب يحب كثير من العرب هتلر، لأنه كان يكره اليهود كما تعرف". وصحت قائلا: "لا تذكر هتلر مرة أخرى". وفهم ما أقصد.
أمامنا يشير أحد رجال الشرطة لطابور السيارات حتى يتحرك إلى الأمام، ولكن السيارات التي تأتي من الشارع الجانبي سدت الشارع، لهذا يكتفي محمد بالقرب قدر الإمكان من الباب الجانبي للسيارة التي أمامه ويستعمل آلة التنبيه من جديد.
إحساس آخر بالوقت
جئت متأخرا نحو ساعة إلى لقاء عبده، إمام أحد المساجد في شمال صنعاء، الشيء الذي لم يضايقه كثيرا. ولما اعتذرت له مرارا رفع يده وقال: "هل جئت إلي لتعتذر؟". وضحكت، ثم قلت له أني لو كنت مكانه لما أتى متأخرا مثلما فعلت الآن. وعلى ذلك أجاب: "لستَ في اليمن". وتزين جانبا من غرفة الجلوس مكتبة عظيمة، أغلبها كتب دينية وخطب لرجال مشاهير، وأدب وشعر أيضا.
صراع الحضارات – رياضة الأغبياء
أردت أن أعرف رأيه في الناس الذين يحاولون التوفيق بين الدين والإرهاب، فقال: "لا أعبأ بهم، إنهم ضلوا الطريق ويخالفون الله، إنها أقلية أضرت بالإسلام كثيرا في السنوات الماضية، وتقع على عاتقهم مسئولية خوف الغرب فجأة من أي ديانة يريد أتباعها أن يكونوا أناسا جيدين، مثلكم كمسيحيين". وأردف قائلا أن صراع الحضارات ليس إلا رياضة الأغبياء. فمن لا يريد أن يعرف شيئا عن الآخرين يعتبر شخصيا خطرا عليهم. وللأسف لا يريد كل من الطرفين معرفة شيء عن الآخر، ويكتفي كل منهم بالأحكام المسبقة.
كتّاب من دون كتب
لقد ثبت لي في يوم آخر صحة كلام رابطة الكتّاب اليمنيين، فلم يرغب كاتب في لقائي وتمت مقاطعة مؤتمر الأدب في البيت الألماني لأنهم يدعون أن الشعب الألماني والمثقفين لم يتخذوا موقفا تجاه الصراع في غزة. وهذا من الغرابة بمكان، حيث كانت هناك مظاهرات في المدن الألمانية الكبيرة، وعلى الأقل أنا ككاتب ألماني كنت أتناقش كل يوم مع التجار والكتاب وبائعي الجرائد حول الهجمات الإسرائيلية. لحسن الحظ لا يفكر كل الكتاب اليمنيين مثل رابطتهم.
يقول سعيد، أثناء شرب القهوة معه في مطعم إثيوبي، أن الموقف صعب بالنسبة للكتّاب المحليين. ففي الوقت الحالي لا تُوجد مطابع ولهذا فلا توجد كتب جديدة. ومن الأفضل أن يتكلم المرء حول النصوص على الأقل. ومن خلاله علمت أن اليمن لا يُوجد به مؤسسات للنشر أو للتوزيع، وأن كل الروايات والقصص ومجلدات الشعر تظهر لدى دور نشر خاصة. ويضيف سعيد: "من السهولة في ألمانيا أن يتكسب المرء كثيرا من الأدب"، وهذا ما لم أوافق عليه. أما المؤتمر فقد عُقد، ولكن بصورة أصغر مما كان مخططا له، ولهذا كانت المناقشات أكثر تركيزا، الشيء الذي يعتبر بداية جيدة.
غوي هيلمنغر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2009
غوي هيلمنغر من مواليد عام 1963 وعرف بكتاباته المسرحية والنصوص الأدبية المسموعة. صدر له مؤخرا عن دار نشر زوركامب رواية "أفول الصباح".
قنطرة
الأزمة السياسية والاقتصادية في اليمن:
بلد على شفير الهاوية
المعارك المستعرة في شمال اليمن واحتجاجات الفقراء، بالإضافة إلى ظاهرة الزواج المبكر تلفت حاليًا أنظار وسائل الإعلام إلى هذا البلد الذي يبدو غير مستقر والذي يتَّجه منذ عهد ليس بقريب نحو التدهور. فيليب شفيرس من صنعاء في تحليل للأوضاع التي يعيشها اليمن.
حوار مع المخرج اليمني بدر بن هرسي:
"يوم جديد في صنعاء القديمة"
حصل أول فيلم يمني روائي طويل على جائزة الصقر الفضي في مهرجان الفيلم العربي بروتردام. في الحوار التالي، يتحدث المخرج بدر بن هرسي عن فيلمه واستقباله في اليمن.
حرية الصحافة والإعلام في اليمن
"اليمن في حد ذاته كوكب من نوع خاص"
نادية السقاف رئيسة تحرير صحيفة "اليمن تايمز" اليومية المستقلة الصادرة باللغة الإنجليزية التي تأسست عام 1990 وتعتبر من الناشطات أيضا في مجال الدفاع عن حقوق المرأة اليمنية ومحاربة الفساد والدعوة إلى تعزيز مؤسسات المجتمع المدني. ألفريد هاكنسبرغر تحدث إلى الإعلامية السقاف حول الإعلام وحرية الصحافة، وكذلك أيضا حول ثقافة العشائر في اليمن.