الإسلام يذكر الأوروبيين بقيمهم المسيحية ويعمق نقاش الدين والدولة بأوروبا المسيحية
الأب توبياس تسيمرمان، شعره رمادي طويل ولديه حلقة في أذنه اليسرى، وهو مدير مدرسة كانيسيوس-كوليغ البرلينية، التي تعتبر واحدة من ثلاث مدارس يسوعية في ألمانيا. هذه المدرسة تصف نفسها بأنَّها مدرسة ثانوية "ذات طابع مسيحي إنساني". وهنا لا يفترض بالشباب أن يحصلوا فقط على تعليم جيِّد، بل أن ينضجوا أيضًا كأشخاص واعين بالمسؤولية. ومن خلال قراره القاضي بتعيين مسلمة محجَّبة كمعلمة في مدرسته، أثار توبياس تسيمرمان بعض الضجة في برلين. في البداية يؤكِّد تسيمرمان على أنَّه قد تفاجأ قليلًا من هذه الضجة الإعلامية. فهو لم يقم في الواقع إلَّا بتعيين معلمة. أليس كذلك؟
❊❊❊
الأب توبياس تسيمرمان، لقد قمت في فترة بات فيها حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي ممثَّلاً في البرلمان الاتِّحادي الألماني (بوندستاغ) بتعيين معلمة مسلمة في مدرسة كاثوليكية. فهل كان هذا بمثابة الإدلاء ببيان من جانبك؟
توبياس تسيمرمان: لا. بل لقد كان العامل الحاسم هو حقيقة أنَّ هذه المرأة كان لديها ملف شخصي جيِّد جدًا. وبالمناسبة ليس لأنَّه مثلاً كان لدينا عدد قليل جدًا من المتقدِّمين لهذه الوظيفة. ولكن في الواقع لقد فكَّرنا من قبل في كيفية تعاملنا مع هذه المسألة. نحن لدينا منذ فترة طويلة مجموعة متنوعة جدًا من المعلمين:
لدينا العديد من المعلمين الكاثوليك بطبيعة الحال، وبعضهم ينحدرون من الشرق ولم تتح لهم الفرصة قطّ للتعرُّف على المسيحية من الداخل. وكذلك لدينا معلمون آخرون بروتستانت. أمَّا فيما يتعلق بالمسلمين، فإنَّ هذا الوضع يُذكِّرني إلى حدّ ما بفترة السبعينيات. في تلك الفترة قرَّرنا أن نقبل أيضًا التلاميذ والطلَّاب البروتستانت. ثم تلاهم في وقت ما أيضًا المعلمون البروتستانتيون.
لقد افتتحتم خلال العامين الماضيين [2016 / 2017] فصلين دراسيين للاجئين في مدرستكم. إذًا هل كان لقرار تعين المعلمة المحجَّبة علاقة بذلك أيضًا؟
توبياس تسيمرمان: نعم، بالتأكيد. يوجد لدينا اليوم نحو ثلاثين طالبًا مسلمًا، وبذلك باتت توجد للإسلام وضوحية بصرية مختلفة. وهذا يطرح أسئلة جديدة: هل نحتاج الآن إلى غرف أخرى للصلاة؟ ليست بالضرورة إسلامية، ولكن على الأقل بعض الغرف التي يمكن فيها لمختلف الديانات الصلاة بشكل مشترك؟ نحن نفكِّر أيضًا إن كان يجب علينا أن نقدِّم في مدرستنا مادة التربية الدينية الإسلامية.
هل يعني هذا إذًا أن الأطفال لديكم يجب أن يتم تعليمهم من قِبَل معلمين يشاركونهم خلفيَّتهم الثقافية؟
توبياس تسيمرمان: بالطبع ليس هذا فقط. بَيْدَ أنَّ المدرسة بالنسبة لي هي مختبر تجريبي أيضًا. وهنا لدينا فرصة للدخول في حديث مع بعضنا البعض. وعندما يكون المجتمع مصبوغًا بمختلف العقائد مثلما هي الحال هنا في برلين، فعندئذ يجب أن ينعكس ذلك في الهيئة التدريسية. نحن نختبر هنا كمدرسة مسيحية شيئًا أعتقد أنَّه يجعلها مدرسةً جيِّدة.
كيف كان ردُّ التلاميذ وأولياء الأمور على هذا القرار؟
توبياس تسيمرمان: التلاميذ أعجبوني حقًا. فقد دمجوا معهم -بطبيعة الحال ومن دون إثارة ضجة كبيرة- زملاءهم الجدد في المدرسة، الذين جاءوا بالفعل قبل المعلمة المحجَّبة. وخلال عطلة عيد الميلاد تطوَّع بعض الطلاب السابقين بتنظيم برنامج للتعارف عبر مدينة برلين من أجل الوافدين الجدد. وهنا لم تعد المعلمة المحجَّبة تمثِّل أية خطوة كبيرة أيضًا. أولياء الأمور يؤيِّدونني إلى حدّ كبير أيضًا. ولكنني تلقيت أيضًا بعض الرسائل الإلكترونية القبيحة في الواقع.
مدرسة كانيسيوس-كوليغ تعمل من أجل القيم المسيحية. فهل يمكن لمعلمة مسلمة أن تنقل هذه القيم؟
توبياس تسيمرمان: في مدينة مثل برلين تستطيع المعلمة المسلمة على الأقل أن تدعو بمصداقية كبيرة لأهمية الدين. من المهم بالنسبة لنا أن يعكس طلابنا دينهم. ولكن من أجل ذلك توجد لدينا مادة التربية الدينية. أما زميلتنا الجديدة فهي تُدرِّس مادتي الرياضيات والعلوم.
هل تستطيع فهم الأشخاص الذين يرون في تعيين المعلمة المسلمة "أسلمةً تدريجيةً" لألمانيا؟
توبياس تسيمرمان: لا على الإطلاق، بكل أمانة. عندما يأتيني شخصٌ بهذه القناعة، أتساءل دائمًا متى فَقَدَ مجتمعُنا ثقته بنفسه. لننظر كم يوجد من المسلمين في ألمانيا. لذلك فإنَّ الحديث عن الأسلمة أمر غير منطقي. وعلاوة على ذلك يتعيَّن علينا أن نبتعد عن الصور النمطية. أيضًا في الإسلام يوجد العديد من المذاهب المختلفة. وبالتالي مَنْ هم "المسلمون"؟ أحيانًا أتساءل في الواقع من أين تأتي هذه الهستيريا.
هل تعتبر ثقتنا بأنفسنا [كألمان مسيحيين] غير كافية؟
توبياس تسيمرمان: أحد أصدقائي يُطلِق على ما نعيشه اليوم في كثير من الحالات اسم "التعدُّدية المُريحة" [التي تتجنب المواجهة]. فكثيرًا ما يتم الاتفاق على القاسم المشترك الأدنى لكي لا يتم الاضطرار إلى الدخول في نقاش: مثلاً بمنع الرموز الدينية عامةً. طيلة قرون من الزمن كان المنافسون الكبار للمسيحية هم المشكِّكون، إلى أن قرَّرنا في مرحلة ما أن نتجنَّب بعضنا كي نرتاح. لقد افتقدنا المعارضين لفترة طويلة، ولذلك فقد أصبحت نقاشاتنا سطحية للغاية. واليوم لم يعد يتحدَّث أي منا إلاَّ من داخل فقاعته الخاصة ويرفض حسن النية من أي شخص لا يعيش في هذه الفقاعة. الإسلام يواجهنا نحن المسيحيين بنقاشات آن أوانها منذ فترة طويلة.
بصفتك مديرًا لمدرسة حكومية في برلين لم يكن مسموحًا لك مطلقًا تعيين هذه المعلمة. إذ إنَّ قانون الحياد في برلين يمنع المعلمين في المدارس العمومية من ارتداء الرموز والملابس التي "تُظهِر" انتماءً دينيًا معيَّنًا. فالدولة تريد أن تبقى محايدة. وهذا يبدو للوهلة الأولى جيدًا، أليس كذلك؟
توبياس تسيمرمان: كثيرًا ما يُساء فهم نموذجنا الألماني عن حياد الدولة. القانون الأساسي (الدستور الألماني) ينصُّ على اتِّسام الفضاء العام بالتنوُّع. ودور الدولة هو أن تكفل تمكُّن العقائد والآراء المختلفة من التعايش بعضها بجانب بعض وأن يتَّسم النقاش بالتسامح. لا يجوز للدولة أن تنحاز لدين أو عقيدة ما. غير أنَّ الفصل التام بين الدين والدولة يعني العلمانية الفرنسية - وهي لا تعمل [بفعالية]، لأنَّها تدعو للعلمانية في الفضاء العام، وهذا بحدِّ ذاته يمثِّل عقيدة. وبحسب رأيي فإنَّ ولاية برلين بهذا القانون لم تعد تعمل على أساس دستوري.
ولكن مع ذلك يخشى البعض من أنَّ المعلمة المسلمة يمكن أن تفرض دينها على الأطفال غير المسلمين…
توبياس تسيمرمان: لا يجوز للمرء على العموم أن يفرض إيمانه على أي شخص. وهذا لا يجوز حتى لنا نحن كمدرسة دينية. فالإيمان يعتمد على حرِّية الاختيار. إنَّ ما لا يعتمد على حرِّية الاختيار يُعَدُّ أيديولوجية. ولكن من المعتاد أن تطلب المدرسة من التلاميذ ما قد يكون ثقيلا عليهم - وحتى في مجال الدين. [الفيلسوف الألماني إيمانويل] كانط يسمي المدرسة: "تربية على الحرِّية بالإكراه".
هدف المدرسة هو دائمًا الحرِّية، ويجب أن يكون هذا ملحوظًا في كلِّ إجراء. ولكن المدرسة تعمل دائمًا ضمن مجال عمل ضيِّق، بحيث أنَّها في الوقت نفسه مؤسَّسة إلزامية. وهذا يشمل فرض شيء ما على التلاميذ، وهو في هذه الحالة الالتقاء بالآخر.
ولكن المعلمة لديها أيضًا دور نموذجي…
توبياس تسيمرمان: نعم، وبالنسبة لي يكمن هذا الدور في أن نُظهر للتلاميذ كيف يعيش المرء التنوُّع. وكيف يدافع عن معتقداته من دون فرضها على أي شخص. أين يحدث اليوم هذا النوع من اللقاء، إن لم يكن في المدرسة؟ وبالمناسبة، أنا أعارض أيضًا اتِّسام المدارس بعقيدة واحدة فقط. فالمجتمع لم يعد كذلك. المسلمون يعيشون في ألمانيا منذ ستين عامًا. وقد سمحنا [حتى] الآن في الجيل الثالث بأن يكون الفصل بيننا كبيرًا إلى هذا الحدّ. نحن لم ننجح في إخبار المسلمين: أننا نريدكم معنا كمواطنين. وهذه خسارة رهيبة لهذه الثروة البشرية.
حاورته: يوليا لي
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: صحيفة زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2018