سوريات يحدوهن الأمل في تجنيس أطفالهن

تتساءل عايدة (اسم مستعار)، 28 عامًا، أرملة مقاتل سابق، عن مصير أطفالها الذين لا يملكون حتى أوراق هوية مؤقتة في بلد وُلدوا ونشأوا فيه، بينما تخطط الحكومة السورية المؤقتة، منح الجنسية للمقاتلين الأجانب بعد دمجهم في الجيش.
تزوجت عايدة، قبل عشر سنوات من مقاتل أوزبكي، وصل سوريا عبر التهريب، بتسهيل من هيئة تحرير الشام، عبر امرأة، تعمل "خطّابة"، وتبحث عن نساء فقيرات لتزويجهن من مقاتلين، "قالت إنه طيب وأخلاقه حسنة، ووافق والدي فورًا"، تروي عايدة المقيمة في إدلب.
أنجبت عايدة ثلاثة أطفال، اثنان منهما توأم، خلال ثلاث سنوات قضتها معه قبل أن يخرج عام 2018 للقتال ولم يعد، تاركًا إياها دون وثيقة زواج أو إثبات نسب لأطفالها، مما حرمهم من الحصول على هوية أو التسجيل بالمدرسة.
تقول: "إلى الآن لا أعرف الاسم الحقيقي لزوجي، ولا شيئًا عن بلده أو عائلته، حتى أبنائي لا يتذكرون ملامحه".
والآن، بعد مضي أشهر على سقوط الأسد وسيطرة هيئة تحرير الشام وحلفائها من الفصائل على السلطة، تتساءل عايدة، حالها حال سوريات عديدات فقدن أزواجهن، حول ما إذا ستتمكن اليوم من تجنيس أطفالها الذي يُنظر إليهم كمجهولي النسب.
الجهاد إلى سوريا
بدأ تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا مع تصاعد التنظيمات الجهادية في 2012، قبل أن يتضاعف العدد بعد إعلان داعش "دولة الخلافة"، كما يوضح حسام جزماتي، الصحافي المتخصص في الحركات الجهادية، لـ"قنطرة".

أين أحمد؟
يشعر أهالي السوريين المختفين قسريًا بتخلي الحكام الجدد عن قضيتهم بعد سقوط الأسد. فيما يتجول بعضهم في شوارع العاصمة دمشق بحثًا عن أحبائهم وسط ضياع الأدلة.
وكان الدافع الأساسي لهذا التدفق هو "الحميّة الدينية" حسب تعبيره، إذ أثار قمع الأسد العنيف للتظاهرات آنذاك تعاطفًا واسعًا في العالم العربي والإسلامي، خرجت على إثرها فتاوى دينية تحث على الجهاد في سوريا كـ"واجب شرعي"، وأدى ذلك إلى استجابة المتحمسين من عدة دول من شرق آسيا وشمال أفريقيا وحتى من أوروبا.
أتى بعض المقاتلين بمفردهم، فيما اصطحب آخرون عائلاتهم وشكّلوا مجتمعات خاصة بهم، ويؤكد جزماتي أنهم عانوا من صعوبات لغوية وثقافية، وأقام بعضهم أحياء مغلقة زادت من عزلتهم مثل "حي المهاجرين الفرنسيين" أو "حي الإيغور" في إدلب، فيما اختار آخرون الزواج من سوريات، لدوافع دينية واجتماعية.
الاندماج عبر الزواج
ولا توجد إحصائية دقيقة بأعداد المقاتلين الأجانب في سوريا، فيما يعتقد البعض أنهم بالآلاف. ووثق موقع عنب بلدي السوري، عام 2018، نحو 1750 حالة زواج لسوريات من مهاجرين أجانب، أنجبت منهن 1124 امرأة قرابة 1826 طفلًا.
"في كثير من الحالات لا تعرف النساء أسماء أزواجهن الحقيقية، بل فقط كُناهم مثل 'أبو هاجر' أو 'أبو طلحة'، ما يمنع تسجيل الأطفال في أي سجل رسمي أو حتى في المحاكم البديلة"، تقول الناشطة السورية هبة عز الدين، المديرة التنفيذية لمنظمة "عدل وتمكين"، التي عملت على هذا الملف في إدلب تحت حكم هيئة تحرير الشام.

وأضافت أن حكومة الإنقاذ، التي شكلتها هيئة تحرير الشام في إدلب عام 2018، منحت هويات مؤقتة لأطفال المقاتلين، لكنها أبقت مسألة توثيق الزواج والنسب بيد "دار القضاء" التابعة للهيئة، فيما تحتفظ بسجلات حقيقية بأسماء المقاتلين لكنها لا تتيحها لمنظمات المجتمع المدني، مما يعقّد عملية التوثيق الرسمي للزواج.
وأشارت إلى أن بعض النساء اضطررن للجوء إلى محاكم الحكومة المؤقتة في مدن أعزاز أو عفرين، حيث يُطلب منهن أدلة غير تقليدية كالصور أو الشهود، وفي حال فشلن في تقديم ما يثبت الزواج، قد يُتهمن بالزنا، ما يعرضهنّ لعقوبات قانونية واجتماعية قاسية.
ورغم ذلك، لم تتعرض زوجات مقاتلي الهيئة للوصمة نفسها التي لاحقت زوجات مقاتلي داعش وأطفالهن، نظرًا لأن الهيئة حافظت على مسافة من الحياة المدنية وكان المجتمع أكثر تقبّلًا لها.
وتؤكد الحجي أن "الأثر الأعمق هو على الأطفال أنفسهم.. فهم بلا أوراق، بلا مدارس، بلا رعاية صحية، ولا حق في التنقل. إنهم بلا وجود قانوني".
وتستطرد: "كان يكفي أن تُمنح المرأة حق نقل جنسيتها لأطفالها، فهذا وحده كان كفيلاً بتأمين حقوقهم الأساسية، وتخفيف معاناة آلاف النساء"، لافتة إلى أن القانون السوري يحرم المرأة من نقل الجنسية لأطفالها حال زواجها من رجل أجنبي، كما أن القوانين الخاصة التي أقرتها حكومة إدلب في المناطق الخاضعة لها آنذاك لم تعط أيضًا حق للمرأة السورية بتجنيس أطفالها.
"ردّ الجميل"
تعهد الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، في مايو/أيار الماضي، أن حكومته ستنظر في تجنيس المقاتلين الأجانب، الذين اندمجوا في المجتمعات المحلية وتزوجوا من سوريات وأنجبوا أطفالًا، بعد إقرار دستور جديد للبلاد. وقد أثارت الخطوة جدل واسع بين السوريين.
يقول جزماتي إن منح المقاتلين الأجانب حياة مدنية في سوريا، وإدماجهم في الجيش الجديد، يُفهم منه كمحاولة من السلطة الجديدة لردّ الجميل لحلفائها الأجانب. وكان الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام، قد أعلن حلّ الهيئة وجميع الفصائل المسلحة المعارضة ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع.

"أنا الناجي الوحيد من عائلتي"
يروي ناجون من أعمال العنف، التي اجتاحت مدن الساحل السوري خلال الفترة 6-10 مارس/آذار، لموقع "قنطرة" قصصهم. تحذير: تحتوي الشهادات تفاصيل عمليات قتل عشوائية ضد المدنيين العلويين، وقد تكون صادمة.
وقد أعطت الولايات المتحدة الأمريكية، في يونيو/حزيران الماضي، حكومة الشرع الضوء الأخضر لضم حوالي 3500 من المقاتلين الأجانب، معظمهم من الإيغور ودول الجوار، بالانضمام إلى الجيش السوري، وهو ما يترتب لاحقًا في منحهم الجنسية.
ويضيف أن التركيز على تجنيس الإيغور تحديدًا يعود إلى التحالف بين "هيئة تحرير الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني"، الذي يضم مقاتلين من الإيغور خاضوا معارك بارزة، كما يشير إلى أنهم لاقوا تعاطفًا شعبيًا نسبيًا في سوريا، إذ كانوا يبحثون عن وطن بديل يتيح لهم ممارسة شعائرهم بعد فرارهم من القمع الديني في الصين، ولا يُصنَّف حزبهم دوليًا كجماعة إرهابية.
"عقيدة جهادية عابرة للحدود"
ورغم ذلك، أبدى حقوقيون ونشطاء خشيتهم من تلك الخطوة. يقول المحامي والناشط الحقوقي السوري جلال الحمد، إن الخطورة تكمن في دوافع القرار، "إذا كان الهدف من القرار حماية هؤلاء من الملاحقة القانونية أو توفير غطاء للإفلات من العقاب، فهذا انتهاك صارخ لمبادئ العدالة".
يضيف أن هناك تقارير توثق تورط بعض هؤلاء المقاتلين بانتهاكات حتى بعد سقوط النظام، خصوصًا في مناطق الساحل مارس/أذار الماضي، "منح الجنسية يجب أن يستند إلى معايير شفافة، تشمل التحقق من السلوك والاندماج المجتمعي، لا أن تكون مكافأة سياسية أو عسكرية تُوزع بمعايير غير معلنة".

بدوره، أبدى رئيس تحرير منصة الدليل الإخبارية الصحافي السوري، وهاج عزام، رفضه تجنيس المقاتلين الأجانب، معتبرًا أنها تُقوّض مفهوم الدولة الوطنية وأي إمكانية لبناء جيش حقيقي يستند على عقيدة الانتماء للوطن، "المقاتلون الأجانب جاءوا بعقيدة جهادية عابرة للحدود، لا تعترف بفكرة الدولة أصلاً".
ويحذر من أن تجنيسهم يعني إدماجهم في المنظومة السياسية والاجتماعية، دون محاسبة، بما يكرّس الإفلات من العقاب. ورغم ذلك، يرى أنه من حق أطفالهم أن يكون لهم حقوق مدنية، فهم ولدوا في سوريا ومن أمهات سوريات.
فيما تنتظر عايدة مصير أولادها، وتقول: "ابني الأكبر بعمر 9 سنوات ولم يدخل المدرسة بعد.. توسطت لدى شيوخ وأمراء من منطقتنا كي أستطيع تسجيل أولادي، ولكن لم يتغير شيئا حتى اللحظة".
قنطرة ©