دسترة الأمازيغية في المغرب تحيي آمالا بإعلام أمازيغي أفضل
منذ عام ونيف أعلن المغرب عن إطلاق أول قناة تلفزيونية ناطقة باللغة الأمازيغية، جاء ذلك بعد مخاض عسير دام أربع سنوات رافقه جدل لم يسبق أن أثاره أي مشروع إعلامي في المغرب. وقد سُلطت الأضواء على مضمون هذه القناة منذ الأشهر الأولى لانطلاقها، حيث قامت فعاليات أمازيغية منذ الشهر الأول من بثها بإصدار بيانات وملاحظات حول أدائها مطالبة إياها بأن لا تسقط في نفس الأخطاء التي ارتكبتها القناتان الرسميتان الأولى والثانية في ما يخص معالجة المواضيع المتعلقة بالأمازيغية، وهي أخطاء ترتبط في مجملها بحصر الثقافة الأمازيغية في الطابع الفلكلوري، أي التركيز على الفنون والأهازيج الشعبية، وكذا عدم خلق توازن بين اللهجات الأمازيغية الثلاث المنتشرة في المغرب، بالإضافة إلى عدم احترام هذه القنوات للحيز المخصص للأمازيغية في دفاتر تحملاتها /أو دليل عمل كل منها.
"تمازيغت – لم تنجح في تناول مشاكل المواطن الأمازيغي"
تواجه القناة التي تحمل اسم "تمازيغت" انتقادات فيما يخص برامجها التي لم تنجح حسب نشطاء أمازيغ في فك العزلة عن المواطن الأمازيغي الذي يعيش في المناطق النائية، وذلك من خلال تقديم برامج تهم حياته اليومية البسيطة، ويرى هؤلاء النشطاء بأنها قامت بدلا من ذلك بالتركيز على حياة هؤلاء في المدن الرئيسية كالرباط والدار البيضاء. وقد تجدد النقاش هذه الأيام بقوة حول آفاق تطوير عمل هذه القناة ومستقبلها بعد أن نص الدستور المغربي الجديد على أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية، السؤال المطروح، إلى أي حد نجحت القناة في تحقيق الأهداف المرجوة منها، وكيف سيؤثر ذلك على الإعلام بشكل عام، وعلى الإعلام الأمازيغي بصفة خاصة؟
يرى اسماعيل منقاري وهو أستاذ علم الاجتماع و باحث في الإعلام الأمازيغي بأن "تمازيغت" ليست تعبيرا عن الثقافة الأمازيغية، وإنما هي فقط ترجمة للقنوات العربية الموجودة أصلا". ويضيف منقاري في لقاء مع دويتشه فيله، أن القناة "حالها حال القنوات المغربية الأخرى لا تتمتع بالحرية التي تجعلها تعبر عن الذات الأمازيغية في المغرب، أي أنها لم تطلق العنان للإبداع الأمازيغي باستثناء جانبه الفلكلوري فقط". لكن محمد مماد المدير المركزي للقناة الأمازيغية يعتقد أن تأسيس هذه القناة مكسب مهم للمغاربة عموما و للأمازيغ على وجه الخصوص. ويقول مماد في حديث مع دويتشه فيله إن الإعلام الأمازيغي عرف طفرة مهمة خلال العقد الأخير، لكن أهم ما تحقق في هذا المجال هو إنشاء القناة الأمازيغية". ويعتبر مماد أن الانتقادات الموجهة للقناة بخصوص هيمنة الطابع الفلكلوري على برامجها هي "اتهامات رخيصة"، لأن من يشاهد القناة سيعي بأنها "لا تقدم فقط الفلكلور مع أن هذا الأخير يشكل جزءا من الثقافة الشعبية المغربية". أما الناشطون الأمازيغ في المغرب فينظرون بعيون متفائلة إلى دسترة الأمازيغية، وكلهم أمل أن تسهم هذه الخطوة في دعم القناة الأمازيغية من خلال زيادة الموازنة المالية المخصصة لها، وكذا تعزيز حضور الأمازيغية في القنوات المغربية الأخرى.
إشكالية اللغة تحرم الأمازيغية من الفضاء الإلكتروني
و من أبرز التحديات التي تواجه القناة أيضا منذ بدايتها خلق لغة موحدة - أو ما يصطلح عليه في المغرب "لغة معيارية"- تحترم تنوع اللهجات الأمازيغية الثلاث بالشكل الذي يجعلها واضحة ومفهومة لأي أمازيغي يتابع القناة مهما كانت لهجته. ويقول محمد مماد بأن اللهجات الأمازيغية الثلاث حاضرة بالتساوي في برامج القناة. ويضيف، "خلق لغة أمازيغية موحدة ليس مهمتنا، بل مهمة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وهذا مشروع كبير يحتاج إلى وقت لتحقيقه".
وتطالب الحركة الأمازيغية في المغرب بإدراج اللغة الأمازيغية في الإعلام منذ فترة طويلة. ويرجع أول قرار لخلق نشرة أخبار باللغة الأمازيغية في التلفزيون إلى الملك الراحل الحسن الثاني في 20 غشت/ اغسطس 1994، غير أن القرار السياسي الأبرز اتخذه العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2001، عندما دعا إلى ضرورة النهوض بالأمازيغية في مجالات التعليم و الإعلام و كافة النواحي الإجتماعية. وبموجب ذلك تم تخصيص حيز للأمازيغية في برامج القنوات المغربية، هذه الأخيرة تتهمها الفعاليات الأمازيغية بعدم احترام النسبة المخصصة للأمازيغية وبالاقتصار على الجانب الفلكلوري فيما يخص تناول مواضيعها.
وتعتبر الإذاعة الأمازيغية أقدم وسيلة إعلامية ناطقة بالأمازيغية في المغرب حيث تم تأسيسها منذ أزيد من سبعة عقود من طرف المستعمر الفرنسي، ويوجد في المغرب كذلك عدد من الجرائد الموجهة للأمازيغ و هي في معظمها جرائد حزبية. لكن ورغم كل هذه الخطوات تظل الامازيغية غائبة تماما على مستوى الصحافة الإلكترونية، و يعزو اسماعيل منقاري ذلك إلى أسباب تقنية محضة معتبرا أن غياب مواقع أمازيغية يعود إلى أن الأمازيغية لم تصبح بعد لغة إلكترونية، أي أنها لم تدخل بعد إلى نظام "الآلة الراقنة". أما محمد مماد فيرى بأنه "قبل خلق موقع أمازيغي يجب أن تكون حروف تيفيناغ (وهي الحروف التي تكتب بها اللغة الأمازيغية) مفهومة لدى الجميع، في حين أن الذين يفهمونها و يقرؤونها هم نسبة قليلة، و أنا هنا أتحدث عن الحروف وليس اللغة" ويضيف: " هذا مشروع ضخم ليس من المستحيل تحقيقه لكنه يحتاج إلى وقت".
سهام أشطو
مراجعة: ابراهيم محمد
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011