فتاة لاجئة وعداءة دولية...روح لا تُقهَر تبتلعها غياهب البحر
بعد أربع سنوات على مشاركتها في الألعاب الأولمبية التي أقيمت في بكين عام 2008، وصلت حياة الشابة الصومالية سامية يوسف عمر القصيرة إلى نهايتها في مكان ما بالبحر الأبيض المتوسط. فهي كانت تبحث عن حياة أفضل لها، مثل اللاجئين في كل أنحاء العالم، بعيداً عن الحرب والفقر في موطنها. لكنها كانت تحلم بشيء آخر أيضاً، ألا وهو المشاركة في أولمبياد لندن عام 2012. وبينما سيكون من السهل إضافتها إلى قائمة أسماء الضحايا الطويلة، إلا أن قصتها تفضح هذه الصورة وتكشف عن شابة شجاعة عاقدة العزم لم تدع أي أحد يملي عليها كيف تعيش حياتها.
قصة "لا تقولي لي إنك خائفة" من تأليف جوزيبه كاتوزيلا تصور رواية خيالية لحياة سامية، تنشرها دار بنغوين راندم للنشر. روايةُ قصةِ شخص حقيقي بصورة تخيلية أمر ينطوي على مخاطر، إذ بالرغم من أن ذلك يسمح للمؤلف بالتعامل بشكل أقل صرامة مع الحقائق، إلا أن ذلك أيضاً يعني أن علينا المشي على الخيط الرفيع بين القصة التي نريد روايتها والتمسك بالحقيقة.
كما صعّب كاتوزيلا من مهمته هذه أكثر من خلال رواية هذه القصة وكأن سامية نفسها ترويها للقارئ. هذه العملية مليئة بالمصاعب، إذ بالرغم من أنها – إن نجحت – تخلق رابطة قوية بين القارئ وشخصية القصة، إلا أنها قد تفشل فشلاً ذريعاً، فالكاتب يجازف باحتمال بناء شيء يبدو وكأنه مختلق أو حتى فرض مشاعره الشخصية على بطلة الرواية.
ثروة من التفاصيل
لحسن الحظ، فإن كاتوزيلا أكثر تمرساً من أن يقع في مثل هذه الفخاخ. فهو يسمح للقصة بالحديث عن نفسها بكل عفوية، دون تلميعها أو محاولة التلاعب بعواطفنا. من الواضح أنه أجرى الأبحاث اللازمة عن الأوضاع التي تعيشها الصومال وعن حياة سامية بكل دقة قبل أن يشرع بكتابة الرواية، ذلك أنه حمّل توصيفاته لكل منهما ثروة من التفاصيل.
تنقلنا الرواية إلى عالم لم يضطر أغلبنا إلى أن يعيش فيه – لحسن الحظ. فمقديشو أثناء طفولة سامية كانت عبارة عن ساحة حرب بين أمراء الحرب المنتمين إلى قبائل مختلفة من جهة، وبينهم وبين حركة الشباب، وهي جماعة إسلاموية يدعمها تنظيم القاعدة، من جهة أخرى. أصوات إطلاق النار وقنابل الهاون عبارة عن ضجيج مستمر يعيش الناس على إيقاعه حيواتهم. كما أن القتال المستمر والقحط الذي أصاب البلاد جعل من المستحيل بالنسبة لأغلب الصوماليين أن يحظوا بتغذية مناسبة أو أن يؤمنوا قوت عائلاتهم.
الجرأة على الحلم
سامية وعائلتها بنوا واحة من السلام في باحة يتشاركونها مع أفضل أصدقاء والدها وعائلته. وبالرغم من أنهم يتشاركون في منزل ذي غرفتين ولا يوجد لديهم ماء جار ويتناولون القدر الأدنى من الطعام، إلا أنهم يجدون سعادة وبهجة في صحبة بعضهم البعض. ومن خلال تشجيع عائلتها وحبها فقط، وجدت سامية الشجاعة كي تسعى لتحقيق حلمها في أن تصبح عداءة دولية.
كانت سامية وأفضل صديق لها، علي، يعدون في شوارع مقديشو ويحلمون باليوم الذي يمثلون فيه الصومال. علي ذكيّ بما فيه الكفاية ليدرك أنه ليس سريعاً بما يكفي، ولذلك يعيّن نفسه مدرباً لسامية. إن فكرة أن يكون طفلان في الثامنة من عمريهما على قدر من الجدية ليصبح أحدهما مدرباً والآخر رياضياً أمر محزن ولكنه ملهم في نفس الوقت – محزن لأنك لا تصدق بأنهما سيحققان حلمهما، وملهم بسبب ما يحاولان إنجازه رغم كل الظروف المحيطة بهما.
وعلى الرغم من ذلك، نتتبع في الكتاب بكل دهشة كيف يتحول هذا الحلم إلى حقيقة، وكيف بدأت سامية في المشاركة بسباقات الجري، وكيف تهزم متسابقات مخضرمات بالرغم من كل شيء، وكيف طُلب منها أن تمثل بلادها في أولمبياد عام 2008. تفوقت المتسابقات الأخريات عليها بسبب عدم حصولها على تدريب مناسب ومعاناتها من سوء تغذية مقارنة بالرياضيات الأخريات، وأنهت سامية سباق التأهل لمسافة 200 متر في ذيل القائمة. لكن ذلك فتح شهيتها أمام المشاركة مرة أخرى بعد أربع سنوات في لندن.
لسوء الحظ، فقد تدهورت الأوضاع في الصومال، وأصبح نفوذ حركة الشباب في مقديشو كبيراً لدرجة لم يعد بإمكان فتاة أن تتدرب هناك كرياضية. كان على سامية الخروج ليلاً والتسلل إلى الاستاد الرياضي في مقديشو، الذي تحول إلى أطلال بسبب الحرب، للتدرب هناك. بعدها حلت الطامة وقُتل والدها على يد حركة الشباب، واكتشفت سامية أن صديق عمرها علي مسؤول عن ذلك بشكل ما. لذلك، تقرر سامية مغادرة الصومال.
قرار مصيري
خطة سامية كانت السفر إلى إريتريا المجاورة والمشاركة في التدريب مع الرياضيات هناك للتنافس في أولمبياد 2012. ولكن عندما تواجه بحقيقة أن عليها الحصول على الأوراق اللازمة من الصومال للمشاركة في التدريب، وبعلمها أن حركة الشباب لن تقدم الأوراق على الإطلاق، تقرر سامية أن تسافر إلى لندن وحدها. وبالرغم من أن شقيقتها الكبرى تمكنت من قطع الرحلة الطويلة والخطيرة من الصومال إلى أوروبا، فإن سامية لا تدرك خطورة هذه الرحلة إلا عندما تقوم بها بنفسها.
من خلال روايته لقصة سامية، لا يقوم كاتوزيلا بعمل رائع في إبراز واقعها وحسب، بل وتمكن من تصوير الروح اللتي لا تقهر لهذه الشابة والتي دفعتها إلى الأمام طوال حياتها. وبالرغم من أنني وجدت هذه الفكرة في بادئ الأمر مبسطة، إلا أنني صرت أقدّر هذا الأسلوب البسيط لأنه يسمح بإبراز القصة بشكل أكثر وضوحاً. فبدل استخدام كلمات منمقة أو حشر نفسه في القصة، فإننا نرى كل شيء من وجهة نظر شخص تشكلت حياته في منطقة حرب.
هذا لا يضفي واقعية على الكتاب وحسب، بل ويجعل القصة أقوى. فهو لا يتحدث فقط عن حياة شابة رائعة انتهت مبكراً، بل إن فيه إدانة لعالم سمح بحدوث هذه القصص التراجيدية. إنه كتاب محزن ومبهر حول شابة، مثلها مثل أي لاجئ، استحقت قدراً أفضل. لا يروي كاتوزيلا حياة سامية يوسف عمر وحسب، بل ويبرز في ذات الوقت تجربة كل لاجئ. أتحدى أن يقرأ أحد هذا الكتاب دون أن تتحرك عواطفه.
ريشارد ماركوس
ترجمة: ياسر أبو معيلق
حقوق النشر: موقع قنطرة 2016