«مَن يملك الماضي» في المتحف الآخر؟
«إن الأضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها شعب ما، إنما تمس التراث الثقافي الذي تملكه الإنسانية جمعاء، فكل شعب يساهم بنصيبه في الثقافية العالمية»، بهذه العبارة، تستهلّ اتفاقية لاهاي (1954) لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نشوب نزاع مسلح ديباجتها.[1] وتحظى هذه «الممتلكات التي تقرر كل دولة، لاعتبارات دينية أو علمانية، أهميتها لعلم الآثار، أو ما قبل التاريخ، أو التاريخ، أو الأدب، أو الفن، أو العلم»،[2] بهذه الأهمية لما تنطوي عليه من مضامين ثقافية واجتماعية وعقائدية وعلمية وفنية، وبوصفها تراثًا إنسانيًا يشكل حصيلة المعارف والخبرات الإنسانية عبر أجيال من الزمن، الأمر الذي يستوجب حمايتها وصونها وتسييرها إلى الأجيال المتعاقبة.
ولأهميتها الخاصة لدى الجماعات المنتِجة أو الحامِلة أو الناقِلة لها، ولمَّا كانت تعبر عن روح هذه الجماعات؛ فإن الممتلكات الثقافية كانت ولا تزال، عرضةً لأخطار الحروب والنزاعات المسلحة ومحلًا للهجمات الانتقامية، بغية تدمير الروح المعنوية للخصم وطمس هويته وكينونته الثقافية. وهو ما وصفه فرانسوا بونيون بـ«أنه مظهر من مظاهر الانزلاق إلى هاوية الحرب الشاملة، وهو في بعض الأحيان يمثل الوجه الآخر للإبادة الجماعية».[3]
نشأة الحماية الدولية وتطورها
مع اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789، باتت الآثار الثقافية التاريخية ملكًا عامًا للشعب الفرنسي، وأُخضعت المجاميع الثقافية الخاصة للتأميم بموجب مرسوم كونفيت لعام 1791. ونتيجة العنف الذي تلا الثورة، وما رافقه من تدميرٍ لتراث العصور المظلمة، صدر مرسوم يقضي بتجريم الاعتداء على التحف الفنية في الحدائق العامة الفرنسية. تلاه مرسومٌ آخر ينص على معاقبة كل من يقوم بإتلاف الآثار الموجودة على الأرض الفرنسية. وقد شكّل هذان المرسومان الأساس القانوني للمادة 257 من قانون العقوبات الفرنسي لعام 1810، والذي كرَّس لأول مرة مفهوم تجريم تخريب الآثار وإتلافها وشمول الآثار بالحماية القانونية الجنائية.
https://www.7iber.com/culture/%D9%85%D9%8E%D9%86-%D9%8A%D9%85%D9%84%D9%…