العلمانية والحرية

وافق البرلمان في باريس على القانون الخاص بمنع الرموز الدينية بما في ذلك الحجاب في المدارس الفرنسية. أحمد فاروق استطلع رأي عدد من المثقفين العرب والأجانب حول هذه القضية الساخنة

​​يناقش القانون الفرنسي الخاص بمنع الرموز الدينية حاليا في البرلمان في باريس. أحمد فاروق استطلع رأي عدد من المثقفين العرب والأجانب حول هذه القضية الساخنة

ضيوفنا هم الدكتور نصر حامد أبوزيد أستاذ كرسي ابن رشد بجامعة أوترخت بهولندا، وشيبنام باهاذير المتخصصة في دراسات التواصل بين الثقافات والمدرسة بجامعتي ماينتس/ألمانيا واسطنبول ونفيد كرماني الكاتب والصحفي والمختص بالشؤون الإسلامية، والمخرجة والشاعرة المصرية صفاء فتحي المقيمة بباريس والتي قدمت من خلال أحد أفلامها القصيرة صورة لحياة فتاة من المغربيات المسلمات في صراعها بين ثقافتين.

نصر حامد أبو زيد: الأفضل تجنب الاحتقان

​​للأستاذ الدكتور نصر حامد أبو زيد رأي في القانون الفرنسي ويرى المسألة من منظورين:

"هناك نقطتان يجب أن أشير إليهما. لا شك أن هذا القانون ينطلق من مفهوم العلمانية الفرنسية، ويحرص على عدم التمييز بين المواطنين على أساس ديني أو عرقي أو أي أساس آخر. الذي يجمع المواطنين هو فكرة المواطنة. هذا أمر لا بد أن نتفق عليه.

لكن الأمر الآخر هو هل إصدار قانون سيحل هذه المشكلة، إذا كانت هناك مشكلة؟ أم أنه بشكل أو بآخر قد يتعارض مع العلمانية المنفتحة؟ لأن هناك نوعين من العلمانية: العلمانية المنفتحة والعلمانية المستَبعِدة. العلمانية المنفتحة تتعامل مع الرموز الدينية باعتبارها رموزا فردية تخص كل جماعة أو تخص كل فئة أو تخص الأفراد أنفسهم.

من هذا المنطلق، أرى أنه كان يمكن معالجة المشكلة ـ إذا كانت هناك مشكلة ـ بطريقة أخرى غير إصدار قانون، الأمر الذي يؤدي إلى ردود فعل داخل المجتمع الفرنسي وخارجه عند المسلمين في العالم العربي بصفة خاصة. يعني يؤدي إلى مزيد من احتقان العلاقة. وهذا أمر ليس مطلوبا على أى حال.

وحول إمكان وجود تأثيرات سلبية على اندماج الأقليات المسلمة في فرنسا، من جراء القانون الجديد، يقول أبوزيد:

"هذا ما أخشاه، خاصة وفيما قرأت أنه قيل إن من تريد أن تتمسك بالحجاب فيمكن أن يقيم المسلمون بأنفسهم مدارسهم الخاصة التي يقبلون فيها المحجبات.

لو أن هذا صحيح، فهذا معناه أن القانون سيؤدي إلى الانعزال بين المواطنين على أساس ديني، يعني سيؤدي القانون إلى عكس النتيجة المفترضة من صدوره، وأنا أعتقد أن المشكلة مشكلة سياسية، هناك ضغوط من القوى السياسية اليمينية في المجتمع الفرنسي، هناك انتخابات محلية قادمة، وربما يكون إصدار قانون ضد الحجاب جزءا من هذه القضية الانتخابية.

هذا أمر مخيف في الواقع، وهذا معناه أن العلمانية التي تدعي فصل الدين عن السياسة، تستخدم الدين لأغراض سياسية، يعني هناك مشكلات كثيرة كنت أعتقد أن صانع القرار الفرنسي كان يجب أن ينظر إلى المسألة بشكل أعمق من مجرد الانتخابات القادمة أو مجرد الاستجابة لضغوط اليمين، لأن اليمين سواء كان اليمين الفرنسي أو اليمين الهولندي أو اليمين في أي منطقة من العالم هو مضاد للأجانب بصفة عامة. أنا أعتقد أن هذا القرار لم يكن حكيما."

صفاء فتحي: القانون الفرنسي حماية للفتيات من ضغوط الجماعة

أما المخرجة والشاعرة صفاء فتحي فترى أن الحجاب هو أحد سبل القمع التي تمارسها الجماعة على المرأة:

"ظاهرة الحجاب في فرنسا ظاهرة حديثة جدا، تفاقمت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ومرتبطة تماما بالصحوة الدينية السياسية المتطرفة في العالم العربي نفسه. ومن ثم، فإنها مجرد صدى لما يحدث في خارج العالم العربي. باعتبار أنها أصداء لما يحدث في باكستان وأفغانستان.

الحكومة الفرنسية تحاول الحد من المناخ الذي يتفاقم ويفرض نفسه على الضواحي الفرنسية العامرة بالجالية العربية المسلمة والجالية التركية المسلمة، والتي بدأت الآن تضع الحجاب على رؤوس فتياتها الصغار، ابتداء من سن الثامنة أو أقل.

إذن، فالموضوع يأخذ شكل الحركة السياسية والدينية التي شاهدت أنا شخصيا ظهورها وتطورها في مصر (في المنيا خصوصا) في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات. فالحكومة الفرنسية تجد نفسها أمام ظاهرة غريبة عليها وهي ظاهرة الحجاب الذي يفرض نفسه على الجماعة العربية المسلمة أو الجماعة المسلمة في فرنسا.

والكل يعلم أن فرنسا هي تقريبا الدولة الوحيدة في العالم التي تفصل بحق بين الدين والدولة، وبين قوانين الدولة والقوانين الدينية. هناك اضطهاد حقيقي للعرب في فرنسا، وإن كانت حدته أخذت تقلّ عن ذي قبل.
إلا أن موضوع الحجاب يمثل خطوة في الحماية من التفرقة العنصرية التي تأخذ شكل العلامة الدينية، وهو مقتصر على المدارس الحكومية.

إذن الموضوع ليس اضطهادا للعرب ولكنه يخص المدارس فقط ولا يشمل الجامعات التي لا تندرج تحت هذا الموضوع، ولا أماكن العمل ولا الشارع أيضا. أنا شخصيا وابتداء من هذا الموقع ومن هذا التاريخ ومن خبراتي وتجربتي الخاصة، أنا مع وجود قانون يمنع أو يحمي الفتيات اللاتي لا يردن ارتداء الحجاب من الضغوط التي تمارس عليهن.

فالموضوع هنا موضوع جماعة تتلفع نساؤها بالحجاب وتفرض نفسها عن طريق هذا الحجاب. والكل يعلم، ونحن نعلم أن الحجاب الذي ترتديه المرأة ليس له علاقة بالحرية الشخصية فهو علاقة جماعية تدمغ المرأة بدمغة الجماعة، أي انتمائها العربي المسلم، أو انتمائها المسلم".

نفيد كرماني: مثل هذه القوانين يعرقل الاندماج

نفيد كرماني، الباحث الألماني المنحدر من أصل إيراني، تطرق إلى القانون الفرنسي وإلى ما يدور من حديث في بعض حكومات الولايات الألمانية عن منع الحجاب في المدارس:

"لا بد أن نميز أولا أن القانون الفرنسي رغم تشدده لا يتضمن عدم المساواة بين الأديان، فهناك استبعاد لكل الرموز الدينية من المدارس وبذا يسري الأمر على القلنسوة اليهودية والصلبان الضخمة أيضا. وبالتالي فمشروع القانون في فرنسا مختلف عن ما تنوي بعض الولايات الألمانية إقراره بشأن منع الحجاب، حيث من الواضح أن المستهدف هو منع الرموز الدينية للإسلام وحده في الفصول المدرسية.

وأظن أن في ذلك تمييزا، حيث أنه لا يمكن التعامل مع الحجاب كرمز للتطرف ومعاداة الدستور، ومن يفعل ذلك يدعم القراءة المتطرفة للإسلام ويستبعد المعاني الأخرى للرموز الدينية. إنني أرى مثل هذا التصرف لا يأتي من حكومة علمانية".

وعما إذا كان تطبيق مثل هذه القوانين سيعمق شعور المسلمين في ألمانيا بالاضطهاد، قال كرماني:

"بالطبع، لأن ذلك لن يسهم فقط في أن يشعر المسلمون بعدم انتمائهم لهذا المجتمع، بل سيصبح لديهم شعور أقرب إلى أن هذه ليست بلادهم وليست دولتهم وليس هذا كيانهم الجماعي ولن يؤدي ذلك إلى خير. لن يكون ذلك جيدا للاندماج خاصة بالنسبة للأتراك في المدن الكبرى وخاصة أبناء الجيل الثاني منهم. فبعضهم يعيش في عالمهم الخاص وكثير منهم لا يتحدث الألمانية، لا بد أن تؤخذ هذه المشاكل بجدية في ألمانيا."

شيبنام باهاذير: التعامل مع الحجاب كمظهر ثقافي

شيبنام باهاذير المتخصصة في مجال التواصل بين الثقافات والتي عملت في كثير من برامج الاندماج والتفاهم بين الشعوب، تنظر إلى قضية الحجاب في فرنسا من منظور علم الاتصال بين الثقافات:

"أريد أن أقول مبدئيا، ومن منطلق هذا الوقت عام 2004، أن القانون الفرنسي يتضمن تقييدا لحرية المرأة، وأريد أن أؤكد خصيصا على أنه ينتقص من حقوق المرأة. يظن البعض أن منع الحجاب يمكن أن يحد من الرموز الدينية للإسلام. لكن الأمر يتعلق في المقام الأول بالنساء.

من المفهوم أن العلمانية الفرنسية تفصل تماما بين الرموز الدينية وبين الدولة، لكن النظام العلماني يعد على هذا النحو متقادماً وغير معاصر. من الممكن طبعا أن نقارن ذلك بتركيا، لأن لديها نظاما مشابها مقتبسا عن فرنسا تم تطبيقه أثناء قيام الجمهورية.

لكننا لا بد أن ندرك أن تركيا قد اتخذت هذا النظام في ظل خلفيات تاريخية أخرى، في وقت مختلف، في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، أي منذ سبعين أو ثمانين سنة تقريبا. وذلك من أجل محاربة الامبراطورية العثمانية الهرمة المتدينة ولفصل سلطة الدين عن الدولة.

من الممكن مقارنة النظامين الفرنسي والتركي، لا يمكنني القول إن اتخاذ مثل هذه الخطوة في فرنسا غير مفهومة وغير قابلة للتفسير، لكنني كنت أتوقع بالأحرى ألا تتخذ مثل هذه الخطوات في فرنسا. في تركيا مثلا منذ عشر سنوات يحاول الناس ليس على المستوى القانوني ولكن على المستوى الاجتماعي والسياسي تغيير هذا الموقف المتشدد من الحجاب.مع الوقت تزداد الثغرات في النظام العلماني التركي.

أنا أدرّس في أحدى جامعات اسطنبول في الفصل الدراسي الصيفي. ورغم أن القاعدة أنه ممنوع على مرتديات الحجاب الدراسة بالجامعة، إلا أن الأساتذة والاتحادات الطلابية يميلون إلى تغيير الأوضاع. فعندما أقول إن إحدى طالباتي تستطيع الحضور إلى محاضرتي مرتدية الحجاب، عندئذ يمكنها عمل ذلك. ويبيّن ذلك أن سلطة الدولة لم تعد قادرة على التدخل بشدة كما كان هو الحال من قبل".

:وترى الباحثة التركية شيبنام شيبنام باهاذير أن الحجاب طريقة ملبس وعادة

"لا بد أن ننظر إلى الحجاب ليس فقط بوصفه رمزا دينيا، بل كمظهر من المظاهر الثقافية المتعددة الموجودة في هذا العالم. من موقعي كمتخصصة في هذا المجال تمنيت أن يتاح مستقبلا كل شيء، لأن الممنوع مرغوب وحينما نمنع شيئا يكتسي صورة بطولية ويجذب الشباب، ولكن إذا اعتبرنا الحجاب واحدا من ضمن المظاهر المتعددة، فسيتم التعامل معه بصورة طبيعية مثل الملابس والأزياء الأخرى كالطاقية أو الريشة أو قصة البانك.

في ألمانيا، أظن أن المدرسات اللاتي يرتدين الحجاب ظاهرة صحية في المدارس الألمانية لأن الآخر الذي أميزه وأعزله، حينما يصبح ضمن النخبة في مجتمعي فلن يكون بهذه الغرابة، ستكون المدرّسة المحجبة واحدة بين كثيرات. أنا لا أعتقد أن منع الحجاب سيتسبب في تحديث الأسر المسلمة والنساء المسلمات اللائي ينعتن بالتخلف والرجعية، بل على العكس من ذلك."

أحمد فاروق، دويتشه فيلله 2004