هل يعلن مشرف الأحكام العرفية؟

تشكل الدراما التي أحاطت بعودةَ نواز شريف القصيرة إلى الباكستان في العاشر من أيلولِ/سبتمبر وإعادته مرة أخرى الى المنفى تطورا خطيرا حتى بمعايير الظرف الباكستاني السياسي العاصف نفسه. تقرير كتبه عرفان حسين عن احتمالات تطور الوضع هناك.

نواز شريف سياسي كَانَ رئيسَاً للوزراء مرّتين، ومع ذلك عُومل بخشونة وأُلقي القبض عليه واقِتيد عسفا إلى طائرة كانت تنتظره، لتقلع به إلى العربية السعودية. وعلى الرغم مِن كل التوقّعاتِ، عجز أنصاره عن إختِراق نقاط السيطرة، التي أقامتها الشرطةِ، لإسْتِقْبال زعيمِهم، مثلما عجزت الحكومة عن إحتِواء المظاهراتِ.

إتفاقية منفى مفروضة

لقد أُنْتِخِبَ نواز شريف في 1990 و1996، ولكن الجيش لم يسمح له بإكْمال أيٍّ من الفترتين الإنتخابيتين. وأخيراً عندما طَرد مِن قِبل الجنرالِ مشرّف في 1999، فإن نواز شريف إختارَ المنفى في العربية السعودية بدلاً مِن أَن يسجن، ربما مدى الحياة، في باكستان. وطبقا لشروطِ إتفاقيةِ المنفى، وهي مُتَنازَعٌ عليهاِ، وافقَ نواز شريف على الإمتِناع عن النشاطِ السياسيِ لمدّة عقد من السنين.

ورغم أنه أنكر أنه كان قد قبل بإتفاقيةِ كهذه، إلا أنه أُجبرَ على الإذعان حين وَصلَ رئيسِ الإستخبارات السعوديِ إلى باكستان لتَأكيد الشروطِ، وحَث نواز على الإلتزام بتعهده. إن ما دَفعَ شريف على إعلان عودتِه هو قرار المحكمة العليا بأنّ أيّة إتفاقية حَصلت تحت الإكراه تعتبر باطلة وملغيَّةَ، فوفقاً للدستور لا يُمْكن أنْ يُمنَعَ أي مواطن باكستاني مِن العَودة الى بلاده.

قراره في العودة كََهرَبَ البلاد التي راح يروج فيها الحديث عن صفقة محتملة بين بنازير بوتو، رئيسِة الوزراء السابقةِ ورئيسة حزب الشعب الباكستاني، والجنرال مشرّف، رئيس الجيشِ ورئيسِ البلاد.ِ فمنذ أن استلم مشرف مهام السلطة إستمر في توجيه اللوم والإزدراء الى كل من شريف وبوتو وأعلن مراراً أنه لن يُسقطَ تهمَ الفسادِ ضدّ أيّ منهما.

صفقة خلف الكواليس

ولكن سراً خلف الكواليس، كَانت هنالك إتصالات بين السيدة بوتو والجنرال مشرف تهدف إلى تقاسم السلطة لغرض توسيع قاعدة الحكومة. وكان البريطانيون والأميركيون متحمّسين للتَوَسُّط في مثل هذا الصفقةِ لشعورهم بأن هذا الأمر سيُمكّنُ مشرّف من مُوَاجَهَة طالبانِ على الحدودِ الأفغانيةِ بصورة أكثر فعالية.

ومُقابل دعمِها، طَلبَت بنازير بوتو بأنّ تُْسقط كُلّ تهم الفساد ضدّها وضد زوجِها، عاصف زارداري. بالإضافة إلى ذلك طلبت بوتو أن يتم إبطال قانون تمّ تشريعه في ظل حكم مشرف يحدد قدرة الفرد على شغل منصب رئيس وزراء لفترتين إنتخابيتين فقط. ولكي تجعل هذه المفاوضات مستساغة، أخبرت بوتو مؤيديها بأنها تستهدف خَلْق فضاءِ سياسيِ ولضمان إنتخاباتِ عادلةِ (موعد الإنتخابات بعد ستة أشهر من الآن).

عودة شريف المفاجئة

لكن الإنتخابَات الحاسمَة إنما هي إنتخابات الرئاسةِ. إن مشرّف متحمّس لأن تتم إعادة إنتخابه من دون أن يتخلّى عن موقعه العسكري. إنه يدرك تماماً أنه عندما يصبح مدنياً فإن وريثه، رئيس الجيشِ الذي سيأتي بعده، قَد يَتخلّصُ منه. ويفضل مشرف أَنْ يُنتَخبَ من قبل الجمعياتِ الحاليةِ بدون خلع زيه العسكرية.

لكن الأحزاب الديمقراطية متفقة على أنها لن تقبل بجنرال في الجيش كرئيس لخمس سَنَواتِ أخرى. وبينما كانت المحادثات بين مشرّف وبوتو في تقدّم، جاء قرار شريف المفاجئ ليعكر كل شيء. إن عودته المنتصرة إلى باكستان تُزعجُ حسابات مشرّف (والأمريكيين) لأنه السياسي الأكثر شعبيةً في البنجاب، والتي هي أكبر محافظة في باكستان. إن معارضته الشديدة لمشرّف جعلته شريكاً غير محتمل في أية صفقة لذلك كان لا بد من إستبعاده.

ولأيام قبل عودتِه، كان هناك الكثير من التخمين المحموم حول تأثيرِه على المشهدِ السياسيِ، حيث قامت الدوائر الحكومية بإلإحتراز الشديد لإحتِواء مضاعفات عودته. وتم نشر حوالي 20,000 شرطي وفي عملية وقائية واسعة تم إعتقال الآلاف من مؤيدي شريف بالإضافة إلى شخصيات معارضة أخرى.

في الحقيقة، كَانَ هذا أكبر إستعراض للقوة قامت به حكومة مشرف في السنوات الثماني الماضية. ولو أن مشرف كان قد أبدى نفس قدر الحماسةَ في إتِّخاذ إجراءات صارمة ضدّ المتطرّفين والعناصر الجهادية لكانت باكستان والمنطقة اليوم أكثر سلاما.

هل يتحدى القضاة مشرف ثانية؟

وعلى أي حال يَبْدو أن نفي شريف إلى العربية السعودية إستهانة وتحد لأمر المحكمة لأن قرار المحكمة العليا ينص على أنّه يَجِبُ أَنْ يُسْمَحَ للعَودة بدون 'عائق". السؤالَ الكبيرَ هو: هل سترد المحكمة بجد على تحرّكِ الحكومةَ؟ فإذا ما طلبت المحكمة بإعادة شريف وأصدرت بلاغات إلى مسؤولين كبار في الحكومةِ تتهمهم بتحدي المحكمةِ او الإستهانة بها فإن ذلك سيَقُودَ باكستان نحو الحكم العرفي.

ونظراً لإستقلال المحكمةَ وفاعليتها، يشير أكثير من دليل إلى أن القضاة سيواجهون مشرّف. وكما تبين في الحركة القضائية الأخيرة، فإن المحامين والقضاة يَتمتّعونَ بإحترامِ كبيرِ ودعم من أجهزةِ الإعلام والمجتمع المدني.

لكن مشرّف كان قد بدا بأنّه أكثر مِنْ راغب في استِعمال القوةِ للإطاحة بأيّ تحدٍّ لسلطتِه. وهذا يَدْحضُ الحجّةَ القائلة بأنَّه يرغب في إشراك بوتو في السلطة إذا ما توصل الطرفان إلى إتفاقية. إن مشرف، بعقليتِه العسكريةِ، مؤمن قوي بـ"وحدةِ القيادة" وهي عبارة طالما إستخدمها. لذا بينما يمثل مشرّف وبنازير بوتو لواشنطن فريق الأحلام، إلا إن الحقيقة تظل مختلفةُ جداً.

بقلم عرفان حسين
ترجمة كامل الزيادي
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

الجيش كمشروع تجاري في الباكستان
صدر مؤخرا كتاب بعنوان "الشركة العسكرية" للكاتبة عائشة صديقه عن الدور الذي يلعبه الجيش في الباكستان في السيطرة على الصناعة والمصارف والعقارات. تفضح الكاتبة الأسباب التي سوف تجعل العسكر يدافعون عن سلطتهم السياسية.