محمية دولية!
قرر البرلمان الألماني (بوندستاغ) تمديد فترة انتداب القوة العسكرية الألمانية في أفغانستان، وصدر هذا القرار بعد انقضاء خمسة أعوام على انتهاء حكم طالبان هناك. كان بعض النواب قد طالبوا بسحب القوة الألمانية، لكن هذا المطلب لم ينظر إليه بعين الجدية. على العكس فإن قوات إيساف ISAF ستكثف في غضون الأشهر القادمة معدل تواجدها حتى في المنطقة الشرقية من أفغانستان. من جانب آخر هناك ما يبرر الأصوات التي أخذت تطالب بتعديل استراتيجية عمل قوات إيساف .
لقد اعتمدت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) منذ شهر يوليو/تموز في جنوب البلاد خطا اتضح بأنه حافل بالأخطار وذلك لخلط الخط الجديد بين مهام عسكرية مختلفة. فقد بدأت تتلاشى على نحو متزايد الفروق الدقيقة الثابتة المعمول بها في الأصل بين مهمة قوات التحالف التي كانت حتى بداية أكتوبر/تشرين الأول خاضعة للقيادة الأمريكية المعنية بتسديد الهجوم على الطالبان وعلى من يفترض بأنهم يمارسون عمليات إرهابية وبين مهمة إساف التي اتسمت بناء على البيانات المعلنة بصفة مغايرة للمهمة الأولى.
عدم ارتياح السكان
أعلنت قوات الناتو المرابطة في جنوب أفغانستان مؤخرا بأنها قد أنجزت بنجاح الجزء الأول من الهجوم الذي شنته على طالبان. وأضافت بأن هذا خلق العوامل اللازمة لجعل قوات إيساف تنتقل إلى هذه المناطق بهدف القيام هناك أيضا بمهمة إعادة الإعمار بشقيها "المدني والعسكري".
قال في هذا السياق القائد الأعلى لقوات الناتو في أفغانستان، الجنرال دافيد ريتشاردز، في معرض حديثه عن التحديات الزمنية: "لدى قواتنا ستة أشهر من الزمن من أجل تحقيق النصر. وإلا واجهنا خطر كف السكان عن تقديم الدعم اللازم لنا".
يبدو أن الوضع الدقيق الذي كان محتملا في السابق أصبح اليوم واقعا حيا. فالسكان الأفغان لا سيما في المناطق الجنوبية من البلاد يشعرون بأن هناك تراجعا لا تقدما في برامج الإعمار مقارنة بالعاصمة كابول أو بشمال البلاد. كما أنهم يرزحون تحت طائل التنكيل سواء من قبل قوات الشرطة النظامية أو من قبل طالبان. في هذا السياق يستخدم المفوض الخاص للأمم المتحدة الألماني توم كونيغز عبارة "ثورة شعبية" وصفا لحالة السكان هناك.
هناك عدم ارتياح متزايد في صفوف السكان يستهدف أيضا التلاعب بالمساعدات الإنمائية، اتهام موجه ضد الرئيس كرزاي شخصيا بحجة انه سلبي في التصرف أو مراع لسياسيين وأشخاص آخرين ثبت بأن أيديهم ملطخة بالدماء أو بكونهم متورطين بالرشوة والفساد. كل هذا جعل شعبية كرزاي تنزلق إلى حد أدنى.
أوهام الديمقراطية
بناء على رؤية السكان اتضح في هذه الأثناء بأنهم يعتبرون انتخابات الرئاسة والبرلمان بأنها ليست في الأغلب إلا إجراءات لفرض الديموقراطية من أعلى إلى أسفل. وسرعان ما بدأ السكان يشعرون بأن حماسهم في السابق كان مبنيا على الأوهام نظرا لهيمنة قادة المجاهدين والمليشيات على مجريات المجلس الشعبي مع أنهم ارتكبوا جنحا في الماضي ويتسمون اليوم بالفساد.
على مستوى القاعدة الشعبية أي داخل القرى يلاحظ وجود توترات بين أصحاب التوجهات السياسية الجديدة وبين القيم التقليدية التي يدين بها السكان. فبجانب مجالس الشورى القائمة والتي أثبتت فاعليتها على امتداد عدة عقود من الزمن، تم بسرعة متناهية إنشاء لجان تعمل في إطار برامج متعددة على أسس سياسية من جانب ووفقا لمعايير جنس الأعضاء الممثلين فيها من جانب آخر.
هذا مع العلم بأن هناك تضاربا بين القيم التي يؤمن بها السكان المحليون وبين الشروط التي يضعها مانحو المساعدات الإنمائية المفتقدون إلى الصبر فيما يخص الالتزام بتلك الشروط.
الهوية المهددة
بعض النقاد يأخذون على الأوضاع الراهنة كون أفغانستان قد تحولت بكاملها إلى معسكر ضخم يهدف إلى إعادة تربية السكان. فتقريبا كل التصورات والقيم التي يدين بها أبناء هذا البلد أصبحت منذ السنوات الخمس الماضية ملغية أو مثار جدل ونقاش على الأقل حول أحقية سريانها.
هذه المسألة تخلق معاناة لدى السكان بشأن هويتهم وإحساسهم بالثقة بأنفسهم، الأمر الذي جعل الكثيرين من الأفغان يشعرون بالمعاناة بسبب وقوعهم تحت وطأة النفوذ الأجنبي الغريب عنهم.
بعض شرائح السكان في مدينة كابول باتت تعتبر مصطلح "الديموقراطية" حتى مرادفا للسباب نظرا لأن صورة مدينتهم في الداخل قد تغيرت معالمها ليس فقط نتيجة للمساعدات الإنمائية بل كذلك بسبب توفر المشروبات الكحولية وانتشار الدعارة فيها. يأتي بالإضافة إلى ذلك أن الهوة القائمة بين الفقراء والأغنياء تزداد يوما بعد يوم.
يرى الخبراء بأن محاولة تكريس المزيد من حقوق المرأة تتسم هي أيضا بطابع إجباري مصطنع إلى حد كبير. ولعل تزايد الهجمات الواقعة مؤخرا على مدارس البنات الجديدة يشكل أحد ردود الفعل على ذلك.
محمية دولية
في واقع الأمر باتت أفغانستان منذ خمس سنوات بمثابة محمية تابعة للولايات المتحدة والأمم المتحدة والمؤسسات المالية الكبيرة كالبنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي. فأكثر من ثلثي مجموع الميزانية العامة لأفغانستان مشتق من مصادر أجنبية.
بمعنى أن الدولة الأفغانية نفسها تملك حق التصرف بـ 25 بالمائة فقط من مجموع الإعانات المالية الني تحصل عليها. وهذا يولد روح الإحباط حتى على أعلى مستويات الدولة. ولو كان حق المشاركة في هذا السياق أكبر مما هو عليه الآن لانعكس ذلك بالإيجاب على مصداقية الحكومة والبرلمان في أعين السكان. تبرر الدول والجهات المانحة توليها بنفسها القدر الأعلى من حرية التصرف في توزيع المساعدات المالية بانتشار الفساد والرشوة في أفغانستان إلى حد كبير.
لا شك أن هذه المسألة تشكل صلب الإشكالية. لكن الملاحظ أن التلاعب بالمساعدات وسوء الإدارة وتردي المقدرة المهنية أمور قائمة لدى الأطراف الدولية المانحة أيضا. فالطريق السريع بين كابول وكاندهار اعتبر عملا إنمائيا نموذجيا، ثم تبين بعد سنتين فقط من إنجازه بأنه في حاجة إلى الترميم والتصليح.
من أسباب ذلك أنه استخدم في بنائه أرخص أنواع خلط القطران. في هذه الحالة وفي غيرها من المشاريع الإنشائية تم استخدام كميات كبيرة من الأموال على نحو لا يتماشى مع المهمات الأساسية لهذا الغرض، حيث أنفقت من قبل الشركات الأمريكية الاستشارية رواتب لكبار الموظفين العاملين في المشروع ولمساكنهم الوثيرة الفخمة.
حكومة قائمة على الفساد
بناء على رؤية منظمة رقابة الأمانة المهنية لأفغانستان (مقرها كابول) Integrity Watch أهمل الغرب ملف مكافحة الرشوة فترة طويلة. وقد أعد مؤتمر أفغانستان الدولي في نهاية يناير/كانون الثاني من عام 2006 الجاري في لندن خطة تحمل اسم "أفغانستان بتركيز" هدفها استعادة الثقة المفقودة بالغرب.
من مهام هذه الخطة المساهمة في مكافحة الرشوة والفساد وخلق المزيد من شفافية الإنجاز. لم تفرز الخطة حتى الآن نتائج تستحق الذكر، وهنا تدّعي الحكومة الأفغانية بأن العديد من مشاريع المساعدات لا يتجاوب مع الأولويات القائمة في رؤية السكان. من الضروري في هذه الحالة أن تكون الدول المانحة قادرة على تفنيد مثل هذه الاتهامات.
في واقع الأمر لا يصل من المساعدات الحكومية المقدمة من ألمانيا والبالغ مجموعها 80 مليون يورو سوى قسط ضئيل إلى السكان مباشرة. فالقسط الأكبر من تلك المساعدات يستخدم بشكل رواتب وتكاليف إدارة ومواد لصالح منظمات حكومية أو شبه حكومية.
وفي أفضل الأحوال يتبقى قسط قدره 30 بالمائة من مجموع المساعدات أي حوالي 25 مليون يورو. مقارنة بذلك تبلغ تكاليف عمليات الجيش الألماني في أفغانستان 314 مليون يورو سنويا أي قرابة مليون يورو في اليوم الواحد.
ولو صح التعبير بعدم إمكانية التغلب على طالبان بالوسائل العسكرية فإن الأمر يتطلب تغييرا في معدل المساعدات أي بعبارة أخرى زيادة المعونات المالية المبذولة في القطاع المدني لإعادة الإعمار.
فشل مكافحة المخدرات
كان عام 2006 كالأعوام التي سبقته خاليا من النجاح في ميدان مكافحة المخدرات. في هذا السياق أيضا ارتكب الغرب العديد من الأخطاء. ولم ينجم عن تدمير حقول مزارع الحشيش بالقوة ودون توفير مصادر بديلة للدخل لدى السكان المعنيين إلا الإحساس بالتذمر والاستياء.
وكلما اتسمت أساليب المكافحة بالتشدد كلما أدى ذلك إلى التفاف المزارعين حول خصوم الغرب. لا شك أن توفير بدائل لوسائل المعيشة قادرة على تعويض مزارعي الحشيش عن خسائرهم سيستغرق سنوات عديدة. وهنا يلاحظ المرء بأن إنشاء صناعات معتمدة على المنتجات الزراعية لم يتحقق على النحو الفعال الضروري.
استهلت شركة كوكا كولا الأمريكية في الشهر الجاري إنتاجها في أفغانستان لمشروبات الكولا وسبرايت وفانتا بمبلغ مقداره 25 مليون دولار. هذا يوفر فرص عمل لـ 350 شخصا. والمعروف أن هناك أمام أبواب كابول مناطق زراعية مشهورة بزراعة الفواكه بوفرة، إلا أنه أهمل إقامة معامل فيها لتغطية الاحتياجات المحلية وأغراض التصدير على حد سواء.
من ضمن المشاريع التي تقوم بها هيئات المساعدات الإنمائية الألمانية حاليا مشروع لإعادة إنشاء أكبر مصنع في البلاد مختص بمنتجات قصب السكر في إقليم باقهلان وبالعناية بزراعة قصب السكر عامة. لكن أفضل البدائل لزراعة الحشيش توفر دخلا لا يتعدى ثلث ما يمكن أن تدره تلك النباتات.
بقلم مارتين غرنير
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
من ثقافة الحرب الى ثقافة السلام
تؤكد أعمال العنف الأخيرة في أفغانستان أن نشوب صراع جديد بعد فترة سلام قصيرة في البلدان التي أنهكتها الحروب يعود الى حد ما إلى عدم معالجة ماضي الحروب. أفغانستان بدأت تتخذ خطوات ذاتية لمعالجة هذه المشكلة بمساعدة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي.
الحاجة إلى المزيد من الشفافية
هناك مؤشرات بأن الدول المانحة والمنظمات الإنسانية قد بدأت تفقد اهتمامها بأفغانستان، وذلك بعد أن تحققت ولو على الورق الأهداف التي وضعتها اتفاقية بيترسبيرغ في ديسمبر/ كانون الثاني 2001 . ولكن سيحسم في الأشهر المقبلة السؤال حول ما إذا كانت عملية إعادة إعمار البلاد ستتسم بالنجاح على الأجل الطويل أم لا.
الأمر يتعلق بالتنمية وليس بمكافحة المخدرات
تشكل زراعة الأفيون ستين بالمائة من إجمالي الدخل القومي الأفغاني ولم يكتب حتى الآن لإية مبادرة بالنجاح للحد من زراعة الأفيون. هل يمكن أن يكون السماح الرسمي بزراعة الأفيون وإخضاعه لمراقبة الحكومة في أفغانستان هو الحل؟ حوار مع إيمانويل رينرت