مسلمون غير مثقَلين بعبء التقاليد

هناك ألمان دخلوا الإسلام عن قناعة أو لارتباطهم بأزواج وزوجات مسلمين، وقد نشأ هؤلاء في محيط غير إسلامي وتربوا تربية مغايرة تسمح لهم برؤية الأمور بصورة أكثر انفتاحا. أورزولا تروبر تحدثت مع بعضهم في برلين.

تقول بيآته الكاتب (اسم مستعار) متذكرة: "ساءت الأحوال على نحو خاص غداة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. فجأة اتجهت صوبي كل الأنظار، وجدتني تحت ضغط الحاجة الدائمة إلى تبرير نفسي، كما لو أنني كنت أتحمل جزءا من المسؤولية في العمليات الإرهابية". في تلك الأثناء كان عليها أن تتخلى لفترة ما عن الحجاب.

الإسلام بالألمانية

واليوم تضع الحجاب من جديد، وليس فقط عند الذهاب إلى مسجد بلال ببرلين الذي يغطي أرضية قاعته الرئيسية سجاد أحمر فاخر رسومه موجهة باتجاه القبلة. هنا تنظم "الجماعة الإسلامية الناطقة بالألمانية" المدعوة DMK دروس يوم الجمعة التي تتناول في كل مرة موضوعة من مواضيع الساعة. في القاعة حاجز خشبي يفصل بين القسم المخصص للرجال وقسم النساء، لكن بطريقة تجعل الجميع قادرين على مشاهدة الشخص المحاضر.

حوالي عشرين امرأة يتقاطرن الواحدة بعد الأخرى على الجانب المخصص للنساء ويجلسن على الأرض مجموعات صغيرة ملاصقة للجدار. يرتدين جميعهن أردية طويلة وعلى رؤوسهن مناديل محكمة اللف بطريقة أنيقة. هناك العديد من الفتيات الشابات من بينهن. في الجانب الأمامي للقاعة عند المنبر المنخفض يشتغل رئيس الجماعة بإعداد جهازالميكرفون ليتوجه بعدها للحاضرين بالتحية والترحاب– وباللغة الألمانية، ذلك أن الألمانية هي لغة التخاطب هنا، ولا غرابة في ذلك إذ أن ما يقارب السبعين بالمائة من أعضاء الـ DMK من أصل ألماني.واحدة من هؤلاء هي بيآته الكاتب، وهي من مواليد سنة 1957 ببرلين الشرقية.

لقاء ثم زواج

وبيآته ما تزال تتذكر ذلك اليوم الذي غّير مجرى حياتها كليا. كانت آنذاك في التاسعة عشرة من عمرها عندما ذهبت برفقة أبويها إلى مقهى الصحافة Pressecafé بساحة ميدان ألكسندر. إلى المائدة المحاذية كان يجلس شاب جذب انتباهها، يبدو من هيأته أنه أجنبي. وفي لحظة ما نهض من مكانه وجاء يقدم نفسه إليها بطريقة بالغة اللياقة.

بعدها اتضح أنه من أصل سوري ويشتغل عامل طلاء ببرلين الغربية. ومذاك راح يزورها بانتظام ويهديها ورودا، ثم تقدم لطلب يدها. لكن أبواها أعلنا معارضتهما لذلك الزواج، غير راغبين في أن يريا ابنتهما الوحيدة تفارقها إلى سوريا البعيدة أو إلى برلين الغربية التي لا تقل عنها بعدا.

لكن الفتاة لم تكن لتقبل بالتراجع عن قرارها، ولم تتأخر في التقدم بطلب ترخيص بمغادرة البلاد. "لقد كانت لحظات أليمة ومؤثرة "، تقول بيآته معبرة عن مشاعرها في تلك الفترة: "أنا بحقيبتي الصغيرة عند بوابة العبور بشارع فريدريش، وأبي وأمي وهما يودعانني بفيض من الدموع وفي برلين الغربية على بعد بضعة محطات من هناك زوجي الذي كان ينتظرني".

الطريق إلى الإسلام

"كان الغرب صدمة بالنسبة لي: المال، نوعية المعاملات، البضائع، العقلية؛ كان كل شيء غريبا". بعد سنة من الزواج جاء مولودها الأول، ابنها مهدي. لكن، وبسبب خطأ فني طبي أصيبت الأم الشابة بالتهاب تعفني شديد استوجب إجراء عمليات جراحية متكررة عليها. ذات مرة سألها الطبيب الذي كان يباشر علاجها "هل تؤمنين بالله ؟"، ولما أجابت بالنفي أضاف: " بل كان ينبغي عليك"، ذلك أنها كانت مصابة بتقيح في الصِفاق لم تنج منه إلا بأعجوبة.

​​بعد عودتها إلى البيت قدمت لزيارتها مجموعة من النساء التركيات يسكنّ في نفس العمارة وفي أيديهن باقات زهور وبنطلونات أطفال وحلويات. وتقول بيآتة متذكرة: "كنت أسأل نفسي آنذاك: من أين لهن بكل هذا الدفء الإنساني وهذا التضامن النسائي ؟"

ولم يكن من العسير عليها أن تضع نفسها في موضع تلك النساء وأن تحس بما يشعرن به وتقول: "أنا أيضا أشعر بنفسي أجنبية في بلدي." بعدها أخذتها جارتها إلى المسجد، ومن ذلك الحين شرعت تهتم بجدية بالإسلام، وكانت تقرأ كل ما يقع بين يديها حول هذا الموضوع. وخلال السنة نفسها أعلنت إسلامها في إحدى مساجد برلين، وأصبحت مسلمة.

إسلام حديث

من مجمل حوالي 732000 مسلما من حاملي الجنسية الألمانية هناك حسب إحصائيات "أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية بألمانيا" حوالي 12400 من ذوي الأصل الألماني . أغلب هؤلاء منتظمين داخل أطر جمعيات المساجد. وجمعية الـDMK علاوة على ذلك عضو في الاتحاد المركزي للمسلمين بألمانيا، وهي تمثل بذلك استثناء من بين جمعيات المساجد. ذلك أن 90 بالمائة من هذه الجمعيات لا تنضوي تحت أية هيئة اتحاد أعلى كما يوضح ذلك عالم الأديان الإنجيلي أولرش ديهن عضو "المركز الإنجيلي العام للمسائل العقائدية".

داخل هذه الجمعيات المستقلة على وجه الخصوص يتطور وينتعش "إسلام حديث يعتبر نفسه جزء من المجتمع العلماني التعددي ومجموعة دينية داخل دولة ديمقراطية". إن هذا ينطبق دون شك على جمعية الـDMK أيضا التي يتمتع أعضاؤها بمستوى تعليمي رفيع ومن بينهم الكثير من الأكاديميين.

فستيفاني محمد (اسم مستعار) على سبيل المثال طالبة من شعبة العلوم الاستشراقية، وهي متزوجة من فلسطيني من لبنان وعضوة في هيأة الشورى النسائية داخل الـDMK (هناك أيضا هيأة شورى رجالية). تؤكد ستيفاني أن جمعية الـDMK تضم 65 عضوا من 26 جنسية مختلفة، وأن عدد النساء من بين الأعضاء يفوق بكثير عدد الرجال. ثلث هؤلاء النساء، كما تؤكد، قادمات إلى الجمعية بمفردهن، والثلثان متزوجات من مسلمين.

تقول بيآته الكاتب مبتسمة: "الكثير من النساء يتعرفن على الإسلام بسبب أزواجهن"، ثم تضيف: "أما بالنسبة لي أنا فإن زوجي قد بدأ يهتم بالإسلام بسببي" فزوجها وإن كان قد نشأ على تربية إسلامية، إلا أنه كان في الفترة التي اقترنا فيها ببعضهما يتعامل مع الدين تعاملا براغماتيا، بل لم يكن يعحبه كثيرا ذلك الحماس الذي كانت تبديه زوجته تجاه الدين.

فجأة اختفت زجاجة النبيذ الأحمر من مائدة الطعام وكذلك الشمبانيا في المناسبات الاحتفالية. ثم إنه بدأ هو أيضا من جهته كأب يشعر بأنه سيكون عليه من الآن أن يغدو مثالا وقدوة.

إسلام بلا تقاليد

أما بخصوص وضع المرأة في الإسلام فإن لنساء جمعية الـDMK موقفا متميزا: "على المرء أن يفرق بصفة دقيقة بين "ما هو إسلام وما هو تقاليد" تقول ستيفاني محمد. " نحن المسلمون الألمان لسنا مثقَلين بعبء التقاليد، ونساؤنا يخترن ما يناسبهن من الرجال. إنها فرصة مثلى للإثراء، بالنسبة للرجال أيضا."

​​فالمسلمون الألمان بالذات، لأنهم لم يولدوا وينشؤوا داخل محيط تقاليد إسلامية وأتيح لهم أن يفكروا كثيرا في أمر ديانتهم، بإمكانهم أن يقدموا مساهمة هامة في تجديد الإسلام. "إن لدينا الإمكانية هنا في ألمانيا أن نقوم ببحوث فقهية. بينما في البلدان العربية تسود في أغلب الأحيان أنظمة دكتاتورية؛ وفي ظل هذه الأوضاع يتوقف كل عمل بحث وتجديد.

وترى مونيكا فوهلراب-زاهر الباحثة في حقل علم اجتماع الأديان في هذا الإهتمام المكثف بدراسة القرآن "ظاهرة اعتناق جديد". فبينما يبدو الإسلام التقليدي بمظهر الديانة العملية، تتخذ محاولات التعرف على الدين في صيغته المبدئية الأصيلة، من خلال "المعرفة النصية" وبصرف النظر عن تقاليد المتأخرين، هيأة مراجعة "بروتستانتية".

كما أن هذه الثقة الواعية بالمقدرة على فهم الديانة المعتنقة حديثا، بطريقة أفضل من فهم أناس ولدوا عليها هي أيضا من خصوصيات الوافدين الجدد Newcomer حسب رأي الباحثة فوهلراب-زاهر، وهذا ليس من خصوصيات المسلمين الجدد وحدهم، بل كذلك هو الأمر لدى معتنقي المسيحية الجدد أيضا.

بقلم أورزولا تروبر، صحفية ألمانية مقيمة في برلين
ترجمة علي مصباح