تاريخ طويل وواقع معقد
ليس هناك ما هو أَكثر تعقيدًا من الخلفية، التي بنى على أَساسها الأَلمان والفلسطينيون علاقاتهم بعد الحرب العالمية الثانية. فمن جهة أَلقت الديكتاتورية النازية والمحرقة على عاتق الأَلمان مسؤولية إزاء دولة إسرائيل الجديدة، التي تقدَّمت إلى بونّ من أَجل بناء علاقات معها، ولم تتقدّم إلى برلين الشرقية. ومن جهة أخرى كان يوجد ملايين من اللاجئين الفلسطينيين، الذين كانت مجموعات دول العالم - الحرة والاشتراكية وغير المنحازة - تنتفع من مصيرهم بصورة تقليدية. اتّبعت كل من بونّ وبرلين الشرقية اتجهًا في التعامل مع الفلسطينيين، بقيت من خلاله الأولى تمثّل الغرب والثانية المعسكر الشرقي.
لقد انتهت أَيضًا السياسة المنافسة في التعامل مع القضية الفلسطينية من قبل الطرفين الألمانيين المختلفين، وانتهى كذلك منطق الحرب الباردة، وذلك فقط في اليوم الذي سقط فيه الستار الفولاذي في أوروبا. إذ منح سقوط جدار برلين كل من الأَلمان المتحدين والفلسطينيين فرصة. فهكذا أَصبح من الممكن لبرلين الموحّدة أَنْ تدعم التسوية العادلة وذلك من خلال اتصالاتها الحسنة مع كلا طرفي النزاع الفلسطيني والإسرائلي.
أَلمانيا المجزَّأة وفلسطين
عندما نشأت دولتا أَلمانيا الغربية والشرقية في وسط أوروبا، لم يعد لدولة فلسطين وجود حسب مفهوم الدول الخاضعة للانتداب البريطاني وقرار التقسيم الذي اتخذته هيئة الأمم المتحدة. لهذا السبب لم يتمكّن الساسة الأَلمان الغربيون في بونّ والشرقيون في برلين الشرقية من لعب دور مباشر، وإنما كانت الحكومات في القدس الغربية والقاهرة وعمّان هي المعنية بقضية اللاجئين الفلسطينيين.
لقد استقر اللاجئون الفلسطينيون في الدول المجاورة. كما كانت تُطرح أمور مشاركتهم في تقرير المصير وعودتهم ودفع التعويضات لهم. أما إسرائيل فقد أَغلقت طريق عودة الفلسطينيين إلى وطنهم. بيد أَنّ الأَردن عملت على دمجهم في مواطنيها. وحرَّمت عليهم مصر التجنُّس: مما كان يعني ضمّهم إلى الإسرائيليين. وبهذا كان يتزايد الدور الخاص تجاه القضية الفلسطينية فيما يخص علاقات الأَلمان المختلفين. لقد كانت الهوية الأَلمانية واليهودية وجهان لعملة واحدة، تصطبغ في كل من أَلمانيا المقسمة وفلسطين بصبغة أَلمانية غربية-إسرائيلية وأَلمانية شرقية-فلسطينية. كان الأَلمان يشعرون مع العرب والفلسطينيين واليهود والإسرائيليين، لا سيما وأَنّ الألمان أنفسهم كانوا يستقبلون في هذه الفترة ملايين من أَبناء بلدهم الذين شُرِّدوا من قبل جيرانهم.
أَعداء الأمس، أَصدقاء اليوم
جعل النازيون في الحرب العالمية الثانية كل من اليهود والشيوعيين أَعداءهم المبينين، والحركة القومية العربية في فلسطين »حليفهم الطبيعي«، مثلما أَعلنوا ذلك لمفتي القدس الحاج أمين الحسيني. وكما كانت الحال في الحرب العالمية الأولى، في تلك الحقبة كان البريطانيون والفرنسيون والروس يُعدون من ضمن أَعداء الأَلمان والفلسطينيين. وفي كلا الحربين وجد الأَلمان والفلسطينيون أَنفسهم خاسرين من جديد. أُضيف بعد الحرب العالمية الثانية تقسيم مشابه مستجد في وسط أوروبا وفي الشرق الأَدنى: إذ أَنّ نفس القوى المنتصرة كانت حينذلك تقرر تقسيم أَلمانيا وكذلك أَيضًا تقسيم فلسطين.
فكان لا بد للفلسطينيين من البحث عن أَصدقاء جدد. لكن أَلم يُظهر لهم بعض من اليهود والإسرائيليين، كيف يمكن للمرء أَن يكسب القوى العضمى؟ لقد استُبعدت الأوساط القديمة في لندن وباريس عن بناء علاقات صداقة. فهكذا اتُّهم البريطانيون بالخيانة، وذلك بسبب وعدهم اليهود بالاستقلال وتقديمهم فلسطين لليهود ليبنوا فيها وطنًا قوميًا لهم، فيما استثار الفرنسيون عداوة العرب من خلال حربهم في الجزائر. وفي تلك الحقبة ظهر مرشحون جدد:
أَميريكا واليابان والاتحاد السوفييتي (الملحد)، الذي تحوَّل قبل موت ستالين بفترة قصيرة قبل موَّلد إسرائيل إلى عدوها اللدود. لقد انقسمت القوى في الحرب الباردة إلى قطبين، واحد في الغرب والآخر في المعسكر الشرقي. واختارت القيادة الفلسطينية أوروبا الشرقية حليفًا لها. كما طوّرت برلين الشرقية علاقات وطيدة جدًا مع منظمة التحرير الفلسطينية. أَما بونّ فتوجّهت إلى إسرائيل. كان الأَلمان يبتّون في قضيتهم القومية كحلفاء صغار للقوى العالمية، وكذلك كانوا مصرين على دورهم هذا في الشرق الأَدنى.
دمية تلهو بها الأمم
لقد وقع كل شيء في مطاحن الحرب الباردة. كثيرًا ما كان الأَمر لا يتعلَّق بفلسطين، إنما بمشاكل أوروبا المعلّقة. ولمّا كان التدمير النووي يهدد العالم، تحوَّلت منطقة الشرق الأدنى إلى مساحة يستغلها القطبان العالميان لعكس آرائهما فيها. إذ كان الشرق الأدنى يشكّل، من وجهة نظر قادة الحلفين في البيت الأَبيض والكرملن، منطقة هامشية، لكن يمكن أن تصل منها حرب إلى أوروبا. لهذا السبب كان كل قطب يستخدم الفلسطينيين لمصلحته. ومن هنا استحال تحقيق تسوية مرضية لحقوقهم في إنشاء دولة وفي العودة أو الحصول على تعويضات. فأَصبح الأَلمان الغربيون في بونّ يعملون أَكثر لليهود، والأَلمان الشرقيون في برلين الشرقية يعملون أَكثر للفلسطينيين. أَدت هذه السياسة »المزدوجة« إلى تصعيد الأزمات في تحالفات، مثلما أَظهر ذلك إرهابيون من خلال عمليات خطف لطائرات وفي دورة الألعاب الأوليمبية في ميونيخ.
سياسة برلين الموحدة
ومع توجّه أوروبا الشرقية نحو الديموقراطية، تلاشى الأَساس الإيديولوجي الذي كانت تقوم عليه أَزمة الشرق والغرب. فصار مسموحًا للأَلمان الشرقيين أَن ينتخبوا بحرية. وبشكل رباعي تؤثّر أَميريكا وأَلمانيا وأوروبا في النزاع ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد كان الأَلمان المتحدون أَوّل من أَقام ممثليات ديبلوماسية في غزة وأريحا. كما تحوّل الأَلمان - من دون الإضرار بإسرائيل - إلى أَكبر مموِّل في الاتحاد الأوروبي يدعم الفلسطينيين. فإذا اختاروا خيار الديموقراطية، فستكون التسوية العادلة قريبة المنال. لن تسير الأمور من دون تسويات قاسية، مثلما كانت الحال فيما مضى لدى أَلمان خسروا ديارهم.
بقلم فولفغانغ غ. شفانيتس
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005 ©
قنطرة
تحليل
الهولوكوست وأزمة الشرق الأوسط
تحتل ألمانيا على المستوى العالمي مرتبة المانح الأول للمناطق الفلسطينية ولكنها من جهة أخرى تتحفظ من الإدلاء بنقد سياسي واضح إلى إسرائيل. عارف حجاج عن خصوصية العلاقة الألمانية-الإسرائيلية والعلاقة الألمانية-الفلسطينية
لقاء لصحفيين ألمان وإسرائيليين وفلسطينيين:
حينما تفقد الثقافة الكلامية براءتها
دعت وزارة الخارجية الألمانية في إطار اللقاء الثلاثي للصحفيين الألمان والإسرائيليين والفلسطينيين مجموعة من الصحفيين الشباب إلى برنامج فريد من نوعه في مدينتي ميونخ وبرلين. يمثل هذا المشروع توسعًا في الحوار المقام بين صحافيين ألمان وإسرائيليين، والذي عقد لأول مرة في شهر حزيران/يونيو ٢٠٠٤. نسرين شبيب اشتركت في اللقاء هذا