البطالة والعنصرية
أعمال الشغب، التي اندلعت في الضاحية الباريسية "كليشي سو بوا"، إثر مصرع شابين بصعقة كهربائية، ينتميان إلى الجيل الثالث من المهاجرين المغاربة، ما زالت مستمرة. ومن الظاهر أن موجة العنف امتدت أيضا إلى مدن فرنسية أخرى. تعليق باربرا شولته
ليس لأَحد أَنْ يستغرب من انفجار الوضع الاجتماعي في فرنسا. إذ كانت هناك العديد من المؤشرات على ذلك في السنين الماضية. من السهل إدراك أَسباب الأَزمة الحالية، الأَسباب كثيرة ومتنوّعة، وحادث موت الشابين الذي وقع قبل أسبوع كان كافٍ لإثارة حوادث شغب تشبه الحرب الأَهلية.
ومن بين أَسباب الأَزمة لا بدّ بادئ ذي بدء من ذكر الحالة الاقتصادية السيئة، لا سيما البطالة. ومع أَنّ القدرة الاقتصادية الفرنسية ارتفعت في السنين الماضية أَكثر من القدرة الاقتصادية الأَلمانية، ولكن هذا لم يساهم في التقليل من نسبة العاطلين عن العمل خاصة بين الشباب والمهاجرين.
من الممكن التحقق في الكثير من الأَحياء الباريسية من أَنّ البطالة المستمرة تؤدي إلى كل أَشكال المساوئ، وقبل كل شيء إلى التطرّف الديني والعنف وتشكيل العصابات والتشرّد والإدمان على المخدّرات؛ وليس فقط في أَحياء العمارات السكنية العالية المحيطة بالمدن الفرنسية مثل باريس.
زدّ على ذلك العنصرية المتنامية في فرنسا. وهذه العنصرية لا تظهر فقط في نتائج الانتخابات التي يحقق فيها على الدوام اليمينيين المتطرفين بزعامة جان ماري لو بين انتصارات. تؤدي العنصرية الممارسة في الحياة اليومية إلى معاملة المهاجرين كمواطنين من الدرجة الثانية.
إذ يكون الأَمل شبه معدوم في طلبات الحصول على العمل التي تُقدَّم من قبل أَشخاص بشرتهم قاتمة اللون أو أَنّ اسماءهم لها وقع عربي. كما ينعدم تقريبًا الأَمل في الرقي الاجتماعي أو تنغلق الآفاق المهنية في أَماكن أخرى لمن يسكنون فيما يعرف باسم الأَحياء الحساسة المحيطة بباريس.
فهكذا يعرف المهاجرون من أَبناء الجيل الثالث فقط حقيقة واحدة، تتكوّن منذ عشرات السنين من الفقر والبطالة والعزلة. وفي المقابل لم يقم الساسة الفرنسيون بوضع خطط لمواجهة ذلك باستثناء حكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان (1997-2002). ولم يكلّف الساسة الفرنسيون أَنفسهم حتى عناء المحاولة.
بل قام كل الساسة السابقون بدفن رأسهم في الرمل وأَهملوا مطالب المهاجرين. ومع أَنّ جاك شيراك أَصبح في عام 1995 رئيسًا للبلاد، لأَنّه وعد بالتغلّب على التباين الاجتماعي، إلاّ أَنّ هذا التباين بقي يتّسع منذ ذلك.
أَما الآن فقد اندلعت النيران في مواضع عديدة. والشباب الثائرون يعتبرون كل من يرتدي زيًّا رسميًا وحتى رجال الإطفاء فقط ممثلين عن دولة، تخلّت عنهم. وفي مثل هذه الأَوضاع يجيب وزير الداخلية نيكولا ساركوزي بشعبوية محسوبة. يسعى ساركوزي وهو ابن لمهاجرين إلى تولي رئاسة فرنسا في عام 2007. وهو يصف الشباب الثائرين في الضواحي الباريسية مصوّبًا بصره بإصرار على منصب الرئاسة "بحثالة لا بدّ من استخدام خراطيم الماء المضغوط لإبعادها". وبالنسبة له فإنّ سكان الأَحياء الفقيرة في باريس هم على ما يبدو مجرّد قمامة بشرية، يجب التخلّص منها.
من الجائز أَنّ هذا الموقف يحظى بتأييد قسم لا يستهان به من بين المواطنين الفرنسيين. بيد أَنّه لا يمكن حل مشاكل الضواحي الفقيرة المعدومة بواسطة إجراءات صارمة ولهجة حازمة. إنما يستلزم لذلك وضع خطط، ووجود احترام متبادل وأَكثر من وعود فارغة وكلمات جوفاء.
لقد لاحظ ذلك الآن الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي يعاني من ضعف شديد في موقفه السياسي. والشيء الحسن الذي يفعله في هذا الصدد هو أَنْ يوقف منافسه ساركوزي عند حدّه. ليس من أَجل إنقاذ كرسي الرئاسة الذي يجلس عليه، إنما لأَنّه لا يجوز أَنْ يترك فرنسا تسقط في أَيدي شعبويين متطرّفين.
بقلم بربرا شولته
ترجمة رائد الباش
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
قنطرة
دراسة عن المسلمين في فرنسا
"فرنسيون مثل الآخرين؟" عنوان دراسة عن "مركز دراسات الحياة الفرنسية" Cevipof . يسعى الباحثون في هذه الدراسة إلى تتبّع جذور السلوك السياسي والديني للفرنسيين من ذوي الأصول العربية والإفريقية والتركية وتصوراتهم عن القيم والآداب.
مائة عام من العلمانية
لم يتمكن المجتمع الفرنسي حتى الآن من التعامل بشكل إيجابي مع الأقلية المسلمة في البلاد بعد مرور مائة عام على على التوقيع على قانون الفصل بين الدين والدولة وبعد مرور نصف قرن على الهجرة المكثفة من شمال أفريقيا لم تتمكن فرنسا بالفعل من دمج مواطنيها المسلمين. وتواجه الغالبية اليوم مشكلة الشبيبة المهمشة في ضواحي المدن.