هل يمكن مقارنة الثورة الخضراء بثورات الشعوب العربية؟
جاءت موجة الاحتجاجات في العالم العربي بجو من الانتفاض في العالم الإسلامي، لاقى صدى إيجابياً في كل مكان منه. إن الشعوب الإسلامية سئمت من الأنظمة القمعية القائمة. ومن هذا المنطبق يمكن القول تقريباً إن الديني والسياسي، الدائر في إيران منذ سنوات، بدأ يشمل الآن جزءا كبيرا من العالم الإسلامي، متخذاً أشكالاً جديدة. والمعارضة الإيرانية تأمل في أن تستمد طاقات جديدة لثباتها من موجة الاحتجاجات هذه، لكن الحكومة الإيرانية تحاول هي الأخرى التظاهر بالقرب من الشعوب العربية والتضامن مع ثوراتها.
ثوريون من المحافظين الجدد
طالما حاولت إيران على المستوى الرمزي على الأقل لوقت طويل أن تظهر تماسكاً نحو الخارج، لكن حجم الاحتجاجات في حزيران/ يونيو 2009 ونشوء حركة جديدة، اتخذت من "الطريق الأخضر" اسماً لها، أظهرا السخط العميق لدى جيل الشباب تجاه نظام طهران. وفي هذه الأثناء بدأ ذلك يدب في صفوف معسكر المحافظين أيضاً. ولم يتنبأ أحد بإمكانية حدوث اختلافات في وجهات النظر بين الرئيس احمدي نجاد والمرشد الأعلى خامنئي أو بالأحرى صراع مفتوح على السلطة، والأدهى أن تتجمع قوى مناهضة لرجال الدين حول أحمدي نجاد، تطمح إلى إقامة دولة إسلامية بايدولوجيا قومية، من دون رجال دين عند الضرورة. ويبدو أن الإطار الكلاسيكي للنظام الإسلامي لم يعد قادراً على مخاطبة الثوريين من المحافظين الجدد.
من كان يظن أن أحمدي نجاد سيضع يوماً ما تعليمات حجاب النساء الصارمة موضع التساؤل؟ فقد طالب قائلاً "من غير المسموح أن تضايق الشرطة الدينية النساء في الشوارع"، إضافة إلى ضرورة "السماح للنساء بالذهاب إلى استادات كرة القدم". الملالي يجدون في مثل هذه التصريحات تدخلاً في الشؤون الدينية، وتكون بذلك هجوماً على سلطاتهم. لأن مثل هذه المواجهات تتعلق في نهاية المطاف بمبدأ ولاية الفقيه، التي لم يعد الكثير راغباً فيها، لكنها تشكل عماد نظام الدولة الإسلامية الإيرانية.
إن أصل مثل هذه الصراعات يعود إلى بداية الجمهورية الإسلامية، فآنذاك وقفت منظمة مجاهدين الثورة الإسلامية التقدمية، والتي تحولت في تسعينات القرن الماضي إلى إصلاحيين معتدلين، في مواجهة البراغماتيين والمتشددين المحافظين، الذين ينتمي إلى صفوفهم أيضاً الحزب الجمهوري الإسلامي أيضاً. وهذا خلق في النتيجة صراعات داخلية على السلطة، لكن التباينات الايدولوجية والسياسية بقيت قائمة. ومنذ ذلك الوقت تكونت تكتلات وشبكات مختلفة، تعمل اليوم سياسياً وايدولوجيا في إطار النظام.
فجانب، يتكون من جناح البراغماتيين نسبياً وصولاً إلى الإصلاحيين والمعتدلين نسبياً، ويتمثل في حزب الإعمار والبناء المقرب من هاشمي رافسنجاني وحزب الثقة الوطنية المقرب من مهدي كروبي والطريق الأخضر المقرب من مير حسين موسوي. وعلى الجانب الآخر يوجد المتشددون من المحافظين الجدد وصولاً إلى الثوريين الراديكاليين. وينتمي إليهم أتباع القيادة الدينية ومختلف المنظمات الإسلامية. ويروجون لمُثل الجمهورية الإسلامية ويدعمون بغالبيتهم رئاسة أحمدي نجاد. وحتى بين رجال الدين أيضاً توجد جبهات متواجهة، ينحاز بعضها إلى هذا الجانب والآخر إلى ذاك الجانب.
غياب البديل
لكن يبقى واقعاً أن قوى غير متجانسة تهيمن سواء على المشهد السياسي أو الشبكات الدينية في إيران. وهذا أحد أسباب فشل الطريق الأخضر في توحيد كل مجموعات المعارضة وعدم تمكنها لذلك من أن تجد تأييداً واسعاً بين طبقات الشعب. أما السبب الآخر فيعود إلى أن الحركة الخضراء نفسها ما تزال في طور التكون. ويتضح هذا بشكل خاص في نقص الخطط الفكرية والأهداف السياسية. ويضاف إلى ذلك أن التوجهات الدينية للحركة الخضراء لا تخاطب المعارضة العلمانية والطبقة المثقفة من المجتمع. لكن على الرغم من ذلك يجب أن لا نتجاهل هنا: إن هذه الحركة الوليدة تظهر القوة التغيرية لأمة حضارية جديدة، نهجت نهجاً متحضراً ومدنياً ومناسباً.
لكن الشعب الإيراني ما يزال تحت ضغط كبير، فعليه مواجهة هموماً يومية مبعثها التضخم الاقتصادي والبطالة والعقوبات الاقتصادية. لذلك تصبح طبقات الشعب كرة تتقاذفها القوى السياسية المختلفة، التي لا تقدم لها في الانتخابات سوى آمالاً كاذبة وحلولاً مهلهلة ساذجة. إن الشعب تنقصه رؤية واضحة إلى مجريات الحياة السياسية وبديل واقعي، يمكن أن ينال ثقة المواطنين وأن يكون في وضع يمكنه من إظهار مشاريع لمواجهة شكل الدولة الحالي وطرق لحل مشاكل البلد.. وهذا يوضح أيضاً سبب أن أغلبية الشعب الإيراني لا تنشط سياسياً، فالطبقة الوسطى يلفها السكون، وهكذا ينشأ انطباع أن أغلبية الشعب ما تزال خلف النظام الإيراني. والمتشددون المحافظون والثوريون الراديكاليون يعرفون ذلك تمام المعرفة، ويوضح أيضاً صراعاتهم الراهنة على السلطة.
في الوقت الراهن تمضي قدماً عملية تحديد المواقف داخل النظام القائم. وبالنسبة إلى سلطة رجال الدين فإن ليس الإصلاحيون وحدهم يشكلون خطراً، بل في المقام الأول القوى الدينية المحافظة المضادة الجديدة، التي تحاول في الوقت الراهن كسب ثقة الشعب من خلال الشعارات القومية والشعوبية الدينية. ومنذ فوز أحمدي نجاد يتحدث أنصارها شبه المسلحين عن "حكومة خاصة" ويعلنون "استقلال إيران التام" عن القوى الغربية كهدف مقدس بالنسبة لهم.
إن التأكيد على "خاصة" لا يمثل رابطاً وطنياً فقط بأي حال من الأحوال، من أجل تمييز داخل البلد عن خارجه. وفي هذا يمكن تحييد كل المجاميع الدينية أيضاً، التي لا تنتمي إلى الصفوف المقربة، حتى وإن كانت مستمرة في اعتناقها إلى مبدأ الجمهورية الإسلامية. لكن الأمر هنا في جوهره لا يتعلق بالإسلام فقط، وإنما بنوع من "الصراع الثقافي" داخل نخبة الوطنيين الدينيين. وهنا يتم تقرير كيف تتخذ إيران موقفها من القضايا الداخلية ومن الغرب سياسياً وثقافياً، فيما إذا كانت تيارات قومية أو بالأحرى إسلامية-قومية أو طبقة رجال الدين الوطيدة الأسس أو الثوريون من المحافظين الجدد هي من يحدد هذا.
حل صوري في أفضل الأحوال؟
ربما قد يكون مير حسيني موسوي الخيار الأفضل لمثل هذا تحقيق الاستقرار هذا للنظام، لو كان قد انتخب 2009 رئيساً. إن حاكماً أكثر راديكالية من أحمدي نجاد لا يمكنه الاستمرار في مجابهة رجال الدين. وبذلك قد يكون من الأفضل للنظام في طهران وجود رئيس بمواقف أكثر اعتدالاً بعض الشيء. وجود رئيس أو ربما رئيسة، يهتم أو تهتم في مشاكل الحياة اليومية للشعب ويتمتع بمقدار كاف من القوة يمكنه تهدئة الشعب لثمانية سنوات قادمة. ويجب أن يكون شخصاً يمكنه أن يطفئ "النار تحت الرماد". وليس هناك مما يحول دون أن تكون رئيسة من الجناح البراغماتي. وقد يكون ذلك ثورياً بكل تأكيد وسيشكل منعطفاً جديداً.
ومن أجل إحداث تغيير حقيقي في طهران، قد يكون إظهار شجاعة اجتماعية مدنية بالمقابل ضرورياً للغاية، أي إيجاد تغيير لا يعتمد على الشعارات الدينية والقومية فقط، بل يكون هدفه في المقام الأول الوصول إلى الوعي الذاتي للأمة من أجل أعادة تعريفه مجدداً. تغيير، يحدث توزاناً منطقياً على الصعيد السياسي ويحفظ الأمة من خطر التشرذم، من خلال إيجاد تجانساً بين هويتها الإيرانية وتقاليدها الدينية في أسلوب حياتي حداثي.
رضا هاجاتبور
ترجمة: عماد م. غانم
مراجعة: هشام العدم
الحقوق: نويه زوريشه تسايتونغ/ قنطرة 2011