ملمح إنساني

يبدو أن إيران و الولايات المتحدة على طريق التقارب فوق أنقاض بم ـ بعد عقدين من الصمت الدبلوماسي. تعليق من بيتر فيليب.

توحد المعاناة الانسانية بين الناس. منذ وقوع الزلزال وتبعاته المأساوية في مدينة بم الإيرانية، يبدو أن الفوارق بين الإيرانيين وبعضهم البعض قد اختفت و حتى تلك الفوارق بين ايران و الخارج. زالت كل الخطوط والحدود المرئية والمحجوبة والتي كانت قائمة حتى وقوع الهزات الارضية في فجر يوم الجمعة (26 من كانون الأول /ديسمبر):إيرانيون ينتظرون في طابور للتبرع بالدم، أطباء متطوعون يطيرون الى مدينة بم و الجرحى يتوزعون على كل أنحاء البلاد. ومن بلدان عديدة كروسيا و الصين و المملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ يأتي أناس للمساعدة و الإسعاف. وحتى الأمريكيين يذهبون ـ من الكويت ـ بالطائرات الى منطقة الكارثة لتقديم مساعدتهم، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

لغاية البارحة شيء لا يتصور: أمريكيون في ايران

أن تطأ قوات عسكرية أمريكية أراضي إيران ـ كان هذا التخيل قبل اسابيع قليلة بمثابة كابوس لبعض الايرانيين الذين تعرضوا لضغوط شديدة من قبل واشنطن من أجل توقيع البروتوكول الإضافي لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية و الذين خشوا، عندما اجتاح الجيش الامريكي العراق، ان يأتى الدور على بلادهم فيما بعد.

وقعت طهران البروتوكول و بقيت واشنطن متحفظة. ولم تبد من طهران أية بادرة على تحسن العلاقات مع واشنطن. فلم يكن مثل هذا التصرف مواتيا، وبخاصة اذا أخذنا في اعتبارنا أن الانتخابات البرلمانية بعد شهرين من الآن، ومن المتوقع أن يستغل التيار المحافظ مقاطعة أنصارالإصلاح المحبطين للانتخابات ويصنع من خلال ذلك نصرا انتخابيا. و الآن تدخل أمريكا بطائراتها الى البلاد حاملة معها المساعدات و لم تخجل الحكومة في طهران من قبول هذه المساعدات من طرف الولايات المتحدة. ويفسر بعض المراقبين هذه المؤشرات الواضحة على أنها دليل على التقارب في العلاقات الثنائية.

رفع العداوة القديمة لأسباب انتفاعية

ولكن لا بد من الحذر من التفاؤل المتزايد لأن المساعدات الحالية لا تعدو أن تكون مبادرة إنسانية فقط لا غير ـ على الاقل في الوقت الحاضر. و ما يهم كلا الطرفين الآن هو تخفيف معاناة المتضررين بأسرع ما يمكن و هذا ما يتطلب تأجيل النزاع القديم بالرغم من أن الهدنة القصيرة يمكن أن تنقلب الى خلافات جديدة في أي وقت لاحق.
إن أغلبية الايرانيين يرغبون في إعادة التقارب بين الدولتين، فعندما نشرت نتائج أحد استفتاءات الرأي العام في طهران حول هذا الموضوع، شن التيار المحافظ هجوما على مسؤولي الاستفتاء. و بعد أحداث 11 ايلول / سبتمبر شهدت البلاد معالم التعاطف الصريحة مع الولايات المتحدة و مع ذلك لم تتحسن العلاقات الرسمية.

المحاولات المتواصلة

إن هذه المحاولات المتواصلة من شأنها أن تؤدي الى تحسن علاقة الدولتين. ففي قضية العراق مثلا، تفاجئ الكثيرون من التطورات، حيث وافقت طهران قبل أغلب الدول العربية على "مجلس الحكم" المعين من قبل الإدارة الأمريكية وتحافظ على اتصالاتها الجيدة به من خلال أصدقائها الأوفياء هناك. و تدعم طهران في الوقت ذاته و بصورة غير مباشرة السياسية الأمريكية الرسمية في مستقبل العراق القريب.
و هذا ليس لأسباب انتهازية، ولكن لأنها تريد الهدوء للدولة المجاورة لها، الهدوء الذي لا يستفيد منه أحد غيرها . و لذلك يجري و منذ فترة طويلة تفاهم صامت بين واشنطن و طهران حول القضايا اليومية في العراق و لهذا فقد يكون من الغريب جدا لو رفضت طهران المساعدات الامريكية
مثلما فعلت مع المساعدات الإسرائيلية.
ولكن من المبكر جدا أن يُفسر تقديم الإغاثة بنهاية التجمد السياسي بين البلدين. يجب أن تفهم هذه الاغاثة كملمح إنساني لا نجد الا القليل منه في هذه المنطقة.

بيتر فيليب

ترجمة: نرمين شرقاوي