القانون الفرنسي يمنع التحريض على الكراهية
بدأت محطة المنار الفضائية، القريبة من حزب الله اللبناني، منذ العام 2000 بثها التلفزيوني في فرنسا من خلال القمر الاصطناعي للبث الداخلي أويتل سات. وكانت المحكمة الفرنسية قد وجهت الى محطة المنار التلفزيونية تهمة التحريض العدائي ضد اليهود من خلال برامجها.
وتجدر الاشارة الى أن الدعوى ضد محطة المنار كانت قد رفعت الى المحكمة الادارية العليا من قبل مجلس التلفزيون الفرنسي، الذي يعتبر السلطة العليا المشرفة على الاذاعة والتلفزيون في فرنسا.
على أثر ذلك حكمت المحكمة الادارية العليا الفرنسية على شركة أويتل سات، التي يبث المنار من خلال أقمارها الاصطناعية برامجه على الأرض الفرنسية، ايقاف البث خلال 48 ساعة من اعلان الحكم.
وفي حال خالفت الشركة ذلك فسوف تعرض نفسها لغرامة مالية تبلغ 5000 يورو يوميا تعتبر سارية المفعول بشكل اوتوماتيكي. هذا ولقد كانت ردود الفعل السياسية الأولى من قبل الاحزاب الفرنسية الكبيرة مشيدة بقرار المحكمة.
من جهته قام تلفزيون المنار بايقاف بثه التلفزيوني باتجاه فرنسا متجنبا تبعات الحكم الصادر بحقه. وبهذه الخطوة يكون تلفزيون المنار قد وفر على شركة أويتل سات اشكالات كانت ممكنة مع محطة البث عرب سات الموجودة في تونس، التي تبث من خلالها أكثر من عشر محطات فضائية عربية باتجاه أوروبا، غالبيتها من شمال أفريقيا.
نتيجة لضغط "اللوبي الصهيوني"؟
ويعتقد المراقبون بأن ردة فعل تلفزيون المنار في التعامل مع هذا القرار كانت متزنة وذكية، لأنهم يتهيئون للتقدم الى الاتحاد الأوروبي بطلب جديد للحصول على ترخيص في البث. لذا فقد تحفظت محطة تلفزيون المنار على التعليق الحاد على موضوع المنع هذا ونشرت نتيجة الحكم بشكل منطقي وذلك في نهاية نشرتها الاخبارية العربية.
أما في البرنامج الانكليزي للمحطة فقد أشير الى أن هذا الحكم ما هو سوى ثمرة ضغط "اللوبي الصهيوني في فرنسا"، والى أن فرنسا تكون بذلك قد تنازلت عن مبادئها الجمهورية بما فيها حرية الرأي.
معاداة السامية
ولكن ما هي يا ترى التهم الواضحة الموجهة لمحطة المنار الفضائية؟
بداية وجه مجلس التلفزيون الفرنسي في خريف 2003 ولاول مرة نقدا شديد اللهجة لمحطة المنار، الذي قام خلال شهر رمضان من العام المنصرم ببث المسلسل السوري "الشتات". ويروي المسلسل في حلقاته الثلاثين بشكل أساسي قصة الحركة الصهيونية من خلال تصوير "برتوكولات حكماء صهيون" المشهورة.
والبرتوكلات تزييف كلاسيكي معادي للسامية، تمت فبركته في روسيا مع بدايات القرن العشرين من خلال المخابرات القيصرية آنذاك ولاحقا من قبل النازية الألمانية، حيث اُستغلت لأسباب دعائية. وفي الحلقة العشرين، على سبيل المثال، يتم تصوير طقس قتل طفل مسيحي من قبل اليهود ليصنع من دمه رغيف خبز .
حينها قام مجلس التلفزيون الفرنسي برفع دعوتين قضائيتين ضد المحطة، حولتهما النيابة العامة بدورها الى المحكمة الادارية العليا الفرنسية. واتخذت المحكمة في 20 آب / اغسطس من هذا العام حكما بهذا الخصوص.
وأصبحت المحكمة بناء على القانون الصادر في 9 تموز / يوليو من عام 2004م هي الجهة المختصة في اتخاذ القرارات المتعلقة بمنع محطات تلفزيونية من البث على الأراضي الفرنسية.
وحتى ذلك الحين كان مجلس التلفزيون الفرنسي بامكانه منع أو سحب التصريح في البث، وهو ما قام به في العام السابق أيضا حينما سحب تصريح المحطة الكوردية ميديا، التي أتهمت بقربها من حزب العمال الكردستاني الممنوع في تركيا.
خروقات جديدة
وطالب كبار القضاة في حكمهم الزام تلفزيون المنار بشروط صارمة، وذلك بمنحه مهلة زمنية حتى اول من تشرين الأول / أكتوبر، موعد الاتفاق النهائي، على أن يسحب الترخيص في حال خرق الاتفاقات الموقعة معه والملزمة له تجاه مجلس التلفزيون الفرنسي. وبعد جولات من المحادثات وافقت هذه السلطة المشرفة على منح الضوء الأخضر لعودة تلفزيون المنار للبث من جديد في فرنسا.
ولقد كان ذلك بتاريخ 19 تشرين ثاني / نوفمبر. الا أنه وفي 23 من نفس الشهر أعلن مجلس التلفزيون الفرنسي تسجيل خروقات جديدة من قبل تلفزيون المنار تتنافى مع القانون الفرنسي للتلفزيون الصادر عام 1986، الذي ينص على "منع أي عملية تحريض على الكراهية والحقد، خصوصا بسبب الدين أو العرق".
فقد سمحت قناة المنار ضمن أخبار المساء بمنح أحد "المختصين الخبراء بشؤون الصهيونية" في دمشق فرصة الحديث في هذا الموضوع. وادعى هذا الضيف: "بأن العدو الصهيوني يحاول من خلال تصدير مواد غذائية للعالم العربي نشر أمراض وآفات معدية مثل مرض فقدان المناعة في العالم العربي."
وكانت هذه الأصوات تتناغم بما لا يدع مجالا للشك مع مقولة المؤامرات العالمية المعادية للسامية، التي تدعى بأن اليهود هم المسؤولون عن مختلف ويلات هذا العالم.
أصوات احتجاج سياسي
على أثر ذلك قام الكثير من السياسيين الفرنسيين بالتعبير عن رأيهم ضد هذا "التسامح" المفرط الذي تخطى الحدود مع محطة المنار. وطالب ممثلو المحافظين مثل وزير الاقتصاد الفرنسي السابق نيكولاس سركوزي او المسيحي الديمقراطي فرانسوازبايرو بوقف هذه الحملة الدعائية التي تقوم بها القناة.
كما طالب قياديون من الحزب الاشتراكي الديمقراطي ايضا، من بينهم الناطق الرسمي باسم الحزب، فرانسواز هولنده، بالأمر نفسه. كما قامت منظمات مكافحة العنصرية أيضا بالاحتجاج على ذلك.
وكانت المنظمات متفقة على إدانة القناة اللبنانية: منظمة مكافحة العنصرية واللاسامية، التي تمثل الجالية اليهودية في فرنسا، منظمة SOS لمكافحة العنصرية وهي منظمة اشتراكية ديمقراطية، والحركة ضد العنصرية ومن أجل صداقة الشعوب التي كانت تابعة سابقا للحزب الشيوعي الفرنسي، التي تدافع عن حقوق العمال العرب المهاجرين في فرنسا.
علما أن آراء هذه المنظمات تتباعد عن بعضها البعض بشكل واضح خاصة في موضوع النزاع في الشرق الأوسط. ولكن في هذه المرة قامت هذه المنظمات بالتعبير عن "قلقها العميق" من جراء "الرسائل المعادية للسامية" وذلك بشك مشترك.
نتيجة لذلك قام مجلس التلفزيون الفرنسي بتوجيه إنذار أخير لمحطة المنار التلفزيونية، ورفع في نفس الوقت دعوى جديدة لدى المحكمة الادارية العليا الفرنسية. فأعلنت المحكمة قرارها بالمنع.
بقلم برنارد شميد، حقوق الطبع قنطرة 2004
ترجمة مصطفى السليمان