اتهامات حادة

نظمت مؤسسة فريدربش إيبرت في برلين مؤتمرا لكشف العجز في التغطية الإعلامية لشؤون العراق وذلك بالتعاون مع اتحاد الصحفيين العرب في ألمانيا. تقرير بيتر فيليب من الدويتشه فيلله

نظمت مؤسسة فريدربش إيبرت في برلين مؤتمرا لكشف العجز في التغطية الإعلامية لشؤون العراق وذلك بالتعاون مع اتحاد الصحفيين العرب في ألمانيا. تقرير بيتر فيليب من الدوتشه فيلله

كانت فكرة المؤتمر جيدة: أرادت مؤسسة فريدريش إيبرت في برلين، بالتعاون مع اتحاد الصحفيين العرب في ألمانيا، كشف العجز في التغطية الإعلامية لشئون العراق، والبحث عن وسائل وطرق من أجل إحياء التفهم في وسائل الإعلام الأوربية، للمتاعب والضائقات التي تكتنف العراق. ولهذا الهدف تمت دعوة ممثلين إعلاميين عرب من العراق ومصر وفلسطين ولبنان، إضافة إلى خبراء ألمان في شئون الشرق الأوسط.

ورغم أن الجهات المنظمة قد خصت بالذكر أن وسائل الإعلام العربية، مثل تلفزيون الجزيرة، والعربية أو أبو ظبي تشارك الآن في السوق الإعلامي العالمي، إلا أنه اتضح أيضاً، أن لكل من المعنيين في هذا الصدد لغة أخرى مختلفة بحيث يتعذر على المرء فهم الآخر.
إذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن إذن أن يصدر هذا الاتهام التعميمي في برلين بأن وسائل الإعلام الغربية تساند الحرب في العراق؟ وكيف يمكن إذن التجني، أن وسائل الإعلام الأمريكية، بناء على طلب الحكومة الأمريكية، قامت جميعها بخلق جو عام مؤيد للحرب؟ إنها النظرية التي يدافع عنها وزير الثقافة اللبناني، غازي هاني عريضي، الذي يتهم الولايات المتحدة الأمريكية في المقام الأول أنها لم تشأ سماع الآخرين، ولهذا لم يكن الحوار ممكناً. وبينما كان الوزير يمدح القنوات الفضائية حديثة العهد نسبياً في العالم العربي، بدأ ناصر ونوس من قناة التلفزيون الإيرانية العربية "العلم" مهاجمة تلك القنوات، متهماً إياها بإجراء مقابلات مع سياسيين أمريكيين، مما يعتبر مساندة لواشنطن. وأن وسائل الإعلام الأوربية أيضاً تساند جميعها السياسة الأمريكية. ويذكر ونوس مضيفاً أنه لا توجد وسائل إعلام محايدة، ويطالب أن تقف وسائل الإعلام "إلى جانب الضحايا".

التحرير والتحرر

أحسن الصحفي اللبناني وسام سعادة من صحيفة السفير البيروتية بترفعه عن هذه التعميمات، والبيانات والأحكام الخاطئة، مستشهداً بجان بول سارتر، الذي قال ذات يوم أن الفرنسيين "لم يكونوا أبداً على هذا القدر من الحرية مثلما كان الحال تحت الاحتلال الألماني": "يجب على العراقيين الاختيار بين التحرير والتحرر. ولكن لن يمكنهم هذا إلا بتدخل أمريكي. المشكلة هي أن العراقيين لم يكن لهم –دون الأمريكيين- إمكانية لقتال المحتل أو الحياة متحررين من الدكتاتورية. إنه وضع شديد المأساوية والعدمية."

أمام خلفية هذا الموقف لم ترد على بال أحد من المشاركين فكرة أنه ربما كان في وجود أكثر من 120 صحيفة ومجلة جديدة في العراق اليوم بارقة أمل صغيرة. صحيح أن الصحف والمجلات ما تزال تحت الرقابة الصارمة لقوات التحالف – مما يشبه الوضع الذي كان قائماً في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أن في هذه المطبوعات إشارة إلى بداية جديدة مؤكدة. وهي مطبوعات يخشى الصحفيون العاملون فيها عداوة المجموعات الراديكالية أكثر من خشيتهم قيود الرقابة التي يفرضها الأمريكان. ولكنها تلك القيود التي يتم انتقادها في المقام الأول، من الصحفي المصري مصطفى الحسيني مثلاً، الذي يتهم الولايات المتحدة الأمريكية بفرض قيود شديدة على حرية الصحافة في العراق. هكذا، وكأن العراق كان يتمتع بتلك الحريات قبل الحرب.

لا يستطيع وسام سعادة قبول مثل هذا النوع من النقد إطلاقاً. فليس من واجب وسائل الإعلام التوسط في النزاعات، أو القيام بمحاولات الصلح، بل يجب على المرء أن يضع حدوداً فاصلة وواضحة لهذا الأمر: "يتمثل ما تقوم به وسائل الإعلام العربية في: أنها تعكس الرأي العام بشكل ديماغوغي. إن وسائل الإعلام إذن هي التي تشجع الديماغوغية. وما الديماغوغية سوى ممارسات الدول الدنيئة، وأنا أتمسك بصيغة الدول الدنيئة، لأن مشكلتنا لا تكمن في الاستبداد – فقد وجد في التاريخ مستبدون مستنيرون: لا تكمن المشكلة في عالمنا العربي في الاستبداد، وإنما في الطابع الدنيء للمستبدين."

بيتر فيليب، دويتشه فيلله 2003
ترجمة: حسن الشريف