تغيير الوقائع: فرصة لإسرائيل وجيرانها
تُغرِق الثورات في الشرق الأوسط المنطقة في أوضاع مجهولة. ولكن في الوقت الذي تسرع فيه القوى العالمية وغيرها الإقليمية للتكيّف مع الوقائع المتغيرة، إلا أنها تشكل أيضاً فرصة لإسرائيل والدول العربية لتشكيل روابط اقتصادية مفيدة بشكل متبادل وللتجمّع حول مصالح إقليمية مشتركة.
تقوم الثورات العربية بإعادة تعريف العلاقات الإقليمية بسرعة أكبر بكثير مما تعود عليه اللاعبون الإقليميون. على سبيل المثال، يجري الآن إعادة تقييم علاقات ما قبل الثورة بين إسرائيل ومصر من قِبَل المصريين. وقد أظهر استطلاع أجراه مؤخراً مركز بيو للبحوث أن 54% من المصريين يريدون إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل. وفي حال حصول ذلك، سوف تخسر إسرائيل أسعار الغاز الطبيعي التفضيلية، حيث توفر مصر 40% منه. ومن المحتمل كذلك أن تقوم دول عربية أخرى بإعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل.
لدى إسرائيل خياران في الوضع الراهن، فهي تستطيع إما أن تقبل العزلة المتزايدة في المنطقة، أو تستفيد من الوضع كفرصة في وقت يتم فيه إعادة تصفيف المصالح الجغرافية السياسية وإعادة رسم التحالفات. وكذلك الأمر بالنسبة للعرب، فهم يستطيعون أن يصبحوا أكثر اعتماداً على المعونة الخارجية، أو أن يدركوا أن هناك جار على أبوابهم يستطيع مساعدتهم على تحقيق درجة أعلى من الاعتماد الذاتي.
تتشارك إسرائيل اليوم مع الدول العربية في الحاجة لضمان أن تتمكن المنطقة من الصمود أمام التغييرات التي أتت بها الثورات، والحاجة لإدراك الفرص التي يمكن أن توفرها تلك التغيرات في الوقائع.
حجر العثرة الأكبر بالطبع هو النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي يجب عدم التقليل من أهميته. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن المشاعر الواسعة الانتشار المعارضة لإسرائيل داخل العالم العربي مرتبطة بالدرجة الأولى بالنزاع مع الفلسطينيين فإن التعاون مع إسرائيل سوف يصبح مهمة غاية في الصعوبة لتسويقها إلى الشارع العربي.
إلا أن الوقائع السياسية المتغيرة توفر الآن قوة اندفاع يمكنها، إذا جرى استغلالها، دفع القادة الفلسطينيين والإسرائيليين نحو توجهات ذات طابع عملي أكثر. يمكن للفلسطينيين أن يصبحوا المستفيدين بشكل أكبر من هذا التعاون، فهم يمسكون مفاتيح تكامل إسرائيل وانخراطها مع العالم العربي، ويتوجب عليهم استخدام ذلك ليس فقط كورقة للتفاوض وإنما كأسلوب للنظر إلى ما وراء النزاع.
ويُنظَر إلى دول الخليج بشكل عام إيجابياً من جانب الفلسطينيين حيث أنها لم تلعب الدور نفسه في تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي كما فعلت بقية الدول العربية. ويمكن لهذه العلاقة أن تصبح فرصة للفلسطينيين ليلعبوا دوراً رئيسياً كبناة جسور في تقوية العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل ودول الخليج.
أما الفوائد المحتملة لدول الخليج فلها أهمّيتها. فالضرر الدائم المحتمل للقطاع المالي في البحرين نتيجة الثورة هناك يجبر البنوك على الانتقال إلى دبي الآن، ومحتملاً إلى خارج المنطقة كلياً. وإذا حصل ذلك فسوف تحتاج دول الخليج إلى تعزيز جهود التنوع الاقتصادي لديها. وهناك شهية حقيقية في الخليج لأن تصبح المنطقة مركزاً لصناعة تكنولوجية متقدمة، ولكنها لا تظهر سوى تقدماً وأرباحاً محدودة حتى الآن.
وتستطيع إسرائيل مساعدة الخليج على تحقيق هذا التحول، ولديها هي أيضاً الكثير لتربحه من علاقة كهذه، فهي لم تستطيع حتى الآن الإبقاء على ثقافة المؤسسات الكبرى ورأسمالها لتمكين شركاتها المبتدئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة من التطور لتصبح صناعات عالمية قيادية ناجحة. وتنزع الصناعات الإسرائيلية المبتدئة، بعد سنوات قليلة لأن تهاجر إلى الغرب. أما الخليج فيملك رأس المال وإلى درجة ما ثقافة المؤسسات الكبرى الناشئة والآخذة بالنمو.
ويمكن أن يؤدي هذا التعاون كذلك إلى إيجاد المزيد من فرص العمل التي تحتاجها المنطقة بشكل يائس. ويمكن للفشل أن يعني المزيد من هجرة الأدمغة والتوترات الاقتصادية المتزايدة ومخاطر المزيد من عدم الاستقرار.
يعرّض الواقع المتغيّر الشرق الأوسط إلى تحدّي النظر إلى ما وراء "الوضع الاعتيادي للأعمال"، ويعرّض إسرائيل لتحدي الانخراط والتكامل بدلاً من عزل نفسها عن الوقائع الجديدة.
هناك حوافز وتشجيعات ومسؤولية أمام دول الشرق الأوسط للتعاون بشكل أوسع من أجل ازدهار مستقبل المنطقة. يحتاج المرء فقط لأن يغيّر العدسة وينظر إلى المنطقة من خلال ضوء مختلف، يضم المشاركة الكاملة لكافة الدول المجاورة.
###
* غانم نسيبة مستشار فلسطيني مركزه بريطانيا ومؤسس Cornerstone Global Associates Ltd.. ناڤا ماشيا مستشار إسرائيلي مركزه سويسرا والرئيس التنفيذي العام لـِ M.E. Links، ومستشار كبير في ISHRA ومحرر أخبار MEDABIZ الاقتصادية. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية.
مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 13 أيار/مايو 2011
www.commongroundnews.org