العدو من الداخل

رغم أن الأساليب التي يستخدمها "حزب الرخاء والعدالة" الأندونيسي ذات طابع سلمي فإن استراتيجيته تخدم مصالح الإرهابيين، حسب رأي الصحفي سعدانند دومه من جاكرتا.

​​رغم أن الأساليب التي يستخدمها "حزب الرخاء والعدالة" ذات طابع سلمي فإن استراتيجيته تخدم مصالح الإرهابيين، حسب رأي سعدانند دومه. فكلما أيقن الناس بأن الحداثة هي المشكلة الحقيقية وبأن الإسلام وحده يملك الإجابة على كافة الأسئلة، أصبح الاحتمال أكثر ورودا بجعل المتطرفين داخل الحزب يلجؤون إلى العنف يوما ما.

فيما دان رؤساء حكومات دول العالم المختلفة الهجمات الانتحارية التي زعزعت مؤخرا أوصال جزيرة بالي السياحية راحت الحكومة الإندونيسية تتعامل مع تلك الوقائع على نحو مغاير.

فقد نفى هداية نور وحيد الناطق بلسان مجلس النواب الذي هو أعلى جهاز تشريعي في البلاد نفيا قاطعا احتمال وقوع هجمة إرهابية جديدة (أي بعد الهجمة التي وقعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2002 والتي لقي فيها 200 شخص مصرعهم) وحمّل بدلا من ذلك المنافسات القائمة بين فعاليات قطاع السياحة المحلية مسؤولية وقوع تلك الاعتداءات بالقنابل.

لم يكن هذا التصريح مدعاة لدهشة الأشخاص المتابعين لمجريات السياسة الإندونيسية في الحقبة الماضية، خاصة وأن هداية نور وحيد من غلاة الأنصار الحميمين للزعيم الروحي لحركة الجماعة الإسلامية ، أبو بكر بشير، علما بأن الجماعة هي بمثابة الفرع الإندونيسي للقاعدة.

بالإضافة إلى ذلك كان هداية نور وحيد حتى وقت قريب ريئسا لحزب الرخاء والعدالة الذي هو اليوم بصدد إدخال صيغة رقيقة مفلترة للإسلام المتطرف إلى إندونيسيا فيما يزداد عدد مؤيديه بصورة متواصلة.

مضى عهد التعايش السلمي بين الأديان

لو نظرنا إلى الموضوع نظرة سطحية سريعة لتبين لنا بأن إندونيسيا هي آخر دولة تتواجد فيها تربة ملائمة لازدهار التيارات الإسلامية المتطرفة. فقد اشتهر هذا البلد دوما بقدر كبير من التسامح إزاء التعامل مع الشؤون الدينية كما قام بدمج عناصر من الديانتين البوذية والهندوسية، أي الديانتين اللتين انتشرتا فيه قبل ظهور الإسلام، في تقاليد المجتمع بدلا من أن يعمد إلى نبذهما.

لكن الأعوام الثلاثين المنصرمة شهدت ابتعادا متواصلا عن هذا الخط التسامحي. وكان الرئيس سوهارتو الذي استغرق حكمه للبلاد 3 عاما واشتهر بعدائه الصارخ للشيوعية قد أدخل أثناء عهده في المدارس نظاما موحدا لتدريس مادة الدين.

وتزامن ذلك مع تدفق "دولارات النفط" إلى البلاد من السعودية ودول الخليج ليتم بناء المساجد وتمويل أنشطة أئمة الدين الذين دعوا إلى تفسير القرآن على نحو أكثر تشددا من السابق. وسرعان ما تم نقل رسالة الإسلام الراديكالي عبر الإنترنت من طهران والرياض إلى المدن الإندونيسية مثل جاوا وسو مطره وسولافيزي.

شهدت إندونيسيا في غضون الثمانينيات هجرة مكثفة من الأرياف إلى المدن. وسلك العديد من الطلاب طريقهم إلى الجامعة أو إلى مدينة ما ليكونوا أول من يقوم بذلك في صفوف عائلاتهم. وقد قدمت لهم "حركة التربية" أطرا متينة ثابتة وأعطتهم معنى وهدفا لحياتهم كما أسبغت على نفوسهم أحاسيس الكرامة.

ساعدتهم حركة التربية في استيعاب وفهم المتغيرات المتعددة في محيطهم الجديد، وكانت أفكار هذه الحركة قد هيمنت في مطلع التسعينيات على كافة الاتحادات الطلابية بوجه عام. في نهاية عهد سوهارتو أي في عام 1998 بدأ الجيل الأول من الناشطين في حركة التربية يظهر إلى حيز الوجود علنا حيث قام بتأسيس حزب العدالة.

لم ينل الحزب في عام 1999 سوى 1،4 بالمائة من الأصوات بمعنى أنه لم يحرز 2 بالمائة من الأصوات أي النسبة المطلوبة كحد أدنى للسماح له بالمشاركة بالانتخابات المقبلة. لكن الحزب لم يعدل عن إصراره وحزمه وعمد إلى تغيير تسميته ليصبح اسمه الجديد "حزب الرخاء والعدالة".

أيديولوجية حركة الإخوان المسلمين

فعاليات هذا الحزب مشبعة بأيديولوجية حركة الإخوان المسلمين، وكان هداية نور وحيد الذي استقال في العام الماضي من منصب رئيس الحزب بعد أن تولى منصبه الجديد رئيسا للبرلمان قد نال كلا من درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه من جامعة المدينة المنورة في السعودية.

كذلك تخرج الأمين العام للحزب، أنيس متا، من فرع جاكارتا لجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض ، علما بأن هذه الجامعة تلتحم فكريا على نحو وثيق بحركة الإخوان المسلمين. هذا ويتم تقديم الدعم لهذا الحزب من قبل أشهر أقطاب حركة الإخوان المسلمين في الوقت الحاضر أي من رجل الدين المصري يوسف القرضاوي الذي يؤمن بإمكانية تحقيق أهداف الإسلام من خلال استخدام القنوات الديموقراطية أيضا.

لم يتعد عدد أعضاء حزب الرخاء والعدالة في عام 1999 أكثر من 60000 شخص، فيما تراوح عدد الأعضاء في عام 2004 بين 400000 و500000 شخص. كيف يسعنا تفسير هذا النجاح الجدير بالاعتبار؟

أولا لكونه الحزب الوحيد في البلاد الذي يملك كادرا يتسم بانضباط كبير. وبحكم أن العاملين في هذا الحزب يتمتعون بمرتبة عالية من التعليم ولكون الكثيرين منهم حائزين على شهادات جامعية في المجالين العلمي أو الهندسي فإنهم يميلون إلى تتبع أهدافهم بروح الانضباط والتنظيم. كما أن هذا الحزب يلتزم بجدية برسالته النابعة من تكريس الإصلاح على نحو أخلاقي.

يكاد يكون من قبيل المستحيل إيجاد ولو عضو واحد يدخّن أو عضو أنثى لا ترتدي الحجاب. وكانت كوادر هذا الحزب من أوائل الجهات التي قدمت الدعم للمتضررين بكارثة الطبيعة (سونامي) التي وقعت في المنطقة في ديسمبر/ كانون الأول 2004.

خطر يهدد إندونيسيا

على الرغم من طبيعة نشاط الحزب في الميدان الاجتماعي فلا توجد من الناحية الفكرية سوى فروق طفيفة بينه وبين الجماعة الإسلامية. فكما سبق للجماعة الإسلامية أن طالبت في بيان تأسيسها بالخلافة الإسلامية فإن حزب الرخاء والعدالة ينشد هو أيضا تكريس الدولة المبنية على أسس الخلافة الإسلامية. كما أن الحزب يستغل مثل الجماعة الإسلامية هياكله المبنية على تنظيم الخلايا ضمانا لأكبر قدر ممكن من سرية العمل.

تتفق الحركتان أيضا من حيث إعطائهما للحداثة تفسيرا انتقائيا للغاية، إذ أنهما تقيّمان هذه الظاهرة إيجابيا فيما يختص بعناصر التحديث العلمي والتقني، فيما يشجبانها في سياق ما تتضمنه من قيم غير إسلامية. هناك فارق واحد بين الحركتين وهو أن الجماعة الإسلامية تسير على نهج ثوري فيما يؤمن حزب الرخاء والعدالة بنهج التطور السلمي.

لكن هذا الحزب يشكل على إندونيسيا خطرا أكبر كثيرا من الجماعة الإسلامية. فمن خلال استخدام الجماعة الإسلامية للقنابل اصطدمت مع الحكومة في حرب مكشوفة لا يسع الجماعة إطلاقا أن تحرز النصر فيها.

أما حزب الرخاء والعدالة فإنه يسخر مواقعه في البرلمان وشبكة كوادره من أجل تحقيق أهدافه خطوة بعد خطوة وصوتا تلو الآخر. ونظرا لأنه يكرس وزنه السياسي استنادا على شخص بشير فإن ذلك يزيد من حدة الصعوبة التي تواجهها الحكومة في سياق احتوائها للإرهاب.

ورغم أن الطرق التي يستخدمها الحزب ذات طابع سلمي فإن استراتيجيته تخدم مصالح الإرهابيين، فكلما أيقن الناس بأن الحداثة هي المشكلة الحقيقية التي يعاني منها المجتمع وبأن الإسلام وحده يملك الإجابة على كافة الأسئلة، أصبح الاحتمال أكثر ورودا بجعل المتطرفين داخل صفوفهم ينضمون في يوم من الأيام إلى الإرهابيين بهدف تحقيق الأهداف التي ينشدونها.

يعود الأمر في نهاية المطاف بطبيعة الحال إلى الإندونيسيين أنفسهم وإلى قرارهم فيما إذا كان ينبغي على البلاد أن تسير في ركب التطور الذي تسلكه بقية دول جنوب شرق آسيا أم أن تبحث عن سبيل الإنقاذ لدى حركة ذات توجه رجعي ولا تهتدي إلا بنهج الأصولية الدينية. ففي الوقت الذي يواصل فيه حزب الرخاء والعدالة طريقه فإن مستقبل إندونيسيا سيعتمد بالتأكيد اعتمادا جوهريا على النتيجة التي سيصل إليها في نهاية هذا الطريق.

سعدانند دومه
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع مركز ييل لدراسات العولمة
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006

عمل الكاتب فيما مضى مراسلا لمجلة Far Eastern Economic Review في إندونيسيا وجريدة
Asian Wall Street Journal ، وهو يؤلف حاليا كتابا حول نهضة الإسلام الراديكالي في إندونيسيا.

قنطرة

حيث يمتزج الإسلام بطقوس قديمة
رغم أن الغالبية الساحقة من سكان أندونيسيا يعتنقون الإسلام، إلا أن الممارسات الدينية في مختلف أرجاء البلاد خليط معتقدات إسلامية، هندوسية، بوذية وعادات وطقوس قديمة.

فتاوى متشددة في إندونيسيا
أصدر مجلس علماء إندونيسيا فتاوى جديدة تثير نقاشا حادا داخل الرأي العام الإندونيسي. ويعترض على ذلك بصورة خاصة مسلمون معتدلون وممثلو منظمات إسلامية ليبرالية.

حوار بين الأديان في إندونيسيا
يعيش القس الكاثوليكي فرانس ماغنيس-سوزينو منذ ما ينيف عن ٤٠ عامًا في وطنه الذي اختاره، أندونيسيا. وقد حصل قبل حوالي ٣٠ عامًا على الجنسية الأندونيسية. يعمل هناك في سبيل الحوار بين الأديان.

شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي في إندونيسيا
قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 اجتمعت مجموعة صغيرة من المثقفين المسلمين في إندونيسيا للقيام بتكوين ثقل مضاد للحركات الإسلامية المتطرفة في بلدهم، وقاموا بتكوين شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي.