مقص الرقابة الإعلامية في زمن الأزمة المالية

مع ظهور ملامح الأزمة المالية العالمية بشكل واضح في الإمارات العربية المتحدة، ولاسيما في إمارة دبي، يوضح قنسطنطين شرايبر في هذه المقالة التحليلية أسباب خشية حكام الخليج من وسائل الإعلام وكيف يقاومون ذلك.

​​ينعكس ضوء الشمس الساطع على الواجهة الزجاجية لمبنى المدينة الإعلامية، بيد أن الظلمة تبدأ تخيم على محيط المجمع من الرابعة بعد الظهر. وبعدها تختفي الشمس خلف البيوت العالية التي تعلو مبنى المدينة الإعلامية بما يزيد على أربعين طابقا. وعندما أُنشئ مركز دبي للإعلام عام 2001 كان محيطه الواسع خاليا من البشر، ولم يكن هناك سوى صحراء شبه الجزيرة العربية. أما الآن فيرى المرء على مرمى البصر مباني خرسانية وفي احدى النواحي القريبة ميناء اصطناعي لليخوت. وقد نمت دبي على مدى عشر سنوات بمعدل سريع وازداد عدد السكان فيها بنسبة 12في المائة والنمو الاقتصادي بنسبة 15 في المائة.

ولكن معجزة الصحراء بدأ بريقها يخفق، وأخذت ملامح انهيار اقتصاد الإمارات العربية المتحدة تظهر للعيان مثلها في ذلك مثل اقتصاديات دول العالم الأخرى. والسبب في ذلك يعود إلى ارتفاع نسبة المغتربين ذات العواقب الوخيمة، حيث تقدر معاهد الأبحاث تراجع التعداد السكاني في دبي عامي 2009 و2010 بنحو 10في المائة. وتوقف العمل في أماكن البناء، وألغيت المشاريع، ورغم هذا يفضلون عدم الحديث عن ذلك.

"دبي نتاج وسائل الإعلام"

ومن المؤكد أن الإعلام ساهم في هذه النهضة، وكان عليه منذ البداية أن ينقل صورة دبي المتلألئة إلى العالم كله، وكانت نقطة انطلاق النشاط الإعلامي هي افتتاح فندق برج العرب عام 2000. وإلى جانب التصميم المعماري الفني الذي يشبه الشراع كان على الإعلام أن يرسم صورة للإمارات الطموحة الليبرالية ذات المستقبل الواعد التي تستحق الاستثمار فيها. ويرى غانم نسيبة، أحد المحللين في معهد "بوليتيكال كابيتال" المجري للدراسات والاستشارات والمختص أيضا في شؤون الخليج، أن "دبي هي في الواقع من اختراعات وسائل الإعلام، أوجدتها وشكلتها عن طريق الدعاية والتسويق".

​​وفي هذه الأثناء افتتحت معظم محطات التلفاز والأخبار العالمية مقرات لها في مبنى المدينة الإعلامية في دبي، بدءا من قناة "سي إن إن" وقناة "بي بي سي" ومرورا بوكالة "تومسون-رويتر" حتى قناة العربية وتلفزيون دويتشه فيله الألماني. ويبدو أنه بدأ التطلع إلى جعل دبي "محورا إعلاميا" علاوة على كونها ملتقى تجاريا وماليا.

هذا النجاح يرغب الآخرون في المنطقة محاكاته، وتعتبر أبوظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، أكبر منافس لِدبي في الحضور الإعلامي. ويرمي الحكام هناك دبي بنظرة كلها ريبة منذ أن بدأت في تحولها إلى "ديزني لاند في الخليج"، حسبما يعيّرونها. وأبوظبي ترغب في أن تجعل من نفسها منافسا لدبي في شبه الجزيرة العربية، وقامت عام 2008 بإطلاق شرارة البدء في مشروع "تو فور 54"، وهو اسم لمنطقة إعلامية جديدة انتسابا إلى خط الطول والعرض التي تقع عليه العاصمة. وترى ريم غزال الصحفية بجريدة "ذي ناشونال" في أبوظبي أن المرء استهان لمدة طويلة بنفوذ ميكانيكية الإعلام، وتقول: "والآن تريد أبوظبي، وهي أغنى إمارة بالنفط، أن تتفوق بميزانية لا يُستهان بها على مدينة دبي الإعلامية".

حرية الإعلام

وفي هذا لا تتمتع حرية الصحافة في الإمارات بحالة جيدة، فحسب قائمة نشرتها منظمة "صحفيون بلا حدود" سنويا عن مستوى حرية الثقافة في كل البلاد تحتل الإمارات العربية المتحدة المركز 69 من بين 173. وهذه القيود تفرض على وجه الخصوص على الإعلام الداخلي، حيث تقوم رقابة الإنترنت بحجب العديد من صفحات الويب، ومن بينها صفحات إخبارية. وحتى إذا كانت الرقابة تدعي أنها تستقصد فقط الصور الإباحية، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمد إلى حجب صفحات إخبارية ومعلوماتية نقدية مهمة. وهذا ما يحدث غالبا مع جريدة "بيلد تسايتونج" الألمانية، حيث لا تحذف فقط صور النساء العاريات، بل أيضا المقالات النقدية التي تظهر على شكل مساحات بيضاء.

وبغض النظر عن الحظر المباشر للمعلومات من خلال الرقابة فتُفرض علاوة على ذلك عقوبات قانونية في كثير من الحالات عند تسريب المعلومات أو إعدادها. وعند التصريح بما هو سلبي أو انتقادي ضد الأسر الحاكمة في مختلف الإمارات تُفرض في الغالب عقوبة الطرد من البلاد. فعلى سبيل المثال نشرت الصحافة في ربيع 2009 مانشيتات عن أحد أفراد الأسرة الحاكمة بأبوظبي عندما قام بتعذيب مواطن أفغاني في الصحراء وتم تداول لقطات التعذيب على صفحة يو تيوب. أما الإعلام الداخلي فلم يتطرق إلى هذا الموضوع تحسبا من إيقاع العقوبة على الصحفيين.

وعلاوة على ذلك فهناك ميول إلى عرقلة عمل الصحفيين داخل البلد منذ ربيع 2009، وتم توسيع نطاق العقوبات التي تُفرض على أنشطة معينة للصحفيين. والسبب في ذلك يعود إلى الأزمة المالية وعواقبها الوخيمة على الاقتصاد في الإمارات العربية المتحدة.

حرية الإعلام في زمن الأزمة لمالية

وطبقا لما لاحظه غانم نسيبة فإن حكام الخليج يركزون على رقابة المحتوى في أيام الأزمة المالية، حيث "تفرض القوانين الجديدة عقوبات مالية ضخمة على التغطية الإعلامية التي تعارض المصالح السياسية والاقتصادية. ويخضع هذا كله إلى كيفية فهم هيئة الرقابة المعنية للتقارير لدرجة التخوف من أن تؤدي القوانين الجديدة إلى ملاحقة تعسفية للصحفيين". وسوف تُفرض في المستقبل عقوبة مالية قدرها 500 ألف دولار على الشركات الإعلامية التي تقوم بتغطية إعلامية تحتوي على مسائل نقد، وهي عقوبة على كل حالة.

​​وترغب الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحالي عرقلة الدور الذي يشبه ما يقوم به الإعلام الغربي في الأحداث السياسية والاجتماعية، أي مراقبة منصفة لتصرفات الحكام ونشر المناقشات بين الجمهور. علاوة على ذلك يواجه التصور الغربي للعمل الصحفي بيئة تقوم على تسوية اختلافات الرأي سرا في إطار المحيط القبلي وليس في إطار مناقشات علنية. وما يعرقل العمل التلفازي أيضا حظر الإسلام للتصوير – وهذا الخطر لا يزال منتشرا في الخليج أكثر من الأجزاء الأخرى من العالم الإسلامي – وهو رأي تشبع به كثير من الناس بشدة وله تأثير على نطاق العمل.

الإعلام الأجنبي

ويشكّ كثير من الناس في استفادة الإمارات العربية المتحدة من إستراتيجية الإعلام الجديدة، منهم على سبيل المثال كرستيان كوخ من مركز أبحاث الخليج، حيث يقول: "إن طريقة العمل تؤدي إلى شيوع الإشاعات لأن الجميع يعتقدون أن المرء يخفي شيئا ولا يتكلم صراحة وصدقا، ولكن يحسّن الصورة. وقد يكون من الأجدى الإقرار أيضا بوجود مشاكل".

علاوة على ذلك هناك في الوقت الحاضر اتجاهات لتشديد الرقابة على الإعلام الأجنبي وفرض عقوبة عليه إذا لزم الأمر. ومثال على ذلك تصرف الإمارات القاسي الذي يخشاه الصحفيون الأجانب ما حدث في ربيع هذا العام مع قناة "بي بي سي"، حيث بثت القناة الإخبارية البريطانية برنامجا عن ظروف الحياة في معسكرات العمل في أبوظبي والأحياء السكنية في الضواحي التي يعيش فيها مئات آلاف العمال من جنوب وشرق آسيا ويعملون في قطاع الإعمار والإنشاءات. وتواجه قناة "بي بي سي" التهديد بسحب ترخيص الإرسال من مقرها في مبنى المدينة الإعلامية في أبوظبي. فبالنسبة للإمارات يتعلق الوضع بأشياء كثيرة، وهم يدينون للإعلام بنهضتهم التي أصبحوا من خلالها مثالا وقدوة عالمية في النجاح. ولكن الإمارات تعرض هذه النظرة للخطر في الداخل والخارج باستراتيجيتها الإعلامية الجديدة.

قنسطنطين شرايبر
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: مجلة تبادل الثقافات/قنطرة 2009

يعمل قنسطنطين شرايبر، المولود عام 1979، الحقوقي والصحفي حاليا لدى وزارة الخارجية الألمانية كمسئول عن المشاريع الإعلامية الألمانية في العالم العربي. ومن قبل كان يعمل مراسلا لتلفزيون دويتشه فيله بالعربية في دبي.

قنطرة

الحوار الإعلامي العربي-الألماني في دبي:
دبي ....عالم المتناقضات.....مصنع المفاجآت
يناقش الحوار الإعلامي العربي الألماني تأثيرات إشكالية التعددية الثقافية ومرحلة ما بعد الحداثة لإمارة دبي على المنطقة والهوية العربية. وهل تشير المشاريع العمرانية، التي تجاوزت كل الحدود، إلى مستقبل واعد، أم أن الإمارة ستفشل بسبب التناقضات التي تنطوي عليها؟ روديغر هايمليش في محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات.

التعليم في دول الخليج العربي:
المعرفة بدلاً من البترول
بدأت بلدان الخليج العربي تكتشف التعليم باعتباره ثروة المستقبل. ولأن المسؤولين هناك يريدون الوصول إلى نتائج سريعة، فقد استوردوا جامعات من الغرب. كما أن الدراسة على النمط الغربي والحياة على النمط العربي أصبحت حافزا للطلاب الخليجيين للإقبال على هذه الجامعات. أرنفريد شينك يعرفنا بالجامعات الغربية في منطقة الخليج.

حوار مع الشاعر الألماني الكبير هانز ماغنوس إنتسنسبرغر:
"أوروبا لا تمتلك حقوق الملكية الفكرية للتنوير"
بدعوة من حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اجتمع عدد من أبرز الكتاب والمثقفين العرب والألمان في "ملتقى الحوار العربي الألماني". كلمة افتتاح الملتقى ألقاها الكاتب والشاعر هانز ماغنوس إنتسنسبرغر، وفيها تعرض إلى احتياج العالم العربي إلى حركة تنوير جديدة. على هامش هذا الملتقى تحدث لؤي المدهون إلى الشاعر إنتسنسبرغر.