ثورة بدون تغيير في السلطة
الكاتب المصري المشهور علاء الأسواني يعبر عما تشهده مصر حالياً على النحو التالي: لقد قمنا بثورة ناجحة، لكنها لم تصل إلى السلطة. بدلاً من ذلك قمنا بتكليف الجيش بإدارة شؤون الثورة. ما زال عديد من المصريين ينظرون إلى جيشهم نظرة تقدير واحترام لأنه لم يتدخل في بداية الاحتجاجات في يناير / كانون الثاني وفبراير / شباط، ثم قام بعزل الرئيس، ووعد في نهاية المطاف بالتغيير الديمقراطي.
ولكن بعد مرور أكثر من أربعة شهور يتساءل عدد متزايد من المصريين ما إذا كان المجلس العسكري الأعلى والحكومة الانتقالية يريدان بالفعل تحولاً ديمقراطياً في البلاد، أم أنهما لا يريدان سوى تأمين مصالحهما الخاصة. وجِه النقد للجيش لأول مرة عندما قامت الشرطة العسكرية في التاسع من مارس / آذار بفض المظاهرات في ميدان التحرير بالقوة معتقلةً خلال ذلك نحو مئتي ناشط سياسي. وتقول التقارير إن الشرطة استخدمت في عملية الفض العصي والهروات والصدمات الكهربائية، كما تتحدث المتظاهرات عن تهديدات بالاغتصاب وتحرش جنسي.
عقوبات الجيش الصارمة
وتقول منظمات حقوق الإنسان إنه تم اعتقال عدة آلاف من الأشخاص منذ سقوط مبارك، ثم قُدم هؤلاء إلى محاكمات عسكرية سريعة وصدرت بحقهم أحكام بالحبس، كانت قاسية في بعض الأحيان. ووفق الأنباء الصحفية فقد لقي أربعة أشخاص مصرعهم في أقسام الشرطة خلال الأسابيع الأربعة الماضية. وفي شهر يونيو / حزيران أعلنت الحكومة عن إصدار قانون يلاحق كل من يقوم بإضرابات أو مظاهرات ويعاقب من يفعل ذلك بعقوبات صارمة.
ومن جانبها تشعر وسائل الإعلام بالضغط القمعي أيضاً. النقد الموضوعي للجيش، هكذا يتردد، مسموح به في وسائل الإعلام، غير أن الإهانة أو القذف أو السب يتم على الفور ملاحقتها قانونياً. ولكن الواقع يبين أن حدود "النقد الموضوعي" ضيقة للغاية.
خلال الأسابيع الماضية صرّح المجلس العسكري الأعلى – متوجهاً إلى الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون - أن التقارير المتعلقة بالجيش ستخضع للرقابة. وقد تم بالفعل استدعاء عدد من الصحفيين المعروفين والتحقيق معهم، كما تم إيقاف بث بعض برامج "التوك شو" المشاكسة. ويبرر أعضاء الحكومة هذه الإجراءات بضرورة إعادة الأمن والنظام وتقوية الاقتصاد. ومصر بحاجة ماسة حقاً إلى الاستثمارات والسياح، فالأسعار والفقر ونسب البطالة في ازدياد، وهو ازدياد سريع في بعض الأحيان. وفي الوقت نفسه فإن حدة التوتر بين الطوائف الدينية المختلفة تزداد، كما تتراكم التقارير التي تتحدث عن أعمال عنف.
غير أن الأمر يتعلق أيضاً بمصالح ملموسة للجيش الذي يدير على الأقل ثلث الاقتصاد المصري، حسبما يرى الخبراء. إن رجال الأعمال الذين يرتدون الزي العسكري ينتجون كل شيء تقريباً في مصر – من السيارات إلى المياه المعدنية. وبالصفقات العقارية تضخمت ثروة الجنرالات خلال السنوات الماضية. ويبدو أن الحفاظ على مثل هذه المصالح خط أحمر لا يجب على أي إصلاح أن يقترب منه.
الثورة الناقصة
الشكوك تنتاب القوى الليبرالية والعلمانية في مصر بشكل خاص في الوقت الحالي. في نهاية شهر مايو / أيار نظم نحو 400 مدوّن "مظاهرة إليكترونية" ضد المجلس العسكري الأعلى. ولا ينبع سخط المتظاهرين من الرقابة الحكومية فحسب، بل أيضاً من المسار السياسي الذي تنتهجه الحكومة الانتقالية.
ويرى مراقبون عديدون أن إجراء الانتخابات في سبتمبر / أيول المقبل وتأجيل كتابة دستور جديد يزيدان من فرص الإسلاميين وممثلي النظام السابق، كما يعتقدون أن الوعود الحالية والدعم والمحاكمات الصورية ضد مبارك وحاشيته والمنتفعين من حكمه لا غرض لها سوى تهدئة الشعب وإلهائه؛ بل إن فريد زكريا من شبكة "سي إن إن" ومجلة "تايم" يصف مصر في الوقت الراهن بأنها "ديكتاتورية عسكرية". غير أن هذا الوصف غير منصف، إذا نظرنا إلى ما اكتسبه الناس من حرية وما تتميز به الحركة الديمقراطية في مصر من عزم وتصميم. ولكن احترام شجاعة هؤلاء لا يجب أن يحوّل أبصارنا عن رؤية الواقع.
لقد شهدت مصر ثورة، لكنها لم تشهد انتقالاً حقيقياً للسلطة. ما زال النظام القديم هو المتحكم في الأمور خلف الكواليس. الجديد في الأمر الآن هو أن عديداً من رجال الجيش يخشون ضغط الشارع ويدركون ضرورة التغيير. وعلى ما يبدو فإنهم مستعدون للسماح بالمزيد من الحرية والمشاركة في اتخاذ القرار طالما بقيت سلطة الجيش وامتيازاته بدون مساس. هل يكفي هذا؟ على المجتمع المدني في مصر أن يقوم بالخطوات الحاسمة على طريق التطور المستقبلي للبلاد.
أندرياس ياكوبس
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق الطبع: مجلة "التنمية والتعاون" 2011 / قنطرة 2011
أندرياس ياكوبس باحث في العلوم السياسية والإسلامية، وهو يدير منذ عام 2007 مكتب مؤسسة كونراد أدناور في مصر.