نداء إلى الحوار بين العلم والإيمان
إن كلمة البابا التي ألقاها في مدينة ريغنسبورغ تبرر أن الكاثوليكية الأوروبية كعقيدة تعتمد على مبادئ الحكمة والعقل. وهذه المبادئ ليست بالمنطقية البحتة فقط ولكنها أيضا ذات طابع ديني. وبهذا المعنى بنى البابا بنديكت انتقادات لاذعة:
من ناحية إلى الإسلام الذي يعتبره ديانة غير منطقية، ومن ناحية أخرى أيضا إلى المسيحية التي ترى أن عقيدتها أصبحت فقط مبادئ أخلاقية أدبية وتبعد كل البعد عن ممارسة العبادة والتعاليم الدينية.
وكما تقول السيدة تينا بيتي في مقالها "البابا بنديكت السادس عشر والإسلام" الصادر في 18 سبتمبر / ايلول 2006 على موقع "أوبن ديمقراسي" فإن كلمة البابا لم تراعِ كل الحقائق التي قد تضعف حججه. والمسألة لا تتعلق حقا بذلك وإنما كانت الكلمة عبارة عن نقد العلاقة بين الإيمان والعلم. ولم يكن هذا النقد موجه في المقام الأول إلى المسلمين أو المسيحيين ولكن إلى ممثلي المجتمع العلمي غير المتديين. ومن قبيل التكهم والسخرية فسوف يوافق الكثير من المسلمين – وإن لم يكن غالبيتهم – على رأي البابا في العلاقة بين الإيمان والعلم.
ماذا يقول رأي البابا؟
لقد شكك البابا بنديكت السادس عشر في الإجماع الحالي للعلماء الذي يقول بأن طرق البحث التي تفترض أولا إفتراضات علمية ثم تقوم بالتجارب لإثباتها لا تصلح لبحث ما لا يمكن قياسه. وهذا ما ينطبق في الرد على مسألة وجود الله. فعند معظم علماء أصحاب المذهب العقلي تتعلق مسألة وجود الله بالإعتقاد وهذا ما لا يمكن إثباته أو انكاره.
وكثير من العلماء يعتنقون دينا وبعضهم ملحد. وبغض النظر عن بعض الاستثناءات المعروفة فكلا الطرفين يمشي حسب شعار "عِشْ ودعْ الآخر يعيش". والذين يعتنقون دينا بين العلماء يعلمون أنه عندما يكون وجود الله موضوعا للبحث العلمي فلزاما عليهم أن يقبلوا إمكانية عدم وجود الله. ولأن هذه المسألة لا يمكن أن تلق قبولا عند من يعتنق دينا فمن الأفضل ترك هذه المسألة.
أما بالنسبة للبابا بنديكت فيعتبر هذا الرأي بمثابة عدول عن الموضوع. وبينما اتفق العلماء فيما بينهم على عدم البحث في بعض المسائل، يرى البابا أن "التقييد الشخصي الذي يفرض على العقل أمام ما يمكن دحضه بالتجارب" يعتبر من الأشياء الغريبة. وقد أبدى البابا قلقه بسبب ازدياد تحكم المذهب التجريبي وأن هذا الادراك العالمي قد نفذ شيئا فشيئا إلى المجالات الفكرية والثقافية وإلى العلوم الإنسانية والفلسفة وعلم الإجتماع.
وإذا لم يكن هناك علم ذات أهمية إلا العلم التجريبي فلا اعتبارا تلقائيا لعلم اللاهوت والروحانيات كمنبع للمعرفة. وفي هذا الإتجاه يرى البابا بنديكت خطورة يعبر عنها بقوله: "إن الثقافات ذات الطابع الديني العميق ترى في هذا الاستبعاد للمقدّس من شمولية العقل هجوماً على معتقداتها الأكثر عمقاً".
وحدة العقيدة بين الكاثوليك والمسلمين
يمكننا أن نقول على سبيل الفكاهة أن كلمة البابا الأخيرة قد يكون كتبها أحد المسلمين لأنها تتفق تماما مع التصور الإسلامي السائد بخصوص العلم والدين. يرى كثير من المسلمين أن العقيدة جزء لا يتجزأ من العقل والعلم، كما أنهم يرون أن المبادئ الأخلاقية والسلوكية ينبغي أن تتكيف مع العقيدة الدينية والمعرفة العلمية.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن يقف الكاثوليك والمسلمون إلى جانب بعضهم البعض أمام الأمم المتحدة على سبيل المثال في مناقشة الحد من انتشار الإيدز. وأخيرا فهم يتفقون مع البابا بنديكت أنه من الصواب أن نصل إلى وجود الله والخلق عن طريق استخدام العقل.
لقد أعرب البابا بنديكت صراحة عن أسفه لما أثارته كلمته من موجة استنكار كبيرة، ومع ذلك فلم يقدم اعتذارا عما قاله. وحتى لو قدم الاعتذار فإن ذلك لن يجدي بشيء لأن نقده كان موجها إلى الإيمان العلمي ولم يكن موجها إلى العقيدة الإسلامية.
ومن الغريب أنه حاول فيما بعد أن يسوغ كلمته هذه كنداء إلى الحوار بين الأديان في حين أنها كانت في الحقيقة نداء إلى الحوار بين العلم والإيمان. ومن الأفضل أن نطوي هذه الصفحة. ولو قرأ رؤساء الدول الإسلامية والإعلام نص كلمة البابا قراءة عميقة لتجنبنا الأحداث المؤلمة التي حدثت
بقلم إحسان مسعود
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006
opendemocracy صدر المقال في موقع
إحسان مسعود صحفي ومشرف على مشروع Gateway trust ، مقيم في لندن.
قنطرة
أخطاء البابا وأخطاء المسلمين
خطأ البابا خطأ متعدد الجوانب: خطأ في المضمون، في السياق، وفي الزمان، وفي المكان. وخطأ المسلمين في الرد على خطأ البابا خطأ مركب أيضا: خطأ في مضمون الرد، وفي الأسلوب، وفي رفع مستوى الرد، وثم عدم قبول الأسف البابوي، حسب رأي خالد حروب
مها عزام حول حملة الإحتجاجات ضد محاضرة البابا
أثارت المحاضرة التي ألقاها البابا في ألمانيا ضجة شملت معظم الدول الإسلامية التي أعلنت عن احتجاجها على ما اعتبرته مساسا بالإسلام وشخصية النبي محمد. مقابلة مع الباحثة مها عزام حول دلالات هذه الاحتجاجات أجراها لويس غروب
www