الملف النووي الإيراني- من ''الخيار'' العسكري إلى المسار الدبلوماسي
بعد شهور من طروحات قعقعة السيوف من قبل إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، يبدو أن هناك استراحة جماعية مرحب بها.
منذ خطاب الرئيس باراك أوباما في الرابع من آذار/مارس أمام لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية (الإيباك)، تؤكّد جميع الأطراف على الأساليب غير العسكرية لمحاولة حل أزمة برنامج إيران النووي. فبينما أكّد على أنه مصمم على منع إيران من تطوير أسلحة نووية، كرّس أوباما جزءاً كبيراً من خطابه أمام اللجنة لشجب ما أسماه "الحديث المستشري" عن الحرب. كما تكلّم ببلاغة عن تكاليف النزاع العسكري بالنسبة لأمّة خاضت حربين خلال العقد الماضي. كانت رسالته لرئيس الوزراء الإسرائيلي الزائر بنيامين نتنياهو واضحة: لن أبدأ حرباً جديدة، وأنت لن تجرّني إليها.
وبدا نتنياهو بدوره ينحني أمام عدد من الوقائع
يعمل نتنياهو، وهو سياسي بارع على إعادة حساباته حول احتمالات إعادة انتخاب أوباما لفترة أربع سنوات أخرى. ويعرف الزعيم الإسرائيلي كذلك أن معظم المؤسسة الإسرائيلية الدفاعية والاستخباراتية، إضافة إلى غالبية الشعب الإسرائيلي، تعارض ضربة من طرف واحد لإيران والتي قد تثير رداً واسعاً وعنيفاً دون ان تتمكن من تأخير البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير. وصف مائير داغان، رئيس الموساد السابق، ضربة كهذه بأنها "غبية". ويناقش أوباما أن العقوبات الاقتصادية لها أثر كبير على الاقتصاد الإيراني، ويجب إعطاؤها المزيد من الوقت لكي تعمل.
تشير الأدلة إلى ذلك.
لقد خفّضت العقوبات المصرفية الأمريكية والتهديد بحظر نفطي أوروبي قيمة العملية الإيرانية إلى النصف، ورفعت معدلات التضخم والبطالة وخفضت إنتاج النفط. وقد ذكرت هيئة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي أن إيران تضخ 3,3 مليون برميل يومياً فقط، بعد أن كانت تضخ 3,8 مليون برميل السنة الماضية. وقد تنخفض صادرات إيران النفطية إلى النصف هذا الصيف. ورغم نفيهم أن العقوبات تشكّل عاملاً، وافق القادة الإيرانيون على العودة إلى المفاوضات مع ما يسمى P5+1، وهم الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، إضافة إلى ألمانيا. ويتوقع أن تبدأ المحادثات، وهي الأولى منذ كانون الثاني/يناير 2011، بعد عطلة رأس السنة الإيرانية.
تجري الجمهورية الإسلامية قبل بدء المحادثات حملة تهدف لأن تسحر المعنيين، حيث أعاد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي يوم 8 آذار/مارس فتوى صدرت عام 1995 بأن بناء أسلحة نووية يشكل "خطيئة كبرى". قام كذلك بالإشادة بأوباما لانتقاده لغة الحرب. "هذه الملاحظات جيدة وتشير إلى خطوة للخروج من الأوهام" حسب قول خامنئي. وفي 15 آذار/مارس، صرح محمد جواد لاريجاني، وهو فيزيائي درس في الولايات المتحدة لكريستيان أمانبور من السي إن إن، أن إيران سوف تقدّم "شفافية كاملة" لبرنامجها النووي مقابل قبول حق إيران في الحصول على الطاقة النووية بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. كما أنكر لاريجاني أن إيران لديها أية نية لمهاجمة إسرائيل، قائلاً أن إيران سوف تدافع عن نفسها ضد العدوان، ولكنها لن تضرب دولة اخرى أولاً. وقد أشار الإيرانيون إلى اهتمامهم في الحوار مع الولايات المتحدة بأساليب أخرى.
تلطيف الأجواء
وفي الخامس من آذار/مارس أمرت المحكمة العليا في إيران بإعادة محاكمة جندي سابق في المارينز، وهو أمريكي من أصل إيراني كان قد حكم عليه بالموت كجاسوس للسي أي أي. وفي الثالث عشر من آذار/مارس قامت الولايات المتحدة بترحيل تاجر سلاح إيراني اعتقل عام 2007 في عملية مموهة في جمهورية جورجيا، إلى إيران. تعمل هذه الخطوات، إذا اتخذت معاً على تحسين الجو من أجل المفاوضات. إلا أنه يبقى من غير الواضح ما إذا كانت إدارة الرئيس أوباما وشركاؤها سوف تقدّم مقترحات قد توفر لإيران أسلوباً لحفظ ماء الوجه للحد من التوترات.
وتضم العناصر الرئيسة تحديد الحد الأعلى لتخصيب اليورانيوم من قبل إيران على نسبة 5% U-235، وإيقاف أعمال التخصيب في موقع قريب من مدينة قمّ وتوفير سبل الوصول لهيئة الطاقة النووية الدولية إلى أماكن وعلماء لهم علاقة ببحوث الأسلحة النووية. في مقابل ذلك، من المرجح أن إيران سوف تطالب بالاعتراف بمعدل محدود من تخصيب اليورانيوم ورفع أو تأجيل بعض العقوبات. سوف تضع قدرة أوباما، في خضم حملة إعادة انتخابه، على التوصل إلى حل وسط مع دولة كانت عدوة للولايات المتحدة لمدة 33 سنة، قيد الاختبار استعداده على وضع المصلحة الوطنية فوق النفعية السياسية. سوف يتوجب على إيران بدورها أن تحترم التزاماتها إذا كانت تأمل بخفض الضغوطات الاقتصادية واتخاذ موقعها المرغوب به كقوة تتمتع بالاحترام في المنطقة وفي المجتمع الدولي.
باربرا سلافين
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2012
باربرا سلافين زميلة رئيسة في المجلس الأطلسي ومراسلة في واشنطن لِـِ Al-Monitor.com ومؤلفة كتاب صدر عام 2007 عنوانه "أصدقاء لدودون وأعداء مقربون: إيران والولايات المتحدة والطريق الملتوية للمواجهة".